الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الانضباط.. بين الضرورة والحتمية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ فترة ليست بالقصيرة تجاوزت عدة عقود ونحن نسمع بين الحين والآخر لفظة «الانضباط» حيث تتردد إعلاميًا على الساحة المجتمعية ثم سرعان ما تختفى لتظهر من جديد. نذكر منها في التسعينيات، تلك الحملات المرورية التى تخص الشارع المصرى سواء المشاه أو المركبات. وفور أن تأخذ الحملة من أضواء الإعلام غايتها حتى تتوارى، لتظهر الكلمة مرة أخرى على اللوائح المؤسسية، والتى كان من أشهرها تلك الخاصة باتحاد كرة القدم المصرى مثالًا لا حصرًا. وكثيرًا ما تشكل اللجان المعنية بتطبيق تلك اللوائح، وهكذا دواليك حتى ليخال للمرء من كثرة الظهور والتوارى، وكأن الانضباط حالة مؤقتة زمنيًا وليست ضرورة مجتمعية مستدامة.

ومما لا شك فيه أن الانضباط إنما يمثل أحد الأسس التى تقوم عليها المجتمعات، لا سيما وأن ارتكازه على قاعدتى القانون والسلوك يجعله بمثابة المؤشر الصحيح الذى يمكن من خلاله قياس مدنية المجتمع وسبل تحضره. ولعل هذا ما يفسر كونه ضرورة مجتمعية أدركتها الحضارات القديمة مثلما عنيت بها المدنية الحديثة. وكلما اتسعت المتطلبات المجتمعية، وتضاربت المصالح كان الانضباط هو ضابط الإيقاع الأول سلوكيًا، وإن تم التغافل أو التعدى السلوكى عليه تظهر مخالب القانون الكفيلة بترويض المعوج وإعادة الأمور سيرتها الأولى وفق تشريعات تتواكب وطبيعة المتغيرات المستحدثة بحكم طبائع الأشياء. ولعل ما صاحب السوشيال ميديا حديثًا، ومن قبلها ما كان يحدث عبر وسائل الإعلام التقليدية لخير دليل على القدرة الذاتية لبعض المجتمعات لتفعيل إيجابيات المرحلة والتصدى لسلبياتها.

ولعل من أهم تلك السلبيات التى عايشناها وما نزال مسألة تكدير الصفو العام ببعض الأخبار المتداولة أو الشائعات المغرضة، فضلًا عن المساس المعنوى بسمعة الأفراد والمؤسسات، ظنًا من أولئك المرجفين قدرتهم على توجيه المجتمع أو العبث بالرأى العام لخدمة أغراض ذات مصالح سياسية أو اقتصادية قد تصل أحيانًا إلى الابتزاز المعنوى أو المادى. وهو ما يعكس حالة نفسية سادية النزعة تستوجب التصدى بكل السبل المشروعة. هنا يتعدى الانضباط مرحلة الضرورة إلى مرحلة الحتمية لكونه الرادع الناجع لمثل هذه التوجهات التى نلمسها من فترة لأخرى فيما يطلق عليه (تريند). لا سيما وأن فقدان المواجهة الشخصية بين طرفى النزاع قد يغرى أحيانًا بالتمادى إحساسًا بأمان زائف وعدم قدرة المعتدَى عليه من أخذ حقه في أغلب الأحايين. وهنا يأتى دور المؤسسات الرسمية المعنية بتفعيل هذا الانضباط الذى تجاوز مساحة السلوك الضيقة إلى ما هو أرحب منها، وهى مسئولية تحتاج إلى المزيد من الدعم اللوجيستى لتلك المؤسسات حتى تتواكب ملاحقاتها مع تسارع ما تفرزه (السوشيال ميديا) من (بوستات) تمثل تكديرًا للأمن العام أو السلامة لمفردات المجتمعات الشخصية والاعتبارية.

والواقع فإن تنامى الوعى بقيمة الانضباط إنما يقتضى تنشئة أسرية ومجتمعية مستنيرة كفيلة بأن تجعل منه أسلوب حياة، حيث يتحقق المرء مما يتلقى من أخبار من منطلق قاعدة «فتبينوا». كما يدرك أن التميز بالعقل والروية سمة من سمات الحكمة التى ميز الله بها الإنسان عن سائر مخلوقاته، وأن نعمة تيسير التواصل ينبغى أن تستثمر لتنمية الوعى بالذات والوطن، وترسيخ كل القيم النبيلة التى درج عليها المجتمع. وأنه بذاته قادر على تبنى الانضباط الذاتى دونما حاجة لعصا القانون، إيمانًا منه بأن «العبد يُقرع بالعصا، والحر تكفيه الإشارة».