السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

سامح قاسم يكتب.. كيف تعيش الحياة ببساطة؟

سامح قاسم
سامح قاسم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل يعني التمتع بالحياة اقتناء المزيد والمزيد من الأشياء والمقتنيات؟ وإذا كان ذلك كذلك فماذا لم يصبح الناس سعداء رغم امتلاكهم الكثير من المقتنيات المادية وما زالوا يسعون وراء الكثير والكثير من الإغراءات والرغبات؟
"لقد أصبحنا مبذرين ومخربين. نستخدم أغطية وأقلاما وقداحات وأجهزة تصوير ذات استخدام وحيد يمكن رميها بعد الاستخدام الأول لها.. وهذا يفسد المياه والهواء ويلوثهما ومن ثم يفسد الطبيعة. علينا أن نكف من اليوم عن هذا التبذير قبل أن يأتي يوم نصبح فيه مجبرين عليه".
هكذا تقول " دومنيك لورو مؤلفة كتاب "فن البساطة" وهي لا تقصد هنا بلوغ الكمال ولكن بلوغ حياة أغنى. فالرخاء لا يجلب لنا الرضى ولا الأناقة. إنه يفسد الروح ويسممها.
وتؤكد: إن البساطة حل لكثير من الصعوبات.
تطالب الكاتبة قراءها من خلال كتابها بالتوقف عن امتلاك المزيد، ليتمتعوا بمزيد من الوقت المخصص لأجسادهم. حيث إنهم عندما يشعرون براحة مع أجسادهم سيتمكنون من نسيانه ليهتموا بأرواحهم، وليبلغوا حياة ذات معنى. أي أنهم سيصبحون أكثر سعادة.
إن البساطة تكمن في اقتناء القليل وترك المجال فسيحا لما هو أساسي وجوهري. ومن ثم.. البساطة بما تخبىء من روائع.
تحت عنوان فرعي (عبء المقتنيات) إن الكثيرين منا يقضي حياته ومعه حقيبة مهمة، وأحيانا الكثير من الحقائب على نحو مبالغ فيه. وتطرح سؤالا: لماذا نحن شديدو التعلق بالأشياء؟
وتجيب قائلة: يعكس الغنى المادي لكثير من الناس حياتهم ودليلا على وجودهم، فهم يربطون بوعي منهم أو بلا وعي بين هويتهم ونظرتهم إلى أنفسهم التي يقيمها حجم ما يمتلكون، فكلما زادت مقتنياتهم، زاد اطمئنانهم، ونعموا بالراحة. فهم يطمعون في كل شيء: المقتنيات المادية والمشروعات الناجحة والتحف الفنية والمعلومات والأفكار والأصدقاء والمحبين والرحلات والإله حتى الأنا.
يستهلك الناس كما يقول الكتاب ويقتنون ويكدوسون ويجمعون. "لديهم" أصدقاء، و"يقيمون" علاقات، و"يحصلون" على شهادات وألقاب ومناصب وأوسمة... إنهم يجرون عبء مقتنياتهم وينسون، أو لا يدركون أن طمعهم وشهواتهم قد حولتهم إلى كائنات بلا حياة، لأنهم أصبحوا عبيدا لرغباتهم التي لا تنتهي أبدا.
فنحن نقتني كثيرا من الأشياء تزيد عن حاجتنا، ولكننا لا ندرك ذلك إلا عندما نحرم منها، فنحن نستخدمها لأننا نمتلكها، وليس لأنها ضرورية لنا. فكم من الأشياء نشتريها لا لحاجتنا بل لأننا رأيناها عند الآخرين!

