الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

في الذكرى الـ128 لميلاده.. السيد درويش.. إمام الملحنين ومجدد الموسيقى

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحل، غدا الثلاثاء، الذكرى الـ128 على ميلاد فنان الشعب الموسيقار الراحل السيد درويش، باعتباره مجدد الموسيقى وباعث النهضة الموسيقية في مصر والوطن العربي، فقد تميز بفراسة الالتقاط والتمييز وخلاصة بلاغته أنه يناجى الناس بما يهمس في هواجسهم وما يجيش في خواطرهم.

«قوم يا مصري»، «يا بلح زغلول»، «الحلوة دى قامت تعجن في البدرية»، «أنا هويت وانتهيت»، «زرونى كل سنة مرة»، «أهو ده اللى صار» وغيرها من الكلمات التى لحنها وتغنى بها درويش، فقد صار ملحن الثورة الخالد ومحرك الثورة ونافخ نيرانها، بما كان يبثه في ألحانه من قوى متدفقة وأنغام تهدر كما تهدر الرواسى الشامخات من الجبال ويتجه ماضيا إلى غايته في عزم وإصرار، فكان صادقا في إفصاحها لتظل منبع البساطة التى تصل إلى أعماق القلوب، فهو صاحب النشيد الوطنى المصرى «بلادى بلادى بلادي.. لك حبى وفؤادي».

وفي هذا «الملف» نستعرض بعض المحطات المهمة في حياة فنان الشعب في ذكرى ميلاده، إضافة إلى مقتنياته الخاصة.


*عباس محمود العقاد: مات نابغة الموسيقى المُفرد في هذا الزمان

«شمس المعارف» ذلك المدرسة التى نشأ وتعلم فيها تجويد القرآن، وإنشاد القصائد، وتمثيل الروايات الصغيرة، في ختام العام المدرسي على عادة أكثر المدارس في ذلك الوقت، كانت انطلاقة موهبته الغنائية وزين له البعض إحياء الليالى الخاصة، ونجح فيها نجاحا أغراه بالمثابرة والمزيد، حتى أصبح من أشهر ملحنى الإسكندرية، نصحه بعض عارفيه بالذهاب إلى القاهرة، فانتقل إليها وعرف فيها فضله، بدأ فيها صناعة التلحين المسرحى الجديد في اللغة العربية لتميزه بجودة الفهم، ودقة الذوق، وخصوبة الخيال، وما زال ينفرد في تلحين الروايات المختلفة.

ويقول عباس محمود العقاد في إحدى مقالاته عن الموسيقار السيد درويش بعد وفاته بعامين: «في مثل هذا الشهر منذ عامين مات سيد درويش، وإذا قلت سيد درويش فقد قلت إمام الملحنين ونابغة الموسيقى المفرد في هذا الزمان، لقد مات والقطر كله يصغى إلى صوته، وسمع نعيه من سمعوا صوته ومن سمعوا له صداه من مرتلى ألحانه ومرجعى أناشيده، فما خطر لهم إلا القليلون أنهم يسمعون نبأ خسارة خطيرة، وأن هذه الأمة قد فجعت في رجل من أفذاذ رجالها المعدودين.

أدخل «درويش» عنصر الحياة والبساطة في التلحين والغناء بعد أن كان هذا الفن مثقلا كجميع الفنون الأخرى بأوقار من أسجاعه وأوضاعه وتقاليده وبديعاته وجناساته التى لا صلة بينها وبين الحياة، فجاء هذا النابغة الملهم الذى ناسب بين الألفاظ والمعاني، والألحان، والحالات النفسية التى تعبر عنها، بحيث تسمع الصوت الذى يضعه ويلحنه ويغنيه، فقد تزاوجت كلماته ومعانيه وأنغامه وخوالجه منذ القدم، فلم تفترق قط ولم تعرف لها صحبة غير هذه الصحبة اللزام.


«العُود» و«الطربوش»

يقتنى المركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، «العُود» و«الطربوش» الخاص بالشيخ الراحل السيد درويش، وقد حرصت أسرته على إهدائهما للمركز، نظرا لما يحفظه من إرث فنى وتاريخ عريق.

