الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

مبارك.. "الذي لا يعرفون عنه شيئا"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصًا على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه"، بهذه الكلمات الموجزة أصبح محمد حسنى مبارك رئيسا لجمهورية مصر العربية في 1981، وهو الرئيس الرابع لمصر بعد اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات.



حاول "مبارك" جاهدا لإعادة مصر لوطنها العربي، حيث أجرى أول زيارة عربية للرياض كمبادرة، وذلك ﻹعادة ترميم العلاقات التي كانت قد تأزمت في عهد الرئيس السادات، كما أن مصر في عهده كانت حاضرة في حرب العراق مع إيران، حيث قدمت مساعدات عسكرية إلى العراق خلال أيام الحرب رغم عدم وجود علاقات رسمية بين البلدين، عاصر "مُبارك" خمسة رؤساء أمريكيين لكن المنح الذي بدأ متصاعدا لم يستمر في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
في أواخر عام 2010 شهدت دولة تونس احتجاجات شعبية وتلاها احتجاجات شعبية أخرى بميادين مصر تطالب مبارك بالرحيل حتى تنحى مبارك عن الحكم في 11 فبراير، وظلت الملاحقات القضائية تطارده في الأعوام الأخيرة له التي ظلت تطارده بين أروقة المحاكم والمستشفيات حتى رحل يوم 25 فبراير 2020 في أحد المستشفيات العسكرية عن عمر ناهز 91 عاما بعد صراع مع المرض.

تستعرض "البوابة نيوز" في هذا الملف بعض الكتب التي تناولت فترة تولي الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك رئاسة جمهورية مصر العربية لمدة ثلاثين عاما.


*"هيكل" يرصد 30 عاما في "مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان"
حاول الكاتب محمد حسنين هيكل البحث عن الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك الأسبق ذاته، وذلك قبل النظر في ألبوم صوره، الأمر الذي دعاه للرجوع إلى ملفاته وأوراقه ومذكراته وذكرياته عن الرئيس "حسنى مبارك"، إلا أن وقعت عيناه على قصاصة من أحد المقالات التي يحتفظ بها من بين أوراقه وملفاته ولا يعلم ما الذي دفعه بالاحتفاظ لهذه القصاصة لمدة ثلاثين عاما، ولكنه انتزع هذه القصاصة من بين وسط المحفوظات وأخذ يعيد قراءتها متفكرا ما المدون بها، كانت هذه القصاصة عبارة عن مقال منشور في أحد الجرائد وهي جريدة "واشطن بوست" في 7 أكتوبر 1981، الأمر الذي دعاه يتوقف عند جملة البداية داخل المقال وهي في ذلك الوقت إحساسه بنفس الشعور الذي جعله يحتفظ بهذه القصاصة لمدة ثلاثين عاما.
تنص المقالة في بداية جملتها التي وردت في الكتاب الذي أصدره محمد حسنين هيكل تحت عنوان "مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان" عن دار الشروق للنشر والتوزيع، وكان عنوانها "أن الأخبار من القاهرة بعد اغتيال الرئيس السادات تشير إلى أن الرجل الذي سوف يخلفه على رئاسة مصر هو نائبه محمد حسنى مبارك، حتى تتبعها جملة تقول بالنص: "إنه حتى هؤلاء الذين يقال إنهم يعرفون "مبارك" وهم في الحقيقة لا يعرفون عنه شيئا"، ذلك الأمر الذي دعى هيكل للوقوف أمام هذه الجملة بعد ثلاثين عاما وكأنها شيء في مكنونها يوحي بدلالة أنها "مفتاح" للمقالة بأكملها، وذلك لأننا بالفعل أمام رجل شاهدناه كل يوم وكل ساعة، وأيضا سمعناه صباحا ومساء، بل واستعرضنا العديد من صوره على مدى ثلاثين عاما، وعلى الرغم من ذلك فلا نعرفه ولانزال.
