السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

دولتان أم ثلاث: في أرض فلسطين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم تعانِ قضية تحرر وطني من الاستعمار من “,”الرمزية والرموز“,” بقدر ما عانت وتعاني قضية الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال والاستعمار الصهيوني، فعديدة هي المحطات البارزة في النضال الوطني الفلسطيني التي دخلت، أو أدخلها المراقبون، في إطار هذه الرمزية، لم يكن أولها إعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر عام 1988 كما لن يكون آخرها طلب دخول فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة.
ولا يعني ذلك بالضرورة أن هذه الرمزية عبث لا طائل منه، فعديدة هي الرموز التي تدفع جماعة من البشر للاصطفاف حولها والتضحية من أجلها؛ ذلك أن الرموز تلعب دورًا مؤثرًا في تقدم الجماعات وتعيين الأهداف التي تنشدها في الحرية والكرامة، ولكن ما نقصده في الحالة الفلسطينية هو أن هذه الرموز والرمزيات تفارق الواقع، وتفقد معادلها المادي الموضوعي في الواقع، خاصة فيما يتعلق بالدولة الفلسطينية، أو حل الدولتين المتعارف عليه دوليًّا وإقليميًّا والذي يبقى حتى الآن في حيز الافتراض والمثال بأكثر مما هو في حيز الواقع المادي الملموس.
قبول الجمعية العامة فلسطين كدولة عضو مراقب في منظمة الأمم المتحدة لا يخلو من فائدة وجدوى، من منظور إدخال الأمم المتحدة وقراراتها الخاصة بالدولة الفلسطينية والقدس في معادلة الحل، واستحضار دور هذه الهيئة الدولية، التي كانت حاضرة منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة في القرار 181 لعام 1947 الخاص بتقسيم فلسطين، وتجنب انفراد إسرائيل بالمفاوض الفلسطيني بعيدًا عن الشرعية الدولية والمجتمع الدولي المسئول أخلاقيًّا وقانونيًّا عن خلق الدولة الإسرائيلية ومأساة الشعب الفلسطيني. وربما أيضًا قدره فلسطين علي ملاحقه مرتكبي جرائم الحرب.
بيد أن هذا التأثير المحتمل، والبعيد في الوقت ذاته، ليس بمقدوره تغيير مجريات الواقع الذي خلقته إسرائيل عبر احتلالها طويل المدى للأراضي الفلسطينية؛ فقد عملت إسرائيل على خلق واقع يهودي استيطاني سياسي اقتصادي، يقوِّض حل الدولتين من الناحية الواقعية، وذلك عبر الكتل الاستيطانية المستقطعة من مساحة الضفة الغربية والمتصلة جغرافيًّا بأراضي عام 1948، أو عبر الطرق الالتفافية والدائرية التي تربط بين هذه المستوطنات وبينها وبين إسرائيل، وكذلك عبر الاستيلاء الإسرائيلي المنظم على الأراضي الفلسطينية ومصادرتها، وفق مختلف القوانين الإسرائيلية التي تتيح مصادرة أراضي الفلسطينيين، أو عبر بناء الجدار العنصري، الذي أقرت محكمة العدل الدولية عدم شرعيته وقانونيته في الرأي الاستشاري المعروف، هذا الجدار الذي يتلوى “,”كالثعبان“,” في الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وفق العديد من الاعتبارات الإسرائيلية الديموجرافية والجغرافية، وتلك المتعلقة بمصادر المياه الجوفية والأمن.
والحال أن هذا الجدار يقتطع -بالإضافة إلى المستوطنات- مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية التي احتلت في عام 1967، وإذا ما أضيف إلى ذلك مشروع منطقة القدس الكبرى، الذي تعكف إسرائيل على تنفيذه منذ سنوات عديدة، لتبين لنا أن إسرائيل قامت بتقويض دعائم حل الدولتين، وما تبقى من أراضٍ للدولة الفلسطينية مجرد كانتونات معزولة غير متصلة جغرافيًّا.
تقاسم الضفة الغربية بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وشطب حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى فلسطين، هو جوهر الحل الإسرائيلي المطروح، كما أن المفاوضات من وجهة النظر الإسرائيلية هدفها النهائي تطويع الفلسطينيين لقبول هذا الحل بالترغيب والترهيب، وأن تجعل إسرائيل من كافة الخيارات المطروحة على الشعب الفلسطيني، سواء المقاومة أو التفاوض، لا تفضي إلى شيء باستثناء ما تريده إسرائيل.
