الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تركيز الثروة ونشر الاستثمار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دائما ما يحظى رجال الصناعة في مصر على مر تاريخها الحديث وحتى الآن بالاحترام والتميز. فرجل الصناعة أكثر تحملا للمخاطرة وأكثر بذلا للمجهود الذهني والبدني ويتحصل على عائد استثماره بعد عناء طويل [وليس وليد صفقة تجارية لحظية] وهو أيضا يستوعب أعدادا متزايدة من الأيدي العاملة، ويدربهم، ويصقل خبراتهم، وينقل التكنولوجيا الى مصر، ويعطي قيمة مضافة أعلى، وفي معظم الأحيان يحول المواد الخام الى منتجات وسيطة أو نهائية ذات قيمة أعلى تدعم الاقتصاد وتزيد الدخل القومي وتقلل الاستيراد وتزيد الصادرات. وعلى سبيل المثال فإن القطن الخام يمكن للتاجر تصديره مباشرة. أما رجل الصناعة فيمكن له حلجه ثم غزله ثم نسجه ثم صبغه، ثم تحويله الى ملابس جاهزة، ثم تصدير تلك الملابس بعشرات أضعاف عائد القطن الخام.
ومع ذلك لاحظنا منذ مدة، أن كبار رجال الصناعة المشهورين في مصر والذين بدأوا كأفراد بسطاء ومن الصفر، دعمتهم البنوك الوطنية وحققوا ثروات بالمليارات، ونجحوا في تطوير صناعاتهم، ودعموها بأحدث ما في التكنولوجيا العالمية من معدات وأنظمة، وصدروا منتجاتهم الى كبرى دول العالم المتقدم. هؤلاء الصناع أضافوا الى امبراطورياتهم الصناعية، امبراطوريات أخرى عقارية. فدخلوا بكل ثقلهم، وعلى امتداد القطر المصري، في انشاء المنتجعات السياحية والكومباوندات والمجمعات السكنية والمولات التجارية. ودونما شك فقد دعمتهم البنوك التجارية بعشرات المليارات من الجنيهات.
ومن الثابت أن جميع رجال الصناعة الذين دخلوا تلك المجالات العقارية، لم تكن لهم أية خبرات عقارية، ولم يكن السوق العقاري في حاجة لخبراتهم. ومن ثم فقد أرى أن الهدف كان تحقيق مزيد من الأرباح في سوق شديد الربحية.
الفكرة التي أرى عرضها، أن الدولة لا بد من اصدار توجيهات للبنوك ولجهات توزيع أراضي الدولة وللمحافظات ولغيرها من الهيئات ذات الاختصاص، بالنظر في محاولة عدم تركز الثروة في يد قلة من الأشخاص أو الشركات أو الكيانات.
قد لا يكون من المناسب العمل على اصدار قوانين تعالج هذه الأمور. فقد يكون لها مردودات سلبية على مناخ الاستثمار، وقد يثور رجال الأعمال، وقد يتفلسف البعض في مدى دستورية ذلك من عدمه.
إن معالجة مثل هذه الأمور، ليس جديدا. فقد حاول البعض الحصول على تراخيص لتأسيس بنوك تجارية في مصر، فلم تتم الموافقة للبعض، لأسباب متمثلة في عدم تركيز الثروة والنفوذ وتعدد المجالات.
إن جميع دساتير العالم ومنها الدستور المصري، يحرمون الاحتكار. وأرى أن الاحتكار بمعناه الواسع وأهدافه السامية، ليس منحصرا في احتكار سلعة معينة أو مجالا معينا، بل إنه يتضمن التمدد السرطاني في جميع المجالات، وعدم ترك مجال الا ودخلت الكيانات الغنية فيه، ومن ثم تدمر وتضعف الكيانات الصغيرة والمتوسطة وتدفعها للإفلاس. وهو أمر مؤثم في قوانين تشجيع المنافسة.
إن رجال الصناعة الذين دخلوا بقوة في المشاريع العقارية، أصبح بإمكانهم عرض وحدات سكنية بشروط تجعل الكيانات الصغيرة والمتوسطة تخرج من السوق. كما أن ترك السوق العقاري ليتحكم فيه عدد محدود يعد على أصابع اليدين في دولة تزيد على 100 مليون نسمة، هو أمر يضر بالمنافسة المشروعة.
إن ما أقترحه على الدولة، أن تكتفي تلك الكيانات بمشروعاتها الحالية، وأن تكون أية توسعات في حدود معينة، وألا نسمح لهم بمشروعات جديدة والحصول على مزيد من الأراضي بينما هم ما زالوا ينفذون مشروعاتهم العملاقة.
لا بد من نشر المشروعات على كثير من الشركات، أو على الأقل أن تدخل البنوك المقرضة شريكا في تلك المشروعات مضمونة الربحية.
وختاما، أتذكر مصطلحا ظهر أيام الرئيس مبارك، وهو "التكويش" ونأمل أن يلفظ كبار رجال الصناعة من تلقاء أنفسهم مبدأ "التكويش" على الصناعة والتجارة والعقارات والبنوك، وأن يكتفوا بمهنتهم النبيلة "الصناعة" التي هي عماد النهضة المصرية وعمودها الفقري.