السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

يسقط الإخوان ويحيا الإسلام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا أظن أن أحدا سيجادل في حقيقة "سقوط الإخوان"، وأن الذي سقط ليس هو التنظيم، فالتنظيمات قد تستمر فترة وقد يتآكل بنيانها وتضعف ثم تعود من جديد، ولكن الذي سقط هو مشروع الإخوان، ذلك المشروع الذي قال صاحبه "حسن البنا" في الرسائل وهو يخاطب الجماعة: "نحن - ولا فخر - صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تصغّروا أنفسكم ولا تقيسوها بغيركم!"، سقط المشروع الذي قال فيه البنا وهو يخاطب شعب مصر: "سندعو قومنا بالحجة والبرهان، فإن أبوا فبالسيف والسنان"، سقط المشروع الذي اعتبر السيف هو شعار الدين والقتال هو منهجه، وما كان الدين هذا أو ذاك، بل كان الدين هو ما قاله الله سبحانه: "فذكر إنما أنت مذكر"، وقوله :" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، وقوله: "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا * أفأنت تُكرِه الناس حتى يكونوا مؤمنين"، فليس من الدين الإكراه والإجبار، بل إن الدين هو أن تذهب إلى لله حُرّاً، ولكن مشروع الإخوان كان غير ذلك، وكان من آفات هذه الجماعة أنها لم تفكر في مراجعة هذه الأفكار ولم تسع إلى تغييرها وتصويبها، بل ظلت في طغيانها الفكري وشططها التأويلي وتعسفها الحركي.
وإذ ظهرت في الأفق - منذ سنوات مضت - مراجعات الجماعة الإسلامية، رغم أن معظمهم عدلوا عن مراجعاتهم بعد ذلك، كان البعض ينصح جماعة الإخوان بولوج طريق المراجعات، حتى ولو اقتصر الأمر على مراجعة التاريخ، إذ أن التاريخ بأحداثه وتدفقاته يصنع في بعض الأحيان أفكارا ويغير في أحيان أخرى أيديولوجيات، إلا أن جماعة الإخوان - إذ طُلب منها ذلك - صنعت لنفسها أذنا من طين وأذنا من عجين، وكأن الأمر لا يعنيها، بل كانت وجوه قادة الجماعة تمتعض وكأن المراجعة من المحرمات التي ينبغي على المسلم أن يتجنبها، أو الحرمات التي لا يجوز له الاقتراب منها، وكل الذي حدث من الإخوان وقتها أن قال المرشد الخامس مصطفى مشهور: "إن جماعة الإخوان جماعة ربانية لا يقترب الخطأ من حياضها، وأنني لا أتصور المراجعة لجماعة مرجعيتها هي القرآن والسنة، ومن يطالبون بالمراجعة لا يفهمون أن الخطأ لا يتطرق إلى الجماعة لأن يد الله مع الجماعة"، ومن بعده ردّ المرشد التالي له المستشار مأمون الهضيبي رحمه الله مستنكرا مطالبات المراجعة قائلا: "ماذا نراجع؟، نراجع القرآن أم نراجع الحديث الشريف؟"، وإذا قمنا بغض الطرف عن تلك الأقوال التي تجعل من جماعة الإخوان جماعة المسلمين وليست جماعة من المسلمين، بل وتجعلها كأنها هي الإسلام ذاته، وتضع فهمها للقرآن والحديث في مرتبة الصواب المطلق الذي لم يقل به أو حتى يدعيه جيل الصحابة وأجيال التابعين وتابعي التابعين وفقهاء الأمة المعتبرين على مر عصورها، إلا أننا لا يمكن أن نغض الطرف عن الخلط الذي تقوم به الجماعة دائما بين الأفكار التي تعتمد على فهم المسلم المجتهد للقرآن والحديث - وفقا لقريحته - والممارسة الحقيقية للأفكار على أرض الواقع، والتي تخضع للصواب والخطأ، كما أننا أيضا لا يمكن أن نغض الطرف عن أن من أخطر النتائج التي واجهتنا حين انتخب الشعب محمد مرسي - رجل الإخوان - رئيسا، أنها ادّعت القداسة واعتبرت خلافاتها السياسية مع الآخرين هي خلاف بين الإسلام والكفر الذي يعادي الإسلام، الذي هو بعينه في تقديرهم "جماعة الإخوان"، ولم يأت هذا التصور لديهم إلا من خلال نرجسية حسن البنا وعبادته لذاته، حينما قال لإخوانه وهو يعلمهم: "إذا قالوا لكم لا زلتم غامضين، قولوا لهم: نحن الإسلام"، وهكذا تربى الإخوان على أنهم هم الإسلام.
مما لا شك فيه أن الإنسان يحتاج دائما إلى وقفات يتأمل فيها أفكاره، ووقفات أخرى يتأمل فيها تاريخه، أو بالأحرى ماضيه ومواقفه وقراراته، يحتاج - على وجه الخصوص - لأن يراجع طريقة ممارسته لأفكاره، هل أصاب فيها أم أخطأ، والإنسان أو الجماعة التي تنأى بنفسها عن المراجعة بزعم أنها جماعة ربانية، حتما ستقع في نفس الخطأ أكثر من مرة، وتلدغ من نفس الجحر مرات ومرات، وتصطدم بالحائط نفسه في كل مرة، ولأنها لم تراجع نفسها سقطت وانتهى مشروعها وأصبح أثرا بعد عين، أما الإسلام فسيبقى إلى يوم الدين.