التردد والتكديس
تحت هذا العنوان وضعت الكاتبة اقتباسا لشارلوت بيريان جاء فيه " عالم المعرفة غني جدا ليملأ حياتنا دون الحاجة لأن نضيف إليه تحفا لا فائدة منها إلا الاستئثار بروحنا وأوقات فراغنا"
وتقول الكاتبة لمن أراد البساطة عليه أن يختار، وقد يكون الاختيار مؤلما أحيانا. ينهي كثير من الناس حياته محاطا بأكوام من الأشياء لا تهمه ولا تفيده في شيء. فهم يحتفظون بها، لأنهم عجزوا عن اتخاذ قرار يتعلق بها، ولم تكن لديهم الشجاعة ليهبوها الآخرين أو لبيعها أو لرميها. لقد بقوا متعلقين بالماضي والأجداد والذكريات، ونسوا الحاضر، ولم ينظروا إلى المستقبل.
وتضيف: إن رمي الأشياء يتطلب جهدا. الصعوبة ليست في التخلص من الأشياء، وإنما في اتخاذ القرار وتحديد ما هو مفيد. إنه لمن المؤلم الانفصال عن بعض الأشياء، ولكن يا لها من راحة وشعور بالرضى عندما يحصل هذا الأمر.
إن تقبل البساطة أو حياة الزهد أمرا في غاية الصعوية لما يمثلانه من خطورة على المجتمعات الاستهلاكية والاقتصاد حيث إن من يحيون ببساطة ويختارون حياة الزهد يعتبرهم الكثيرون أشخاصا مثيرين للقلق كما أنهم يعدون أشخاصا بخلاء ومنافقين وغير اجتماعيين.
وتقول الكاتبة إن التعيير يعني الحياة، وإن التحرر من المقتنيات يساعدنا لأن نصبح ما نحب أن نكون. كثيرون أولئك الذين لا يفتؤون يكررون أنهم كانوا في أثناء شبابهم في فاقة والآن يشعرون بالذنب عندما يبذرون برميهم للأشياء.
ولكن التبذير يعني أن ترمي شيئا يمكن استخدامه، أما رمي الأشياء التي لا تفيد في شيء لا يعد تبذيرا. بل على العكس، الاحتفاظ به هو التبذير بعينه!
إننا نخسر طاقتنا ومساحات كبيرة بملئها بتحف بهدف تزيين مجالسنا تبعا لما نراه في مجلات الزينة والزخرفة، إضافة إلى ما نخسره من وقت في الترتيب والتنظيف والبحث عنها.



الكاتبة استعانت بالكثير من الاقتباسات التي مهدت بها موضوعات الكتاب فتحت عنوان "استخدمي أقل ما يمكن من الأشياء جاء هذا الاقتباس "يكتفي الياباني بخمس دقائق، ليجهز نفسه لرحلة طويلة. فحاجاته قليلة وقدرته على العيش دون قيود وأثاث، وبقليل من الملابس تجعله يتميز في هذا الكفاح المستمر الذي تمثله الحياة".
وتقول الكاتبة للمرأة هنا: تأملي عندما تتوقفين أمام الأشياء التي تشعرين بانجذاب نحوها، وتخيلي أنها تنحل، وتتحول، وتتناثر رمالا في يوم من الأيام.
فما من امر يستحق المكأفأة أكثر من قدرتك على تقدير الأشياء في حياتك بمنهجية وصدق: ما الفائدة منها؟ وإلى أي عالم تنتمي وأي قيمة تضيفها إلى حياتك؟
وتتابع: حددي عناصرها وكم من الوقت يمكن أن تستمر وما توقظ فيك. أغني جسمك بالمشاعر وقلبك بالعواطف وروحك بالمبادىء وليس بالأشياء الطريقة الوحيدة لكي تكوني مملوكة هي أن تقنعي بعدم امتلاك أي شيء (أو لا شيء تقريبا) وأن ترغبي بامتلاك أقل ما يمكن. إن التكديس عبء ثقيل وكذلك الأمر فيما يتعلق بالكثرة والتجزيء.
لا تعطي أهمية للأشياء وإنما للقيم ولجهدك ولراحتك النفسية وللجمال والحرية، وبشكل عام لكل ما هو حي.

