رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مؤاخذات الصعيدي ونقداته لمخالفيه في التجديد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انتهى عبدالمتعال الصعيدي إلى أن تمزق الأمة الإسلامية وأفول نجم حضارتها كان أمراَ محتومًا، إذ بلغ الغرب في مطلع القرن العشرين الميلادي ذروة قوته العسكرية واستقرت فيه ثقافة الروح العلمية والفلسفية، التي تدفع المجتمع إلى النهوض والرقي، فقضت سنة الحضارات بخضوع المسلمين إلى الاستعمار الروسي في أسيا وبعض بلدان أوروبا، والاستعمار الإنجليزي والفرنسي والإيطالي في أفريقيا وشبه القارة الهندية.
كما ذهب إلى أن مجددي ذلك القرن قد انقسموا إلى أحزاب واتجاهات عجزت جميعها عن إعادة البناء وإصلاح ما أفسده الجهل والجمود والتخلف، "فمصطفى كامل 1874-1908م"، و"قاسم أمين 1863-1908م"، و"محمد فريد وجدي 1878-1954م" قد حاولوا الإصلاح في جانب وأهملوا الجوانب الأخرى، بينما غلب على كتابات "طه حسين 1889 – 1973م " النكوص والتردد وعدم القدرة على التأليف بين الأصيل من الثوابت والحديث من المتغيرات. 
الامر الذي جعل الكثيرين من المحافظين وضعه في قفص الاتهام ونعته بالجنوح والتجديف والشطط احيانًا. ويضيف ان معظم كتاب القرن العشرين قد اهملوا توعية الأجيال الشابة من خطر الغزو الفكري واكاذيب المستغربين والمتشيعين للفلسفات المادية الالحادية. ويقول "ويمكننا بعد هذا أن نحكم بأن الأقرب إلى التجديد الإسلامي في هذا القرن هو من كان يجمع بين الثقافة القديمة والحديثة، وينادي بالإصلاح الشامل لأمور الدين والدنيا، وهذا لم يتوفر في واحد من هذا القرن من أوله إلى يومنا هذا كما توفر في الشيخ محمد عبده" وكبار تلاميذه. 
أما المتفرنجون فلم يكن شرهم أقل من الجامدين، فقد دعوا إلى تقليد الغرب دون تمحيص أو الإبقاء على الشخصية الإسلامية.
ولا غرو في أن هذه المقابلات والتحليلات التي قام بها "الصعيدي" للواقع الحضاري للمسلمين في العصر الحديث تكشف عن منهج عقلي في النقد، وثقافة موسوعية ودراية بفلسفة الحضارة، رشحته لاعتلاء منبر المستنيرين -في النصف الثاني من القرن العشرين- وأفصحت عن انتمائه لمدرسة الإمام "محمد عبده" ذلك الذي وصفه بالإمام والمعلم ورائد الإصلاح والتجديد الذي يجب السيّر على سنته في إصلاح الدين والدنيا، وإنهاض المسلمين.
ولا يؤخذ على "الصعيدي" إلا عدم درجه "رفاعة الطهطاوي" ضمن المجددين وذكر إياه عرضًا، رغم مناقشة "رفاعة الطهطاوي" لقضية التجديد والمجددين من جل نواحيها - التي أشرنا إليها سلفًا - إذ تحدث باستفاضة عن "كتاب السيوطي" وحديث المائة الذي استشهد به وصفات المجدد وعدد المجددين في القرن الواحد، ذلك فضلًا على اشتراطه الاجتهاد في المجدد- وكذا تجاهله لجهود "محمد إقبال (1877-1938م)" رغم اتفاقهما في العديد من القضايا، وتوسعه في عرض فكر "الباب ميرزا على محمد (1819-1950م)"، و"البهاء ميرزا حسين على (1817-1892م)"، و"ميرزا غلام أحمد القدياني (1835-1908م)" دون تبرير إلا رغبته في فضح حقيقة هذه الاتجاهات الهدامة التي افتتن بها بعض المسلمين، ولاقت قبولًا لدى الأمريكيين والأوروبيين، وكذا نقض الصعيدي فكرة المهدي المنتظر التي تبناها المتواكلون، ووقفوا عليها بعث مجد المسلمين ونهضتهم بعد كبوة لا يعلم مداها إلا الله.