يتحدث بعض المحللين الإسرائيليين منذ فترة، وعلى ضوء تقلص وتقويض حل الدولتين، وخاصة بعد سيطرة حماس على قطاع غزة، عن حل آخر، هو حل الدول الثلاث، أي دولة فلسطينية في قطاع غزة وبقيادة حماس، وأخرى فلسطينية أيضًا بقيادة السلطة الفلسطينية في بعض أراضي الضفة الغربية، ووجهة نظر هؤلاء تتلخص في اعتبار سلطة غزة إقليمًا معاديًا تسيطر عليه حماس، وفك ارتباط القطاع بإسرائيل ودفعه في اتجاه الإدارة المصرية، واقتطاع حوالي 600 كم2 من سيناء مقابل منح مصر أراضي في النقب وامتيازات أخرى، وهي الأفكار التي رفضتها مصر وستظل ترفضها، وقد عزز من وجود هذه الأفكار سقوط النظام القديم، وسيطرة وصعود الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر، فلم تعد مصر تخشى إقليمًا يسيطر عليه جناح الإخوان الفلسطيني، وثمة من التجانس الأيديولوجي والسياسي ما يسهل ذلك، بيد أن الحكم الجديد، كما القديم، لا يملك إلا رفض هذه الأفكار، والتمسك بصيغة الدولة الفلسطينية الواحدة في حدود أراضي عام 1967 بعاصمتها القدس.
صيغة السلام العربية، سواء أتمثلت في اتفاقيات أوسلو أو المبادرة العربية للسلام، أعلنت الجامعة العربية موتها عندما كان السيد عمرو موسى أمينًا عامًا للجامعة العربية، وبمناسبة العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة أعلنت الجامعة العربية، وأمينها العام، السيد نبيل العربي، عن ضرورة إعادة النظر في خيار السلام العربي، وهذه المواقف مؤشرات في فقدان الثقة العربية الرسمية في وجود شريك إسرائيلي في عملية السلام لديه نوايا صادقة في التوجه نحو سلام عادل ومتفاوض عليه ومقبول داخليًّا وإقليميًّا.
تتمسك إسرائيل، وحتى إشعار آخر، بأن السلام الذي تنشده يستند على مبدأ توازن القوى بالمعنى العسكري، وليس مبدأ توازن المصالح أو مبادئ الحق والعدل والشرعية الدولية، وتصر على عقد السلام في غيبة المجتمع الدولي وقراراته طيلة ما يزيد عن نصف القرن، وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على عملية السلام بانحيازها المعروف والمتكرر لإسرائيل، على حساب الحقوق العربية والفلسطينية، وضرورة أن يكون السلام مع العرب والشعب الفلسطيني مكرسًا للتفوق الإسرائيلي والهيمنة الإسرائيلية على المنطقة.
والحال أن الشريك الإسرائيلي يعتبر شريكًا متوحدًا مع نفسه، ومتوحدًا مع مفهومه للسلام، وليس مفهوم السلام المتعارف عليه عربيًّا وإقليميًّا ودوليًّا.
ربما يكون من الضروري في هذه الآونة، وخاصة بعد الثورات المصرية والعربية، أن تتوقف النخب الحاكمة عن إعادة إنتاج نفس الآليات والمبادئ التي أوصلتنا إلى الوضع الراهن، والبحث عن منظور جديد يواكب التطورات الحادثة عربيًّا وداخليًّا، وتلك التطورات المرتبطة بالمحيط الإستراتيجي الجديد الذي تواجهه إسرائيل، ونعني به فاعلية المقاومة، وانتهاء عصر الحروب الخاطفة والسريعة التي كانت تقوم بها إسرائيل، واهتزاز المبادئ الأساسية للعسكرية الإسرائيلية المتمثلة في التفوق والهيمنة ونقل المعارك إلى أراضي الآخرين، بالإضافة إلى تغير نمط الحروب والمواجهات، كما شهدنا في عدوانها على لبنان عام 2006، وغزة ،2008 وغزة مرة أخرى في عام 2012.
وهو الأمر الذي يقتضي تعزيز هذه المحصلة عبر رفع السقف السياسي للتسوية، والدخول في صلب الملفات المسكوت عنها عربيًّا، ملفات الأسرى المقتولين، والتعويضات عن استعمار واحتلال الأراضي العربية، والملاحقات القضائية والقانونية لمرتكبي جرائم الحرب الإسرائيلية، وإعادة تعريف القضية على نحو واضح باعتبارها قضية احتلال أراضٍ بالقوة، وانتهاك كافة المبادئ القانونية الدولية، سواء في القانون الدولي أو القانون الدولي الإنساني أو مواثيق حقوق الإنسان الدولية، وأخذ زمام المبادأة في تعرية إسرائيل، وفضح ممارساتها العنصرية ضد الشعب الفلسطيني وضد الشعوب العربية، وكسر احتكارها لموقع الضحية الأَوْلى بالرعاية، الذي شغلته منذ الحرب العالمية الثانية.