الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الشيوخ والديمقراطية النيابية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كثيرًا ما يتم الحديث عن الديمقراطية بأنها الدواء الناجح والحصن الحصين لأفراز نظام سياسي يحقق العدل ويرسي العدالة ويحقق المواطنة، ولا يوجد تقريبًا نظام سياسي ألا ويقول أنه نظام ديمقراطي من قمة رأسه إلى أخمص قدميه. والديمقراطية هى إبداع فلسفي يوناني ظهر ما قبل الميلاد تحت زعم ما يسمى بحكم الشعب نفسه لنفسه،وكانت تلك الديمقراطية حين ذاك تعطى للأسياد وللطبقات المرموقة ويُحرم منها أغلبية الشعب، أي أن هذه الديمقراطية ليست للشعب ولكن للنخبة من الشعب، وكانت تمارس بشكل مباشر من خلال الاجتماع في ساحة لمناقشة القضايا ولذلك سميت بالديمقراطية المباشرة، ثم تطور الامر ولصعوبة اجتماع الاعداد الكبيرة أصبحت ديمقراطية غير مباشرة عن طريق أنتخاب نواب ينوبون عن الشعب حسب النظام الانتخابي المعمول به، هنا تبلورت فكرة الصناديق التي توضع فيها بطاقات الانتخاب لأبداء الراي،فتحولت الديمقراطية إلى صناديق وتحول المعنى الديمقراطي إلى شكل صناديقي، حيث إن العبرة ليست في التعبير عن الرأي في الصندوق،ولكن في حرية الرأي الذي تم التعبير عنه، فهل هذا الرأي تم بحرية تامة،عبرت عن رأي المواطن في أختياره للشخص المرشح بمعرفة شخصه وتاريخه ورأيه وتوجهه السياسي وأنتماؤه الحزبي وبرنامجه الانتخابي ؟ ام كان هذا التصويت نتيجة لوصاية دينية أو طائفية أو قبلية أو جهوية أو مناطقية.. إلخ؟. هنا الوصاية من أي نوع وباي درجة تسقط مفهوم حرية الرأي، لان التعبير عن الرأي هنا ليس نابع من قناعة الناخب ولكنه اختيار الوصي الذي سيطر على الفكر وسطح الوعي ودغدغ العاطفة الدينية وأثار النعرة القبلية، لذا لم يعد هذا الصندوق تعبير عن حرية أو ديمقراطية، ولكن أصبح وسيلة للأسترزاق السياسي، هنا كيف يمثل النائب مواطن يتناقض معه فكرًا ومنهجًا والأهم مصلحةً. فهل تتطابق مصلحة العامل مع صاحب العمل، والفلاح الأجير مع صاحب الأرض، والغني ورجل الأعمال مع الفقير؟!، المنطق يقول أن من حق كل شخص أن يدافع عن مصلحته، فهذه طبيعة الأمور وأستمرار الحياة، ولكن تعارض المصالح سيجعل من يمثلك هو من يتفق معك فكرًا ومصلحةً، الذي تتطابق مشاكلك مع مشكلاته وتتوافق قضاياك مع قضاياه، هنا فالنائب الرأسمالي ورجل الأعمال وتاجر الاراضي سيعمل في المجلس على تحقيق مصلحته عن طريق مشاركته في التشريع أو في محاسبته للحكومة وفي أختيار القضايا التي تعنيه وتحقق مصالحه، فأذا سيطر توجه القادرين ماليًا وقبليًا داخل المجلس لا شك سيكون التوجه العام لمصلحتهم، وهنا لا شك أن هناك نماذج تخطت الانتماء الطبقي نتيجة للتطور الفكري والأيمان بمبدأ سياسي وأصبحوا منحازين لغير طبقتهم وهؤلاء نماذج مقدرة مثل خالد محي الدين وأسماعيل صبري عبدالله ونبيل الهلالي وأبراهيم شكري،ولذا كانوا وسيظلوا زعماء. 
في مجلس الشيوخ لن يكون هناك عامل أو فلاح بالمعنى الطبقي لأن العضوية للمؤهل العالي، ناهيك عن ان رسم الترشح عشرة الاف جنيه،إلى جانب قدرة المال السياسي الذي أنهى أي تطلع لغير الاغنياء في الترشح لأي مجلس نتيجة الدعاية الانتخابية المعتمدة على توزيع الاحتياجات العينية لغير القادرين،وهذه الطريقة تعيد ما كان يحدث في الانتخابات قبل ثورة يوليو، فكان يوزع على الناخب نصف الجنيه الورق وبعد التأكد من أختياره المطلوب يعطى النصف الاخر. الاشكالية أيضًا ان المواطن والناخب ترسخ لديهم مفهوم خاطئ بأن الترشح والعضوية ونجاح النائب هو لقضاء المصالح الشخصية والذاتية للمواطن إلى جانب حضور المناسبات، وهذا أهدار واسقاط للقيمة السياسية لموقع النائب، فالنائب لا علاقة له بهذه الأمور،بل لا علاقة له حتى بالمشروعات المحلية،ولكن علاقته بأقرار الموازنة التي تقر هذه المشروعات، حيث إن النائب بتلك المواصفات لا يصلح لغير نائب مجلس محلي لقرية !.
رحلة الالف ميل تبدأ بخطوة والحل الحقيقي والديمقراطية الصحيحة هى حق المشاركة في أتخاذ القرار بأبداء الرأي الحر دون وصاية، فلا نريد أن نعود إلى ما قبل 30 يونيو لنظام عندما حكم تحكم في كل مؤسسات الدولة بعيدًا عن الدستور والقانون،وبعد التحكم سيطر على الوعي والرأي العام بشعاراته وأدواته والآخطر كان مرحلة الهيمنة التي كان يريد أن يلغي فيها الدولة والهوية والثقافة، مع العلم أنه جاء عن طريق ما يسمى بالصندوق. حمى الله مصر وشعبها العظيم.