الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأنبا بطرس فهيم: السماء هي شركة الإنسان مع الله

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال الأنبا بطرس فهيم مطران الأقباط الكاثوليك بالمنيا، بان الصعود هو عودة المسيح إلى السماء، وفي يوم من الأيام أرسل الله الملاك جبرائيل من السماء ليحمل البشارة إلى العذراء مريم بالحبل الإلهي.
وأضاف، أن الأقنوم الثاني من الثالوث القدوس سيحل في بطنها، ويظل تسعة أشهر ليأخذ طبيعتنا البشرية، ويصير إنسانا من أجلنا ومن أجل خلاصنا. وهكذا صار. تجسد المسيح بالروح القدس في أحشاء مريم العذراء البتول، وولد بعد تسعة أشهر، وعاش على الأرض كواحد من البشر لمدة من الزمن تساوي تقريبا 33 سنة، عاش كطفل يهودي عادي، ومارس ما تنص عليه الشرائع والفروض اليهودية، عمل نجارا في قرية بسيطة، وكان يمارس حياته بشكل بسيط لم يلاحظه أحد، ولم يكن مميزا، في الظاهر عن أحد بشيء، يأكل ويشرب ويعمل ويعيش مثل كل الناس، وهو لم يزل ابن الله وكلمة الله المتجسد.
واستطرد: في سن الثلاثين تقريبا نال العماد على يد يوحنا المعمدان، وبعدها انطلق في رسالته العلنية فصار يجول يبشر بملكوت الله، ويعلن قرب الله من شعبه من خلال تعاليمه ومعجزاته ومحبته العملية للجميع. وأخيرا مات بحكم جائر ظالم اتفق فيه عليه اليهود والرومان معا وصلبوه، ومات ودفن في قبر جديد في بستان وحده، وختم القبر ووضعت عليه حراسة مشددة، ولكنه قام في اليوم الثالث كما في الكتب، وظهر لتلاميذه القديسين ليشددهم ويثبت إيمانهم وبعد أربعين يوما صعد إلى السماء.
وتابع الانبا بطرس فهيم: هذه هي القصة باختصار شديد. ولكن السؤال هو: هل صعد المسيح إلى السماء كما جاء من السماء بلا زيادة وبلا نقصان؟ والإجابة هي لا بكل تأكيد. فمسيح البشارة، حين كان نازلا من السماء، كان ابن الله، وكلمته الأزلية، وأقنومه الثاني، ومن نفس طبيعة الآب، ومساو له في الجوهر، كل هذا صحيح. ولكنه لم يكن بعد تجسد، فهو أخذ جسده وطبيعته البشرية من مريم العذراء، ففي أحشاء مريم العذراء أضيفت الطبيعة البشرية إلى الطبيعة الإلهية، واتحد بها اتحادا كاملا بلا اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا ذوبان. وستطل هاتان الطبيعتان الإلهية والإنسانية في يسوع المسيح إلى الأبد.
والهدف الرائع من سر التجسد والفداء. أن يضع يسوع المسيح الإنسان في مكانه الطبيعي، في السماء، في حب الله وفي قلب الله، الذي من أجله خلقه، على صورته ومثاله، ونفخ فيه من روحه، عند الخلق، ولكن الإنسان ضيعه بخطيئته وتمرده على الله وعدم طاعته. فالله حين خلق الإنسان على صورته ومثاله، ونفخ فيه من روحه ساعة خلقه، وضع فيه أيضا الشوق إلى الألوهة، وهذا هو العنصر الذي لعبت عليه الحية في إغواء حواء، فقالت لها إن الله منع عنكم الأكل من شجرة معرفة الخير والشر لأنكما يوم تأكلان منها تنفتح أعينكما وتصيران مثل الله (تكوين 3: 5).
واستطرد فهيم، عيد الصعود هو تتويج لهذه المسيرة التي بدأت في الخلق، والتي رعاها الله بحكمته ومحبته ونعمته بصبر كبير، وبأسلوب تربوي رائع ليصل إلى أن يحقق مخططه، رغم كل ضعف الإنسان وسقطاته الكبيرة والعديدة، إلا أن الله لم يتركه ولم يتخل عنه أبدًا، فمشروع الله لا يفشل أبدا. ومشروع الله على الإنسان هو أن يقدسه ويشاركه في المجد، وها هو السيد المسيح اليوم يحقق هذا المشروع بقوة. يعلمنا عيد الصعود إذا أن مكان الإنسان الحقيقي، ومصيره الأبدي، هو هناك مع الله، بل في قلب الله، وليس على الأرض معجونا في ترابها مع النباتات والحيوانات، وأحيانا حتى مع الحشرات في القبر. وهذا ما يقول الشاعر اللبناني الأصل جبران خليل جبران في كتابه النبي وفي نشيد المحبة حين يقول: "أما أنت إذا أحببت فلا تقل الله في قلبي، لكن قل أنا في قلب الله". وهذا ما قاله القديس أوغسطينوس في كتابه الاعترافات: "خلقتنا لك يا الله وقلوبنا ستظل حائرة إلى أن تستريح فيك".
وأشار فهيم، بانه بعد عشرة أيام نحتفل بعيد العنصرة، الذي فيه نحتفل بحلول الروح القدس الذي يحيي الكنيسة ويشعلها بنعمه ومواهبه ويعطيها طاقة وانطلاقة لتحقق ما من أجله أقامها وأرسلها فاديها معلمها ومخلصها يسوع، لتحقق، بالاتحاد مع رأسها يسوع، مشيئة الآب في أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون.
واختتم الانبا بطرس فهيم عظته، السماء هي شركة الإنسان مع الله، واتحاد كيان الإنسان بكيان الله. وهذا ما قاله يسوع في يوحنا 14 حين قال لتلاميذه: "أنا ذاهب لأهيئ لكم مكانا. ومتى ذهبت وهيأت لكم مكانا أرجع وآخذكم إليَّ لتكونوا حيث أكون" (يوحنا 13: 2 – 3)، ليكونوا حيث يكون يعني لكي يشاركوه في هذا الكيان، وهذا الوجود، وهذا المجد. وهذه الشركة وهذه الوحدة التي صلى من أجلها يسوع في صلاته الكهنوتية في يوحنا 17 حين قال: "أجعلهم كلهم واحدا ليكونوا واحدا فينا، أيها الآب مثلما أنت فيَّ وأنا فيك، فيؤمن العالم أنك أرسلتني. وأنا أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحدا مثلما أنت وأنا واحد. أنا فيهم وأنت فيَّ لتكون وحدتهم كاملة ويعرف العالم أنك أرسلتني وأنك تحبهم كما تحبني. أنت وهبتهم لي، أيها الآب، وأريدهم أن يكونوا معي حيث أكون، ليروا ما أعطيتني من المجد..." (يوحنا 21 – 24)، هذه الوحدة وهذا المجد يبدأ هنا والآن للمؤمنين بيسوع ويكتمل في المجد.