الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مبارك فصل من التاريخ (13)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ستبقى الضربة الجوية الأولى هى مفتاح النصر فى حرب أكتوبر المجيدة شاء من شاء وأبى من أبى، فلولا ما حققته من نتائج مبهرة أدت إلى شلل تام وصدمة مروعة للجانب الآخر ما كان التاريخ سيحكى كما نحكيه الآن، وفى ذلك يقول المشير عبدالغنى الجسمى فى مذكراته: «كانت قلوبنا فى مركز عمليات القوات المسلحة تتجه إلى القوات الجوية، ننتظر منها نتائج الضربة الجوية الأولى، وننتظر عودة الطائرات إلى قواعدها لتكون مستعدة للمهام التالية، كما كان دعاؤنا للطيارين بالتوفيق وأن تكون خسائرهم أقل ما يمكن.. لقد حققت قواتنا الجوية بقيادة اللواء طيار محمد حسنى مبارك نجاحًا كبيرًا فى توجيه هذه الضربة، وما حققته فيها من نتائج بأقل الخسائر التى وصلت فى الطائرات إلى خمس طائرات فقط، وهى نسبة من الخسائر أقل جدًا مما توقعه الكثيرون». وها هى الدقائق تمر كأنها الساعات، الكل فى انتظار عودة الطائرات المصرية، فماذا لو لم تعد كما توقع الخبراء السوفييت؟ وماذا لو أن الدفاع الجوى الإسرائيلى أسقط هذه الطائرات؟ هل ستعبر القوات البرية قناة السويس دون غطاء جوى؟ أسئلة كانت تدور بخلد كل القادة الذين يجلسون فى مركز عمليات القوات المسلحة بالكيلو 10 فى طريق السويس، وفى الثانية والربع تمامًا شاهد الجنود المرابطون على القناة والذين أتت لهم التعليمات بأن العبور سيبدأ بمجرد عودة طائراتنا، شاهدوا الطائرات عائدة فهللوا مرة أخرى «الله أكبر»، وبدأت أكبر ملحمة فى التاريخ الحديث، حيث عبر أكثر من ثمانين ألف جندى مصرى المانع المائى وقاموا بتحطيم الساتر الترابى بما فيه من نقاط حصينة ودشم، والذى كان يبلغ ارتفاعه أكثر من عشرين مترًا، وفى هذه اللحظات وجد اللواء حسنى مبارك نفسه فى مأزق إنسانى، فعليه كرجل عسكرى أن يبلغ مركز القيادة الذى يجلس فيه الرئيس السادات بما أحدثته الضربة الجوية من نتائج، ولكن فى الوقت نفسه يجب أن يبلغه أن الطيارين الخمسة الذين استشهدوا كان بينهم النقيب عاطف السادات الشقيق الأصغر للرئيس السادات، والذى كان فى قمة سعادته وهو يستمع لشرح مبارك على الخارطة بما أحدثته الضربة الجوية من تحطيم تام لمطارات العدو فى سيناء ومراكز الرادارات وقواعد الدفاع الجوى والطرق الرئيسية ومخازن السلاح، وهذه الأماكن كانت أجهزة المخابرات المصرية قد حددتها مسبقًا وأبلغت بها قواتنا المسلحة، ولم يجد مبارك مهربًا من إبلاغ السادات باستشهاد أخيه، فكانت لحظة قاسية على الرجل الذى أغمض عينيه عدة ثوان، ثم تمتم مرددًا: «ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أموتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون» «عاطف مش أخويا.. عاطف ابنى.. وكل عسكرى وظابط فى الجيش هو ابن من ولادى مافيش فرق» واستمرت المعركة، وظلت القوات الجوية تقوم بعمليات إبرار جوى لقوات الصاعقة، إلى جانب تغطيتها لتحرك جنودنا ودباباتنا فى الضفة الشرقية للقناة، وإذا كانت الضربة الجوية الأولى فى السادس من أكتوبر قد مهدت الطريق للقوات البرية لاقتحام قناة السويس واجتياز خط بارليف؛ فإن معركة المنصورة التى أدارها اللواء طيار حسنى مبارك فى الرابع عشر من أكتوبر، والتى استمرت لأكثر من خمسين دقيقة، كانت تمثل قمة أداء القوات الجوية، وأسهمت بشكل كبير فى صنع النصر، وهى أطول معركة جوية فى التاريخ، ولذا فقد اختير تاريخها ليكون عيدًا للقوات الجوية، وفى هذه المعركة شاركت أكثر من مائة وعشرين طائرة إسرائيلية من طراز الفانتوم وسكاى هوك، فى مقابل سبع وستين طائرة ميج مصرية، وكانت النتيجة هى سقوط سبع عشرة طائرة إسرائيلية وأسر عدد كبير من الطيارين، مقابل سقوط ست طائرات مصرية فقط، وقد بدأت المعركة فى الساعة الثالثة ظهر يوم الرابع عشر من أكتوبر، وذلك عقب انتهاء الرئيس السادات من خطابه التاريخى فى مجلس الشعب، والذى أعلن فيه نصر أكتوبر، ويبدو أن إسرائيل أرادت الرد على الخطاب بعملية عسكرية فى العمق المصرى، بحيث يبدو آثارها للشعب، ولذا فقد تحركت مجموعة من الطائرات الإسرائيلية قادمة من شمال بورسعيد على ارتفاع يقرب من مائتى متر، وحينما ظهرت هذه الطائرات على شاشات الرادار، قرر اللواء مبارك عدم التعرض لها، فهذه الطائرات ولاريب هى مقدمة لطائرات أخرى، وهذا ما حدث، واستمرت الطائرات الإسرائيلية فى التقدم حتى سماء المنصورة، وأتت الطائرات الأخرى لتفاجأ بأنها قد وقعت فى فخ مصرى، لتنتهى أطول معركة جوية فى التاريخ بنصر مبين للقوات الجوية المصرية.. وللحديث بقية.