إذا لم تكن للرجل صورة معتمدة تؤدي إلى تصوّر معقول عنه، فكيف أتفرغ شهورا لجمع ونشر ما سمعته منه مباشرة وذلك خلال مرات قليلة تقابلنا فيها أو ما قلته له بطريق غير مباشر أي بالحوار والكتابة الحديث ثلاثين عاما هكذا كان "هيكل" يسأل نفسه، ولكنه تردد بأن هذا العمر الذي وصل الثلاثين عاما بأكملها حياة وطن كامل، وهي نفسها أيضا ثلاثين عاما من المتغيرات والتحولات في الإقليم والعالم، قادنا فيها هذا الرجل الذي لا نعرفه إلى مصائر لا نعرفها، فإن زمان هذا الرجل من الصعب أن نتجاوزه أو نتخطاه مهما كانت الأسباب، علما بأن هذه الأسباب عديدة أبرزها أن التاريخ لم ينته بعد كما كتب بعض الفلاسفة الجدد من المتفائلين.
أخذ هيكل يتساءل كثيرا باحثًا في عقله عن السبب الذي دعا الجميع لهذا التقصير في البحث عن هذا الرجل ذاته، وكيف تراكم هذا التقصير في التعرف عنه ثلاثين عاما، وكان التفسير على ذلك متعدد الأسباب ومنطقية جدا ولكنها تاهت في الزحام، بعض الناس تلقفوه حين وجدوه ولم يتوقفوا أمام شخصيته وهي تصعد من المنصة إلى الرئاسة، بل كانت علاقة مبارك بمن حوله مجرد خدوشا على السطح لا يتبقى منها غير ندوب على الجلد تشحب وتزول بعد أيام.
ذكر المؤلف في أحد لقاءاته بالرئيس السادات في استراحة "القناطر" أن اختيار "مبارك" لمنصب نائب الرئيس لم يكن اختيارا بسيطا بل مركبًا حكمته اعتبارات أخرى فهو لم يكن اختيارا من بين الرجال الذين ظهروا في حرب أكتوبر على أساس دور متفوق على غيره فيها، وإنما كان اختيار "مبارك" شيئا أخر إلى جانب أكتوبر يقدمه ويزكيه، فإن الرئيس السادات اختار رجلا يعرفه من قبل وقد اختبر قدرته على الفعل واستوثق به حتى تولى الرئاسة بعد اغتيال الرئيس السادات لمدة ثلاثين عاما.
يوضح لنا هيكل أن شيئا ما يرسل لنا شعاعا ويكشف ولو لمحة من تلك الفجوة المجهولة التي أشارت إليها جريدة "واشنطن بوست" منذ اليوم الأول لعصر مبارك حين قالت "إن الذين يظنون أنهم يعرفون الرجل هم في الواقع لا يعرفون عنه شيئا"، ولكن مع الأسف الصحيح لقد جاءت هؤلاء العارفين بدايته فاجأتهم نهايته، ولكن يتبقى في ذهني سؤال للجميع كيف استطاع هذا الرجل أن يجلس على رئاسة مصر ثلاثين عاما ثم كيف استطاع شعب مصر أن يصبر ثلاثين عاما، إنه حظه طالما استطاع البقاء، والأخرى إنها مسئولية الشعب المصري لأنه في الآخر استطاع بالصبر والصمت حتى جاءت ثورة 25 يناير 2011 وتنحى مبارك عن حكم البلاد.

*مكتبة الأسرة.. مشروع ثقافي قومي في عهد مبارك
رغم أسعارها الزهيدة إلا أنها ساهمت بشكل كبير في نشر الوعي بين الجميع، تضم أمهات الكتب والترجمات في شتى المجالات الإبداعية، والفكرية، والفلسفية، وغيرها، مما أدت إلى ترسيخ القراءة والثقافة والعلم في كل بيت مصري، حتى أصبح في كل بيت مكتبة صغيرة من كتبها بمجالاتها المتنوعة، إنها مكتبة الأسرة التي تعد من أهم المشاريع الثقافية القومية المصرية على مدى تاريخها.
بدأ مشروع المكتبة في 1994 بفكرة إنشائها في اللجنة العليا لمهرجان القراءة للجميع تحت رئاسة سوزان مبارك زوجة الرئيس الراحل، وتعد المكتبة أحد المشاريع المصرية المهمة في نشر روائع الأدب في شتى المجالات سواء فكرية، وإبداعية، فلسفية، إلى جانب الأعمال التي شكلت مسيرة الحضارة المصرية منذ فجر التاريخ حتى وقتنا هذا بأسعار رمزية لا يمكن تخيلها، وقد ساهمت جهات حكومية وخاصة في تمويلها وخاصة مع ارتباطها بمهرجان القراءة للجميع وكان من بين هذه المؤسسات المجلس الأعلى للشباب والرياضة، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة التنمية المحلية، جمعية الرعاية المتكاملة، ووزارة الإعلام، ووزارة الشباب، والتخطيط، وغيرها، حيث تعمل المكتبة على التشجيع على القراءة والاطلاع بين جموع الشباب والمواطنين، بث الروح الوطنية والشعور بالفخر بالثقافة المصرية، وذلك من خلال تمكين الشباب والمواطن من الإطلاع على الأعمال الأدبية، والإبداعية، والدينية، والفكرية، والثقافية، والسياسية، التي صنعت مسيرته الحضارية وكونت وجدانه الفكري.