استعانت الكاتبة باقتباس آخر لميلان كونديرا استعانت به الكاتبة جاء فيه "كنت قد اتخذت من البساطة مبدئي في الوجود. كنت مصمما على ألا أحنفظ إلا بالقليل جدا من الأشياء الأساسية. كنت أجد في هذه العبارة الصوفية والأسبارطية الصارمة بركة تغمرني عندما أتعمق في التفكير في هذا المبدأ".
أكدت الكاتبة على أهمية التعامل مع المنزل باعتباره منزلا فقط لا مكانا للتكديس. وأن يجب أن يكون مكانا تفرغ فيه ضغوط المدينة النفسية وقد اقتبست مقولة لـ"لو كوربوزييه": "الفسحة والنور والنظام هذا ما يحتاجه الإنسان ليحيا، كحاجته للغذاء والسرير".
وقالت: عندما يكون المنزل فارغا، باستثناء بضعة أشياء ضرورية جدا، يصبح ملجأ آمنا. ولهذا يجب أن يكون نظيفا وأن يكون الإقامة فيه بالحترام لأن مهمته هي حماية ذلك الكنز الثمين الذي هو ذواتنا.
إن الجسد يؤوي الروح، كما يؤوي المنزل الجسد، لذا لا بد من أن تتحر روحنا لكي تتمكن من التطور.
سعت الكاتبة عبر كل العناوين الفرعية للكتاب إلى التأكيد على أن ما يجب علينا هو ألا نقتني إلا ما هو ضروري جدا، بحيث يذكرنا كل شيء بحوزتنا أننا لسنا بحاجة لشيء غيره، ولأننا نستفيد منه ونستخدمه أصبح له قيمة وثمن، وأننا لولاه لتعطلنا.
كما أوضحت أنه وبعد أن أصبحت مدننا مكتظة بالسكان وأصبحت صاخبة تعج بالألوان والمشوشات البصرية المؤذية الضارة فيجب أن يكون المنزل مكان الراحة، ومصدر الوحي وفسحة للشفاء. إذ أن مهمة المنزل أن يزودنا بالستمرار بالطاقة والحيوية والتوازن والسعادة. إنه ملجأ مادي ونفسي للجسد والروح على حد سواء.
الروح مثل الجسد تعاني من سوء تغذية، وهنا يأتي دور المنزل، فكما أن صحتنا مرتبطة بغذائنا، فإن ما نضعه في منازلنا له آثار مهمة على توازننا النفسي.

(إننا صورة عن المكان الذي نشغله) تحت هذا العنوان تقول الكاتبة: عندما نمتلك مسكنا جديدا، نعمل على ترتيبه بما يناسب شخصيتنا كالملابس والدرع والخوذة.
يبدي ما نظهره للناس حقيقتنا غالبا. ومع هذا يبقى كثير من الناس مترددين فيما يتعلق بأذواقهم واختياراتهم فيما يجلب لهم الرضى الحقيقي.
وتحت عنوان (غرفة فارغة) تقول الكاتبة: قد توحي غرفة تبدو فارغة بمنتهى الفخامة إذا ما رتبت بحيث لا تهمل فيها التفاصيل. إنها تسمح بفراغها لشاغلها أن يصفي روحه، كما في قاعة فندق كبيرة، أو كنيسة أو معبد. يحافظ التصميم الصناعي لأعوام 1950، المصنوع من الكروم، وخطوطه المستقيمة على المبدأ نفسه. فمع أنها ليست خالية نهائيا، إلا أنها تضفي شعورا بالسلام والنظام. يعني التبسيط التزيين، إن التزيين بلا شيء يرخي الأعصاب. وإن الاكتفاء بالقليل يكلف غالبا: بضع تحف في واجهة زجاجية أكثر كلفة من لوحات حائطية من الخشب النادر، ومع هذا فإن العيش بالقليل يتطلب أكثر من المرونة. إنه يتطلب إيمانا راسخا، تهدي فيه الحياة للنظام والجمال دون إهمال هوايات مختلفة من: موسيقا ويوجا وتجميع الألعاب القديمة أو الأجهزة الإلكترونية.

