الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأب أغابيوس كامل: "فصح المسيح عبور الموت إلى الحياة"

الأب أغابيوس
الأب أغابيوس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال الأب أغابيوس كامل، كاهن احد الكنائس المصرية: "اننا في هذه الأيام نحتفل بأسبوع الآلام، وبين فصح المسيح، وفصح كورونا، لعلّك تتساءل ما علاقة كورونا بالفصح وأيّ رابطٍ بين هذه الجائحة، الّتي باتت تؤرّق العالم أجمع، وبين أسمى أسرار الإيمان المسيحي فإنّ زمن الفصح الّذي نعيشه في هذه الأيام شرقًا وغربًا، وإن كان يختلف هذا العام أسبوعًا، في موعده بين التقويمين إلّا أنّه يواجه نفس الظروف من غلقٍ للكنائس ومن حَجْرٍ صِحّيّ إلزاميّ في غالبية دول العالم".
وأضاف: "الأمر الذي دعاني أن أتأمّل معنى هذا العيد على ضوء ما نحياه من ظروف استثنائيّة بسبب ڨيروس كورونا ولِمَ لا؟ ففصح المسيح هو عبور من الموت إلى الحياة وأزمة كورونا بالمثل قد تكون لنا فرصة عبور وتغيير وتجديد، فهناك ثمّة تشابهٍ بين مأساة الصلب من ناحية وبين جائحة كورونا من ناحية أخرى".
وأكمل: "نعم لقد كان الصلب مأساة فلقد كان الصليب هو طريقة الموت الأكثر شناعة والأكثر عدوانيّة، كان الصلب هو المأساة الأثقل عبئًا، والخسارة الأفدح ضررًا، والتي من الممكن أن يتكبّدها إنسان ذلك العصر، ومن هذا المنطلق يمكننا أن نضع بشكل متوازٍ هاتين المأساتين، ونقارن بين موقف المسيح إزاء الصلب وموقنا نحن اليوم إزاء جائحة كورونا، ولم يكن الصلب اختيار المسيح، كما أنّه لم يكن رغبة الآب كما يتخيّل البعض!، وهكذا أيضًا ليس الوباء إرادة من الله لترهيب البشر كي يتوبوا!، فالصلب كان اختيار البشر الذين ساقوا المسيح إلى الصلب كشاة تُساق إلى الذبح، وكذلك هذا الوباء ما هو إلّا شرّ طبيعيّ لا يعبّر عن إرادة الله حتّى وإن كان بسماح منه لأنّه لا يُجرّب بالشرور".
واستطرد: "لقد قبل المسيحُ الصليبَ (الّذي يمثّل إرادة البشر الشرّيرة) وجعل منه أداة خلاص ليحقّق بواسطة الموت والآلام فصحه وقيامته، إذ بالموت داس الموت وعبر بالّذين في كانوا في الجحيم إلى جدّة الحياة الدائمة، هذا الوباء أيضًا من الممكن أن يكون فصحًا لعالمنا، متى استطعنا أن نعي الدّرس الّذي لقّننا إياه!، وقد يكون هذا فصحًا لعالمنا اليوم: متى أدركنا قيمة إنسانيّتنا وفضّلناها على كلّ ما هو مادّيّ!، ومتى عَبَرْنا من أنانيّتينا (الّتي هي الموت بعينه) إلى انفتاح الحبّ والتّضامن مع الجميع!، ومتى تركنا التّدين لننعم بروح الإيمان، ومتى تحوّلت قلوبنا مذابح تُرفع عليها ذبيحة حمد وتسبيح، ومتى أيقنّا أن السبت خُلق لأجل الإنسان وليس الإنسان لأجل السبت، ومتى تلاشت الفجوة بين إيماننا وحياتنا، بين صلاتنا وعملنا وبين ما نقوله وما نفعله، ومتى دفعنا اشتياقنا إلى مذبح كنيستنا لأن نكتشف من جديد المذبح العائليّ وصلاتنا معًا كأسرة، ومتى تأصل فينا حبّ الجميع دون قيدٍ أو شرط، ومتى أدركنا مدى هشاشة نظام العالم الّذي نعيش فيه ونسعى بكلّ جهد لنجعل منه عالمًا أفضل، ومتى تحوّلت عيوننا عن انتقاد الآخرين لتشّجعهم وتساندهم، ومتى تحوّل منطق تفكيرنا وأسلوب حياتنا الاستهلاكيّ إلى نمط حياة منتج يعي قيمة الحياة في جوهرها لا في مظهرها!، ومتى تبدّلت قناعات مجتمعاتنا الّتي تبحث عن الشهادات لا العلم 
وتسعى للتربّح السريع على حساب حياة الناس وترهيبهم!، متى تحوّلت هذه المجتمعات من مجتمعات تقدّس التخلّف وتدافع عنه إلى مجتمعات تسعى للتجدّد والإبداع".
واستكمل: "متى كان رجال العلم والطبّ والإبداع محلّ تقديرنا أكثر من رجال اللهو والتّسلية الرخيصة!، ومتى استثمرت حكوماتنا في تطوير العلوم الطبيّة والأدوية ما تستثمره في تطوير الأسلحة ووسائل الدمار والتخريب، ومتى استطعنا أن نحيا معًا كإخوة متضامنين يساند بعضنا بعضًا!، ومتى تخلّينا عن عالمنا الافتراضيّ لنحيا حياتنا الأسريّة بعمق وانسجام!، ومتى أولينا أسرنا وأحبّائنا اهتمامًا أكثر من هواتفنا وحساباتنا الرقميّة!، ومتى تعلّمنا أن نقدّس عالمنا وبيئتنا بأن نجعله أقل تلوّثًا،و أعتقد أنّ ذلك هو الدّرس الّذي لقننا إياه كورونا!".

واختتم: "ليتنا نعي أنّنا مدعوّون أن نتحوّل على الدوام بتجديد أذهاننا، بتوبة قلوبنا وإعادة اكتشاف حضور الله الصامت في كلّ لحظات حياتنا، حتّى تلك الّتي يبدو لنا فيه أنّه قد تخلّى عنّا. إنّه حاضر في مأساة الصليب كما أنّه حاضر في خضمّ مأساتنا اليوم!، وانه قريب إلى أبعد الحدود يشاركنا آلامنا متضامنًا معنا إذ قد شابهنا في كلّ شيء ما خلا الخطيئة. 
نعم لقد ذاق المسيح كل آلام الصلب ليشاركنا آلامنا وآمالنا، ليهبنا أن نعرفه وقوّة قيامته وشركة آلامه، لعلّنا نبلغ به وفيه ومعه إلى فرح المجد وملء الحياة