عندما تنطلق فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، يقبل الزائرين على مكتبة الأسرة لإقتناء إصدارتها المتميزة بما تحمله من قيمة إبداعية وأدبية لكبار الكتاب والمبدعين وكذلك المترجمات أيضا نظرا لأسعارها الزهيدة، للتواصل مع الحضارات الأخرى من خلالها التي تقدم للشباب، حتى يطلع على ثقافات الشعوب الأخرى في جميع المجالات، فأصبحت هذه المكتبة محفورة في قلوب وعقول المصريين والعرب أيضا، أخر موسم للمكتبة كان مرتبطا بمهرجان القراءة للجميع.
قاد الفنان فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق، مشروع ترجمة 6000 كتاب، خلال فترة توليه حقيبة وزارة الثقافة، فكان هذا المشروع يتبعه طاقة وتبنت سوزان مبارك، لهذا المشروع الذي واجه قصور من قبل التمويل المادي، ولكنها سعت في العديد من الإجراءات التمويل من قبل وزارة التخطيط، حتى أصبح هناك ميزانية مخصصة للمكتبة تصل إلى طباعة أمهات الكتب بأسعار زهيده، وقد حملت "سوزان" على عاتقها مهرجان القراءة للجميع ومشروع مكتبة الأسرة، حيث كانت تكلفة المكتبة من الكتب السنوية تصل إلى 12 مليون جنيه، وكان العالم العربي مطالبا بأعداد كبيرة من مطبوعات المكتبة، وقد حقق هذا العمل نتائج دولية كبيرة.
ازدهرت مكتبة الأسرة في ارتباطها بمهرجان القراءة للجميع، وعندما توقف هذا المهرجان تقلصت عدد المطبوعات من 200 إصدار جديد كان يصدر كل ثلاث شهور بدعم يصل إلى 50 % في بيعها للجمهور، حتى أصبحت بعد ذلك 200 نسخة خلال الأثنى عشرة شهرا. 
فقد قال الكاتب حلمي النمنم، وزير الثقافة السابق، في أحد لقاءاته، إن هذا المشروع لم يتوقف لحظة ولكن تقلصت ميزانيته، خاصىة بعد ثورة 25 يناير، فقد حدث لها متغيرين الأول كانت الميزانية في 2010 وصلت إلى 38 مليون جنيه من قبل دعم المؤسسات الخاصة والحكومية وتدرجت بعد ذلك إلى 33 مليون حتى 2011، أما المتغير الثاني أن المشروع قائم على العمل الفكرى الكبير، فقد شرفت في تلك الفترة على طباعة الأعمال الكاملة لـ "دوستويفسكي"، وقد تكفلنا بدفع أعمال الترجمة لسامي الدروبي ودور النشر أيضا، وأعمال "رفاعة الطهطاوي"، كتاب الأغاني للأصفهاني، وكان النشر مكلفا في تلك الفترة، مشيرا إلى أحد بنود الميزانية تسمح لنا بذلك، بالإضافة إلى المشاريع الأدبية الكبرى، حتى أتيحت الفرصة لأعمال الشباب ولكن لم تكن بحجم هؤلاء الكتاب الكبار في تحقيق صدى أعمالهم الأدبية، وقد كلفت اللجنة المشكلة برئاسة فوزي فهمي في 2017، بالعودة مرة أخرى للأعمال الكبرى من بينها كتاب "وصف مصر" الذي مازال يحتفظ بقدر كبير بالمكانة العلمية والفكرية، وغيرها من الأعمال الأدبية والإبداعية في شتى المجالات، لذلك تظل مكتبة الأسرة علامة مضيئة في تاريخ مصر الأدبي والإبداعي، إذن العمل يُقيم بذاته وإنجازه بغض النظر عما قام به.