اقتبست الكاتبة أيضا تحت عنوان ليكن داخل منزلك مفعما بالحيوية مقولة للشاعر بودلير "تتناغم العطور والألوان والأصوات مع بعضها". وروت قصة تعود إلى 5000 سنة للوراء عن الصينين وممارستهم لما يعرف بـ (الفنج شو) أو (علم الطاقة الانتقالية) في الأماكن التي يشغلونها، فهم يؤمنون بأننا نتأثر باستمرار بالعالم الذي نعيش فيه (بحالة الطقس، والأشخاص الذين نعاشرهم، والأشياء...) وأن ما يملأ حياتنا اليومية يؤثر بنا ويثيرنا ويغمرنا بالسعادة، وهو دائم الارتباط بنا سواء كنا مدركيين لذلك أم لا.
وتوضح الكاتبة أننا بدورنا نؤثر على العالم الخارجي بموافقتنا وبطريقة مشينا وحديثنا، وبتصرفاتنا. تؤثر اهتزازاتنا وإشعاعاتنا كذلك على الكائنات الحية وعلى نظام العالم المادي. فنحن إذا نشتقبل وننقل "الكي"، شكل من أشكال الطاقة الحيوية.
وتوقل الكاتبة أن الفنغ شو يرتكز بداية على نظافة المكان. فعندما يكون المظهر العام معتنى به، فسيكون الباقي كذلك. الذهن أصفى والقرارات أوضح.
ويجل أن يكون مدخل المنزل رحبا ومضاء وفيه أزهار: يعزز ما هو مركز عليه في مدخل المنزل انتقاله نحو الداخل، إذ يمكن لمرآة أو لوحة بألوان مرحة أن تعالج ضعف الإنارة وضيق المكان. فعلى "الكي" أن ينتقل في المنزل بحيث لا يجد أمامه معابر مغلقة.
ثم تتنتقل الكاتبة إلى أهمية الأصوات والأولوان والمواد والنباتات قائلة: يجب أن يكون عالمنا متناغما مع قوانين العالم. إذ تسمح لنا مراقبة وإدراك أسس الحياة التوافق معها وإدراجها عن وعي منا في حياتنا حتى لا نسبح عكس التيار.
وعن ضرورة التخلص من كل الأشياء والمواد التي انتهت فترة صلاحيتها وفسدت فاعلم أن الصينين لا يأكلون بقايا الطعام على الإطلاق، ولا يطبخون إلا المواد الطازجة جدا. فهم يدركون أن طاقاتهم وحيويتهم شديدة الارتباط بهذا الأمر.
وهم يظنون أن الأزهار الجافة تمتص إلى حد بعيد طاقتهم محاولة منها للعيش من جديد، وأن حاوية القمامة الموضوعة في مكان خطأ (قرب حنفية الماء) تجلب اهتزازات سيئة إلى الماء (وهذا معلل من النماحية الإشاعية).

يقول مثل هندي "نور القمر ينقش نور الشمس المرسومة" ومنه بدأت الكاتبة فصلا آخر م نالكتاب تحت عنوان (أنوار وأصوات) إذ تقول: النور هو الحياة. ويصبح المحروم منها مريضا، بل مجنونا.
وتنصح الكاتبة بضرورة تجنب الأنوار المتامثلة في المنزل إذ يتغير النور الطبيعي باستمرار فيألق أو يظلم كل ما نراه.
وكذلك الأصوات فهي تؤثر على صحتنا أكثر مما ندرك: من صرير الباب وجرس الهاتف القوي. ولكن يمكننا تزييت مفاصل الأبواب، واختيار هاتف برنين موسيقي، وفرش الأرض بموكيت سميك لامتصاص الأصوات..
وعن جوهر الأشياء واهميته المطلقة تقول الكاتبة: يجب أن نترك الأشياء تنضج، حتى نتمكن من استخلاص جوهرها.
يوحد الجوهر كل شيء ويحتويه في ذاته: نجمة في وسط الضباب، شمس متوهجة إبريق شاي يشبه إبريقا وليس فيلا، مثل ذلك الإبريق الذي نرسمه للأطفال، فكلما كانت الأشياء بسيطة زادت نوعيتها جودة.
وعن ضرورة ان يمتلك كل منا القليل وكيف نجعل هذا الأمر محببا لنا تقول الكاتبة: ليس بمقدور أي شخص امتلاك كل قواقع البحر. فكم هذه القواقع جميلة عندما تكون قليلة العدد.
كيف يمكننا أن نقدر أشياء عددها كثير، وهي عارية من الروح والجمال، "أشياء مييتة"؟
وتوضح الكاتبة أن اليابانين في مقدمة الشعوب التي تعي جيدا أهمية هذا الأمر لأنهم وكما تقول الكاتبة منذ زمن قديم عملوا على ألا يحيط بهم إلا أشياء قليلة، وغير ظاهرة أشياء مرتبطة بمالكها وليس بكل الناس فكانت المسافة النفسية التي تفصل بينها وبين مالكها مختصرة. صمم كل شيء على نحو جيد، بحيث يكون جميلا ومفيدا وخفيفا، ويسهل طيه ونقله، ويمكن أن يختفي قبل كل استخدام له وبعده، في حقيبة أو في جيب، بل يمكن لفه بقطعة قماش من الحرير. تقدر الاشياء عند استخدامها الذي من أجله تم الاحتفاظ بها. ويعتنى بها كما يعتنى بالأشياء المقدسة. إن توجيه الأطفال في اليابان فيما يتعلق بهذه الأمور شديد الحزم.