الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

رسالة من أجزاء إلى المشير السيسي ( 2 )

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
** السيد المشير عبد الفتاح السيسي:
في الرسالة الأولى إليك تحدثت عن ضرورة استدعاء التاريخ، ووضع التجارب التاريخية نصب أعيننا، ودراسة تفاصيلها وظروفها وتطبيق ما يناسبنا منها، أو حتى إعادة تطبيق التجربة حرفيا إذا تطلبت مصلحة الوطن هذا، وتحدثت عن الرهان الكاسب دائما، وهو الرهان على الشعب "الحقيقي"، والحقيقي هذه صفة تعود على الشعب البسيط العادي - الشعب غير المسيّس - والذي هو تماما خارج ما يُسمّى بالتسمية الخائبة "النخبة"، وعفوا للفظ.
والرهان على الشعب الحقيقي هو الرهان الكاسب لا محالة، وهو الرهان الذي تحقق على أرض مصر مرتين - في حقبتين زمنيتين مختلفتين - وفي المرتين كان رهاناً كاسباً، وكانت المرة الأولى وقت أن راهن ابن الجيش المصري جمال عبد الناصر على الشعب الذي وصفه قائلا: "الشعب هو القائد.. الشعب هو المعلم"، فانتصر الشعب المصري العظيم لرهان القائد ابن جيش مصر ووقف وقفة صامدة وراء قائده واستطاع الشعب الوفي أن يحول الهزيمة العسكرية فى يونيو 67 إلى نصر عظيم، وجاءت المرة الثانية حين راهن ابن الجيش المصري عبد الفتاح السيسي على الشعب وناداه للخلاص من حكم عصابة الإخوان الإرهابية الظلامية، فلبّى الشعب المصري العظيم النداء وخرجت الملايين إلى الميادين، وانتصر الشعب المصري العظيم لرهان القائد ابن جيش مصر الذي استقوى بشعبه وخاطر بحياته ووضعها فوق كفه فداء لمصر وشعبها، ليأتي الثالث من يوليو ومصر الجميلة عائدة متخلصة من إرهاب الظلام وتخلفه.

السيد المشير، وفي الجزء الثاني من الرسالة أيضا سوف نقوم باستدعاء التاريخ، لتذكر كيف كانت مصر قبل ثورة 52، وماذا أصبحت وبعد فترة وجيزة. 
حدثت ثورة يوليو 52 ومصر سياسيا محتلة من الإنجليز، ومصر تأخذ أوامرها من السفارة البريطانية في كل ما يتعلق بشؤونها، ومصر منزوعة الإرادة، ومصر ثرواتها منهوبة من الغرباء بالإضافة إلى حفنة قليلة من المصريين لا يتعدون النصف في المئة، وبقية الشعب حفاة عراة جوعى يعملون بالسخرة ويرتدون الجلباب الأزرق، جلباب المستعبدين، وممنوع عليهم ارتداء الجلباب الأبيض، لون السادة، كانت مصر تنتظر المساعدات الخارجية رغم ثرواتها المنهوبة، ويعيش شعبها عيشة الغرباء، بينما الأجنبي يعيش عيشة صاحب الأرض فيها، وكانت مصر مجرد اسماً فوق خريطة لا تأثير لها ولا قيمة، وبخطة وطنية شاملة شجاعة تحدّى بها عبد الناصر العالم المعادي لتحرر الشعوب، ولن استطرد هنا كثيرا، لكن يكفي أن نذكر أن مصر - وفي تلك الفترة - بمقتضى هذه الخطة اقترب معدل التنمية فيها من معدل التنمية لدى اليابان وألمانيا، وبمقتضى هذه الخطة الوطنية الشاملة - وفي فترة زمنية وجيزة - أصبح اسم مصر وهّاجاً مضيئاً، وأصبحت كلمة مصر كلمة مؤثرة تتحرك بها الشعوب وتنتفض وتتحرر، وامتلكت مصر حريتها وإرادتها يوم امتلكت قوت شعبها، يوم قالت للمعونة "لا"، ويوم قالت حاجتنا سنوفرها بسواعدنا وسوف نكتفي بما ننتجه بأنفسنا. 

** السيد المشير عبد الفتاح السيسي، ومصر التي عادت من جديد بعد الثالث من يوليو 2013، هي في أشد الحاجة لاستعادة التاريخ حتى يستفاد منه، فمصر التي عادت إلينا عادت منهكة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وهي في أشد الحاجة لخطة وطنية شاملة. 
مصر - وكما قلت في كلمتك مخاطبا البسطاء - محتاجة لمن يفرض على شعبها الاستيقاظ مع اللحظات الأولى لإشراقة الشمس والخروج للمشاركة في مسيرة العودة بمصر من جديد إلى تصدر الصورة قائدة ورائدة مؤثرة، ومصر لن تكون هكذا - سيدي المشير - إلا عبر اقتصاد قوي يمنحها الاستقلال السياسي ويمنحها الإصلاح الاجتماعي ويعيد إليها النهضة الثقافية من جديد، ومصر تستطيع التصدر والقيادة من جديد لو أننا حافظنا على ثرواتها المهدرة، لافتقادها - ولسنوات طويلة -  لأيّة خطة وطنية خالصة مخلصة، وسوف آخذ من تصريح رئيسة المفوضية الأوروبية "كاثرين آشتون" - وهي ليست من المتعاطفين معنا، لكنها عندما تحدثت عن مصر وثرواتها قالت - "إن مصر تملك من الثروات ما يكفي لمساعدة ربع أوروبا"، والتصريح موجع وخطير. 

