السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

شكرا أطباء مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ظهرت خلال الأزمة الأخيرة التي مرت بها مصر مع العالم أن الأهم في العالم أجمع هو الإنسان، وأن كل ما على الأرض يمكن التضحية به في سبيل الحفاظ على أرواح البشر. الطبيب كان هو خط الدفاع الأول عن صحة الإنسان، لذا كان الأطباء جنود بملابس ملائكة يقدمون كل ما يملكون من أجل أن يحتفظ العالم بثروته الأولى والأهم «الإنسان».
ظهر للعالم أيضًا مدى التعامل الممتاز للحكومة المصرية مع أزمة انتشار الوباء العالمي، وهو أمر يستحق الإشادة في الكثير من المقالات، في ظل ذلك ضرب الأطباء المصريون مثلًا مشرفًا في الدفاع عن بلادنا. ومازالت بطولاتهم في الدفاع عن بلادهم تتوالى في مواجهة الوباء العالمي، والمصريون يقفون وراءهم رافعين كل رايات الشكر والامتنان. هؤلاء الأطباء لا يحتاجون لخصم على الأطعمة مثلًا إلا أن أحد المقاهي أراد أن يقدم لهم خصمًا عليها كطريقة للشكر. كما قمت أنا بما أملك من خلال عملي في الجامعة. نريد أن نقول لهم فقط إننا ممتنون لما يقومون به ونعلم أنهم في غنى عن تلك التصرفات الصغيرة التي نقوم بها، لكنها طريقة لنشعرهم بأننا نرى ونعلم أنهم يقدمون تضحيات كبيرة من أجل إنقاذ العالم.
إن الطبيب المصري منذ فجر تاريخ البشرية له مكانة رائدة في العالم أجمع، فقبل الميلاد ظهر ما اصطلح على تسميته بـ«الطب المصري القديم» وهو مصطلح يشير إلى الطب المستخدم في مصر القديمة في الفترة من القرن الثالث والثلاثين قبل الميلاد وحتى غزو الفرس لمصر عام 525 ق.م. كان هذا الطب متقدمًا للغاية في ذاك الوقت، وشمل الجراحات البسيطة، وإصلاح كسور العظام وتركيب العديد من الأدوية. بالرغم من ارتباط الطب المصري القديم في الثقافة الحديثة بالسحر والتعاويذ، إلا أن الأبحاث الطبية أظهرت فعاليتها في كثير من الأحيان، واتفاق التراكيب الدوائية المصرية القديمة بنسبة 37% مع الصيغ المعروفة وفقًا لدستور الصيدلية البريطاني الصادر عام 1973م. حددت النصوص الطبية المصرية القديمة خطوات محددة للفحص والتشخيص والعلاج غالبًا ما كانت منطقية وملائمة. وترجع معرفة المصريين الأوائل بتكوين الجسم الآدمي مما كانوا يقومون به من تحنيط الموتى بغرض الحفاظ على جثمان أصحابها، ولم يكن الطبيب المصري محترمًا من بين المصريين وحدهم بل ذاع شأنهم أيضًا في البلاد المجاورة لمصر. تذكر المخطوطات المصرية القديمة أن أحد الكهنة الكبار إمحوتب يعتبر مؤسس علم الطب في مصر القديمة، كما يعتقد أنه مبتكر الكتابة الهيروغليفية، مما جعل المصريين القدماء يقدسونه في العصور المتأخرة من عصر الفراعنة بأنه «إله الشفاء». في عهد البطالمة نشأت عبادة أمحوتب، وترى آثاره في العديد من المعابد. كان المرضى يذهبون إلى تلك المعابد و«الزوايا» المقدسة التماسا للشفاء، وقلدها الإغريقيون وما يسمون «أسكلبيونس». وفي الإسكندرية خلال عهد البطالمة وصل علم الطب إلى ذروته. فكانت الإسكندرية مركزا للعلوم والثقافة والطب في عصر البطالمة وكانت مدرسة لتعليم الأطباء. وقد أثرت كثيرا على العلوم الطبية وطرق العلاج في بلاد اليونان وبالتالي على الطب في أوروبا. وكانت مكتبة الإسكندرية القديمة بها مخطوطات في الطب، ضاعت كلها أثناء حريق الإسكندرية الشهير
اهتم المصريون بالطب في العصر الحديث، فبجانب مطبعة بولاق، يعتبر مستشفى قصر العيني واحدًا من أقدم المؤسسات الحديثة التي ترجع أصولها للقرن التاسع عشر والتي مازالت تمارس دورها الرائد لوقتنا الحالي. وتعود أصول المستشفى للعشرينات من القرن التاسع عشر، في عهد محمد على باشا، وأخذت دراسة الطب في التطور الكبير السريع حتى أصبحت مصر حاضرة الطب في الوطن العربي، وتعلم فيها الكثيرون من العرب، ومازالت كليات الطب المصرية حاضرات طبية مهمة في العالم العربي، ويكفى أن ترى جنسيات من دول أجنبية مختلفة في مرضى مركز الكلى بجامعة المنصورة مثلًا حتى تعلم أن الطب مجال للتفوق ليس في القاهرة وحدها، لتصبح مدينة طبية رائدة على مستويات عالمية في بعض المجالات وتأخذ من المنصورة مقرًا لها. 
ترى اليوم صور الأطباء على مواقع التواصل الاجتماعي في حالة فخر بما يقومون به وإحساس كبير بالمسئولية وهم يحملون مفردات الـ«هاشتاج» (#ٍStayHome) وتحته (أنا في العمل من أجلك، إبقَ في بيتك من أجلنا). وكأنهم في خضم العمل يذكرون رسالتهم التي أقسموا عليها قسم أبقراط في الطب: «أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي. وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها، في كل الظروف والأحوال، باذلًا وسعي في استنقاذها من الموت والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم، وأستر عوراتهم، وأكتم سرّهم. وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله، باذلًا رعايتي الطبية للقريب والبعيد، الصالح والطالح، والصديق والعدو. وأن أثابر على طلب العلم، أسخِّره لنفع الإنسان لا لأذاه. وأن أوقر من علمني، وأعلّم من يصغرني، وأكون أخًا لكل زميل في المهنة الطبية في نطاق البر والتقوى. وأن تكون حياتي مصداق إيماني في سري وعلانيتي، نقيًا مما يشينني أمام الله ورسوله والمؤمنين. والله على ما أقول شهيد» شكرًا أطباء مصر. نحن آمنون لأنكم لا تنامون عنا. فليحفظكم الله وليحفظ بكم بلادنا. حفظ الله مصر من كل سوء وصرف عنها الوباء وشر الأعداء.