فقد صُنع هذا العُود بالمصنع الموسيقى المصري، الكائن بشارع محمد على بدرب المنجمة أمام المناصرة نمرة 4، لصاحبه محمود على، تصليح جرجس موسى صيدناوى العواد بالشماشرجى في شبرا عام 1917، مدون به اسم السيد درويش محفورًا بداخله، وهذا ما أكده الملحن اللبنانى مصطفى يوسف، أثناء زيارته لمتحف المركز في إحدى دورات المهرجان العربى للمسرح بمصر، ظل هذا العود بمثابة الرفيق له في كل مكان وزمان لا يفارقه لحظة عندما تلامس أصابعه أوتاره يخرج منها موسيقاه العذبة التى تسكن القلوب، فقد جفت هذه الأوتار فور رحيله، ولكن تظل ألحانه باقية تتردد حتى الآن ويتغنى بها المطربون.

أما "الطربوش" الخاص الذى كان يرتديه «درويش» فقد صنع في شارع عبدالعزيز بالقاهرة على يد عبدالرحمن عفيفي، لذلك كان يمثل الطربوش في عهد محمد على باشا جزءا أساسيا من الزى العسكرى للجيش المصري، ولا يصبح مجرد زينة وإنما كان مظهرا للوقار والمكانة الاجتماعية، حيث انتشر بين طوائف الشعب المختلفة، وظل مستخدما في الدول العربية، وكان ضروريا لاستكمال المظهر الرسمي، فقد ارتداه الملك فاروق، حتى تم إلغاؤه على يد الزعيم جمال عبدالناصر، وأصبح في سير الذاكرة الشعبية والتراثية.


*الحسناء لطشت محفظة «درويش» في صيدناوي

ذكر حسن درويش أحد المواقف الأسرية في حياة فنان الشعب السيد درويش، المنشورة في العدد الأول لمجلة «تراث الموسيقى» في 2003 والصادرة عن المركز القومى للمسرح والموسيقى، التى من بينها حديث شائق لبديع خيرى يقول فيه: إن سيد درويش أبر إنسان عرفته أمه، وكان لا يقبض مالا إلا ويخص منه هدية لأمه، ولا يسلم عليها إلا وهو راكع على الأرض ويلثم يدها، أذكر مرة أننى وسيد درويش قبضنا «قبضية» حلوة من شركة أسطوانات كادرون، نظير تعبئة بعض ألحاننا، وكان أجر الملحن ضعف أجر المؤلف وقال لى سيد: «يلا بينا على صيدناوي» فسألته نعمل إيه؟ فقال له درويش: «نشترى كاستورات لأمي.. الشتا داخل»، وذهبنا إلى صيدناوي، ووقف درويش ينقى القماش وإذ بسيدة أنيقة وجميلة تقف إلى جانبه تسأله: حضرتك بتشترى قماش للمدام؟ فأجابها درويش قائلا: «لا والله دا لأمي»، فقالت له: «تسمح أساعدك.. القماش دا حلو.. خذ اللون دا»، فقال لها درويش: «كتر خيرك يا مدام.. ذوقك ممتاز»، فقالت له السيدة: «ميرسي.. خذ كمان من القماش دا».


استمع «درويش» إلى المستشارة الحسناء ووجه لها الشكر بحرارة وانصرفت بعد ذلك، وذهب إلى الخزينة ليدفع ثمن الأقمشة التى اشتراها، ثم وضع يده في جيبه وأخرجها بيضاء، ثم انفجر ضاحكا وقال للصراف: «أنا نسيت المحفظة خلوا الحاجة لحسابى لغاية ما أجيب الفلوس وأرجع».

وقال درويش لـ«بديع خيري» وهما خارجان من المحل: «الست الحلوة لطشت المحفظة وهى بتنقى لى القماش»، فتساءل بديع قائلا: «ودى حاجة تضحك!؟ فأجاب درويش قائلا: «أومال.. لأنها استغفلتنى بطريقة لطيفة.. حلال عليها.. أنا عارف إنى مغفل»، ومضى ثم عدنا إلى المنزل ودرويش لا يكف عن الضحك إلا ليعاوده، وكان درويش أكبر مهلك للمال ولا يستريح حتى ينفض جيوبه من كل قرش وهو ما كاد يستقر فيها، هذه صورة واقعية من حياة الشيخ سيد درويش فما بالك بمعاملة درويش مع أهل بيته.