** السيد المشير، مصر تطالبك - بعد أن يكتب لها بإذن الله الخير وأن تكون أنت قائدها ورئيسها - بالحفاظ على ثرواتها وزيادتها، وذلك لن يكون إلا عبر إعادة الأنوار إلى مصانعها المظلمة بعد تعمد إفلاسها وإغلاقها، دع الماكينات تتطور وتدور من جديد بسواعد عمال مصر المتعطشين لأيام العمل والمشاركة في بناء مصر المنتجة المكتفية بإنتاجها، مصر تطالبك بأن نتوقف عن استيراد سلع لا يليق بمصر - التي علّمت العالم كله الزراعة التي بدأتها منذ آلاف السنين - استيرادها، مصر تطالبك بأن نأكل نحن شعب مصر ما يزرعه فلاحو مصر ومزارعو مصر، وغير هذا لا نريد أن نأكل، مصر تطالبك بمجتمع الكفاية والعدل، أن نكتفي بما ننتج وأن يحصل كل مواطن على ما يستحقه بما يقابل مقدار عمله، مصر تطالبك بالقضاء على التنطع والمتنطعين، فمصر تمر بظروف تتطلب من كل مواطن مخلص أن يشارك في مسيرة عمل جادة لا تتحمل أي تلكؤ، وأؤكد لك أن الشعب المصري يقف منتظرا الإشارة منذ سنوات، لكن من سبقوك لم يخلصوا له ولا لمصر، واستمرؤوا التبعية وارتضوا الضعف والهوان مقابل معونات مشروطة وقروض تضر أكثر مما تفيد، نرجوك نحن لا نريد هذه المعونة المذلة ولا نحتاجها، فقد عشنا بدونها سنوات وكنا مرفوعي الرأس، ونريد أن نعود من جديد مرفوعي الرأس بتحرّرنا الاقتصادي واكتفائنا الذاتي، نرجوك، إن هذه المعونة التي تمد الدولة أياديها لها فتحت الأبواب أمام ما يُسمّى بمنظمات وجمعيات المجتمع المدني لأن يمدوا هم أيضا أيديهم لتلقي المعونات الخارجية، والتي هي بلاء على مصر، فهي - ومع إغراءات تدفق الأموال الطائلة وضعف النفوس - قد جعلت من عدد كبير لا يستهان به من المصريين تابعين لشروط الخارج المانح للمعونات، موالين لهم على حساب الولاء لبلدهم صاحب الحق في الولاء له دون غيره، أرجوك اوقف المعونات الخارجية الأمريكية المشروطة والمهينة لمصر، حتى تستطيع أيضا - وللحفاظ على الأمن القومي لمصر - أن تمنع كل معونات أمريكية وغير أمريكية لمنظمات وجمعيات تسمى بالمدنية، تحولت إلى وسيلة لاختراق أمن مصر، والأدلة كثيرة، وهذا ملف يحتاج لفتحه إذا أردنا أن تتطهر مصر من كل الأوبئة والبلاءات.

ملاحظة: منذ سنوات كتبت مقالة في جريدة "العربي" أطالب فيها بإغلاق هذه المنظمات والجمعيات التي تتلقى معونات خارجية لخطورتها على أمن مصر القومي، فمن يمنح المعونة لا يمنحها حبّاً في عيون أصحابها وإنما لاختراقنا، وبشروط تتوافق مع مصالحه ومصالح بلده، وأذكر أن واحدا - من أصحاب منظمة من كبريات المنظمات وأكثرها قدماً - أجاب على ما طالبت به متسائلا: "وما هي الخطورة في هذا إذا كانت مصر نفسها - كدولة - تتلقى المعونات الأمريكية، وهل نحن نفعل ما لا تفعله مصر الدولة؟!"، وكان الرجل محقا في سؤاله رغم أنها كلمة حق أريد بها باطل.

** السيد المشير، أنا أكتب بدافع حبي لوطني الذي ليس لي سواه بديلا - ولن يكون - وسوف تتوالى كتاباتي، أو أجزاء رسالتي، والتي لا أدري حتى إذا كانت ستصلك أم لا، لكنني سوف أواصل كتابة أجزاء الرسالة، قائلة من جديد: السيد المشير، لقد فعلها عبد الناصر من قبل، فافعلها مثله وسر على بركة الله.

** وللرسالة بقيّة...