أما المأخذ الثاني فيبدو في تأثره بالسابقين عليه وموافقته لبعض معاصريه، التي لم تكن على سبيل المسايرة والتقليد بل كانت وليدة نظرة تحليلية نقدية تعبر عن رؤية صاحبها الخاصة.
فلعل نقداته لبعضهم كانت وراء غضبة الازهريين عليه والمفكرين الحداثيين ايضًا، فعلى الرغم من تصريحه بإعجابه "بجمال الدين الأفغاني" نجده يعيب عليه بعض النواحي في نهجه الثوري في الإصلاح ويخالفه في حكمه على "السيد أحمد خان (1817-1898م)"، إذ حسبه "الأفغاني" من أذيال الإنجليز وواحدًا من الذين ارتدوا عن دينهم وخلطوا بين الأديان بغية توحيدها شان الماسونيين وحرفوا الكلم في تأويله للقرآن، ودعوا إلى مسايرة أوروبا وتبني فلسفتها المادية، في حين جعله "الصعيدي" من المجددين الذين يُؤخَذ منهم ويُرَد عليهم.
وقد خالف "الصعيدي" الإمام "محمد عبده" -الذي أكد بانضوائه تحت رايته وانتهاج ضربه- وذلك في موقفه الناقض من "محمد على باشا (1767-1849م)"، اذ كان يرى فيه - الأستاذ الامام محمد عبده - القائد التاجر والزارع والجندي الباسل والمستبد الماهر والحاكم الظالم، الذي قهر المصريين وانتهك كرامتهم، وذهب إلى أن نجاحه في العمران لم يكن سوى نجاح المستعمر الذي يعمل من أجل مصلحته، وتوطيد أركان ملكه وليس من أجل المصريين. كما ان خلفائه من بنيه لم يحسنوه معاملة المصريين، بل كانوا مثل الاتراك في جحودهم وتعاليهم.
ورغم ذلك كان "الصعيدي" يرى أن موقف "محمد على " الداعم لخطاب النهضة ومشروع التحديث قد دفع الرأي العام القائد وشجع الرأي العام التابع لنجاح حركة التجديد التي اضطلع بها "حسن العطار"، و"إبراهيم باشا" وغيرهما من المصلحين في شتى الميادين. وبرر عزوف محمد على عن إصلاح الأزهر يرجع إلى عنت شيوخه ورفضهم لمشروع حسن العطار وخوفهم من غضبتهم وتهييجهم للرأي العام. 
كما نجد الصعيدي يتفق مع "محمد إقبال"، و"عباس محمود العقاد" (1889-1964م) في مؤاخذاتهما على "محمد بن عبد الوهاب (1703-1792م)" ودعوته، ذلك لأن ما جاء به لم ينهض بالبلاد ولم يُحَدِث المجتمع، ولم يُخَلِص الفكر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي -في الجزيرة العربية- من جموده.
كما يأخذ محمد إقبال والعقاد على محمد بن عبدالوهاب عزوفه عن العلوم الغربية الحديثة، وتعويله على الميراث الفقهي في التأويل وحده، وقصره باب الاجتهاد على شرح الأحكام الشرعية، واستناده على الأحاديث في الفتوى دون تمحيص لها وإهماله متطلبات الحياة العصرية. ويوافقهما في تقييمهما لحركة "السيد أحمد خان" وثورة "كمال أتاتورك". ويخالف في الوقت نفسه أحمد أمين (1886-1954م) في إدراجه الحركة الوهابية ضمن الحركات النهضوية الإسلامية.
وللحديث بقية.