*ربعين لسورة «يوسف»

فنان الشعب يلحن القرآن الكريم

«منذ خمسة عشر عاما تقريبا، ثار على علماء الأزهر عندما أعلنت أننى سألحن القرآن الكريم وسأسجله بأسطوانات في ذلك الوقت».. هكذا قال زكريا أحمد في أحد مقالاته التى سطرها بعنوان «سر نبوغ سيد درويش»، مؤكدا أن فكرة تلحين القرآن الكريم، إنما أراد أن يقوم بها بعد أن هاله أن مقرئى الجيل الجديد عندما يتلون القرآن يأخذون في التطريب، ويحاولون أن يغنوه بقصد إظهار جمال أصواتهم، وهم حين يغنون لا يهمهم إظهار جمال ما في القرآن الكريم من معان جميلة، بل يظهرون فقط أصواتهم المختلفة، لذلك فكر «أحمد» في تلحين القرآن الكريم متخذا في تحلينه له أساسا هاما وهو إظهار معانيه، فإذا سمعت المقرئ وهو يتلو عليك آية من آيات الذكر الحكيم استطعت أن تحس بمعنى كل آية من تلك الآيات، فإما العذاب والجحيم، وإما جنات تجرى من تحتها الأنهار للمتقين، ويظن «أحمد» أن هناك فارقا بين الجنة والنار، وأيضا بين العذاب والنعيم.

هذه كانت فكرة «أحمد» التى ظل ينادى بها ويعمل يوما على تحقيقها، فقد بادر بالقول إنه ليس أول من طالب بتلحين القرآن الكريم حسب المعنى، بل سبقه في هذا الملحن الراحل الشيخ سيد درويش، فقد أخبره صديقه «بديع خيري» في ذلك الوقت أن سيد درويش لحن ربعين من سورة «يوسف»، وكان «درويش» إذا ما لحن الأغانى العادية يحس بمعانيها ويعطى اللحن على قدر المعنى، مؤكدا «أحمد» أن سيد درويش هكذا سبق عصره بما لا يقل عن مائة عام وهذا سر نبوغه وخلوده.


*أحمد رامي.. في ذكرى سيد درويش

تناول المؤلف محمد محمود في كتابه "صوت الثورة.. سيد درويش"، حياة الشيخ سيد درويش منذ لحظة ولادته للحياة حتى لحظات وفاته الأخيرة، والذي يعد بمثابة أول كتاب يتناول مسيرة حياته، وقد استطاع المؤلف أن يكتشف أربع قصائد كتبت خصيصا في الذكرى الثانية عشر لوفاة الموسيقى المتجدد الشيخ سيد درويش، تلك القصائد التي ختم بها المؤلف صفحات كتابه، الذي ظل ممنوعا من النشر في عهد الملكية حتى اندلعت ثورة 23 يوليو 1952 فأفرجت عنه وصدر أعقاب قيام الثورة، فقد سطر هذه القصائد الأربع وهم: عباس محمود العقاد، أحمد شوقي، أحمد رامي، مختار الوكيل، فكان يقول أحمد رامي في قصيدته التي نشرت في "موسوعة المبدعون.. الرثاء في الشعر العربي" الصادرة عن دار الراتب الجامعية بيروت - لبنان:

يا فقيد الغناء والتلحين/ جئت أشكو إليك ما يبكيني/ مبسم غاب في التراب وأبقى/ لحنه في القلوب بث الشحون/ يا فقيد الشباب عشت فما/ أبقيت في العيش من هوى أو فنون/ صور صغتها غناء شجيا/ ومعان وضعتها في اللحون/ يا نجي الأحباب أين لياليك/ وأين الغناء عند السكون/ كم تمنيت أن تغني شعري/ فإذا بي أبكيت في تأبيني/ ومضت بي الأيام أهفو إلى اللقيا/ وأسقي ذكراك فيض شئوني.