*"مبارك والضربة الجوية".. أول الغيث قطرة 
ذكر الكاتب الصحفي محمود فوزي في كتابه "مبارك والضربة الجوية" أنه الرئيس الأسبق استطاع أن يقنع أسرته في الالتحاق بالطيران بعد دخوله الحياة العسكرية؛ إذ إن أسرته لم تكن تتقبل هذا الأمر في البداية، وفي عام 1952 عمل مدرسا بالكلية الجوية، واستمر فيها حتى عام 1959 وتخرج على يديه أثناء هذه الفترة 11 دفعة من الضباط الأكفاء، وتدرج بعد ذلك في المناصب بالكلية الجوية.
تناول فوزي في كتابه المناصب التي تولاها مبارك منذ تخرجه في الكلية الجوية والتي كانت مفاجأة له على حد تعبيره في حوار له مع الكاتب الصحفي الراحل على حمدي الجمال، فما من منصب تولاه مبارك أو عُين فيه كان يتوقعه أو يسعى إليه أو حتى فكر فيه.
أشار فوزي إلى أنه في عام 1950 تقابل الرئيس الأسبق محمد أنور السادات مع مبارك لأول مرة عندما كانا ضمن مجموعة من ضباط طياري القاعدة الجوية ولفت انتباهه وتولى مبارك رئاسة أركان القوات الجوية عام 1969 الذي رأي أن هزيمة 67 كانت أن التدريب للقوات الجوية كان فرديًا وأهم شيء في القتال أن يكون الطيارين مدربين تدريبًا جماعيًا واستطاع مبارك التجهيز والتدريب للقوات الجوية للوصول إلى المستوى القتالي المرتفع في أقصر وقت ممكن.
وفي يوليو 1969 كان يوما مشهودا فكان بمثابة "أول الغيث قطرة" حيث أسقط رجال الدفاع الجوي 17 طائرة لتخرج الصحف الإسرائيلية مؤكدة على أن رجل الشارع الإسرائيلي أصبح على يقين الآن من أن الطائرات التي تحمل نجمة إسرائيل يمكن أن تسقط في أي لحظة في المعارك الجوية مع القوات المصرية.
وتبعها في 9 من ديسمبر إسقاط أول طائرة للعدو من طراز "فانتوم" في قتال جوي، وفي 17 سبتمبر عام 1971 تسقط القوات الجوية المصرية طائرة استطلاع إسرائيلية مشتعلة على الجانب الشرقي من القناة.
وفي عام 1972 أصدر السادات قرارا بإسناد القوات الجوية لمبارك قائلا له: "إن الطيران فيصل الحرب، وعليك منذ هذه اللحظة أن تختار أسلوبًا جديدا في استخدام طيرانك.. أسلوبا جديدا في الهجوم على العدو بحيث تحقق المفاجأة لطيرانه وقواته وفي نفس الوقت تضمن سلامة قواتنا الجوية وقدرتها على الاستمرار وهذا هو وحده طريق النصر".
وقبل الحرب وتنفيذ الضربة الجوية كان مبارك يجري مسابقة أثناء التدريبات لإعادة التموين بالوقود وكان أفضل ما وصلنا اليه 14 دقيقة وفي أثناء الحرب تم تنفيذ العملية في سبع دقائق فقط ولما ان كانت غرفة العمليات تنتظر النتائج والكل يترقب حتى وصلت النتائج 100 بالمائة بعد تنفيذ العملية وعانق الجميع مبارك مهنئين بعد أغلى انتصار في سبع دقائق.
يقول محمود فوزي: إن دور مبارك في الضربة الجوية كان مؤثرا وكبيرا للغاية فهو الذي أشرف على التدريب والذي أدار أعمال القتال وخطط لكل ما حدث فكان دوره بلا شك مؤثرا إذ كان من الصعب تحرك 200 طائرة من مطارات وقواعد جوية مختلفة ونشرها في الجو بحيث تعبر خط القنال في توقيت واحد وتحقق الضربة الجوية وتتوزع على الأهداف على طول 125 كيلو متر لكن مبارك استطاع تحقيق المستحيل، وقد قدمت القوات الجوية أساليب مبتكرة للقتال فقد حققت أرقامًا قياسية للطلعات وصلت من 6 إلى 7 طلعات يوميا لكل طيار في حين الزمن القياسي من 3 إلى 4 طلعات وبعض المعارك استمرت 50 دقيقة بينما الزمن المحدد 10 دقائق للغارة الجوية.