الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العالم يغرق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سجل العلماء ارتفاع مستوى البحار ما بين 2.7 و3.5 ميلليمتر سنويًا، وذلك طوال الفترة ما بين عامى 1993 و2017، حيث بلغ ارتفاع سطح البحر 19 سنتيمترًا فى القرن العشرين.
وسجل العلماء إحصائية أخرى، وهى أن ارتفاع مستوى البحار سنتيمتر واحد يتطلب ذوبان ثلاثة تريليون طن من الثلوج، ماذا يعنى ذلك؟ أن أكثر من مليار إنسان يعيشون على ارتفاع عشرة أمتار فقط من سطح البحر، وتواجه 140 دولة تضم ثلثى (3/2) المدن الساحلية فى العالم احتمال فيضان البحر، لتغمر سواحلها التى تمتد على مسافة 1.6 مليون كيلومتر، ليس مصدر ارتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات سببه ذوبان الثلوج فقط، فالدراسات العلمية تؤكد أن «خمسي» هذه المياه مصدرها ارتفاع حرارة مياه البحار ذاتها وتمددها نتيجة ذلك، فسواحل العالم تتآكل، ومن علامات ذلك: أن مدينة طوكيو هبطت أربعة أمتار فى النصف الأول من القرن العشرين، ومدينة جاكرتا تهبط بنسبة 25 سنتيمترًا سنويًا، ولذلك قررت إندونيسيا نقل العاصمة إلى مدينة أخرى فى جزيرة جاوة، وخليج سان فرنسيسكو فى الولايات المتحدة كله يهبط أيضًا، ومدينة مومباى فى الهند خسرت فى عام 2000 وحده 18 مترًا من شاطئها، والتآكل مستمر، والبحر يزحف نحو المدينة.
وبنجلادش بدأت مشروع «إعادة توطين» سكان السواحل فى الداخل، وتحويلهم من العمل فى الصيد إلى العمل فى الزراعة، وشمل المشروع حتى الآن 160 ألف عائلة، وفى «فيجي» غمرت مياه البحار- إضافة إلى المقابر الساحلية- منشآت سياحية وسكنية عديدة، وجرى نقل 117 ألف عائلة إلى مناطق أقل خطرًا.. ولكن إلى حين! تمدد البحار وارتفاع مستواها يعنى بالنسبة لمدينة نيويورك وحدها، تعرّض 72 ألف مبنى للغرق، وتقدر قيمة هذه المبانى 129 مليار دولار.
ومن المحزن، أن الأمر لا يتوقف هنا، فالخبراء اليابانيون توقعوا تغييرًا فى المناخ من جراء ذلك، ويقولون إن من علامات ذلك، تراجع الأعاصير التى يشهدها خليج البنغال، والتى غالبًا ما تفتك بجنوب بنجلادش وشرق الهند، بنسبة 31 بالمائة.
ولكن الكارثة لن تتراجع، ولكنها سوف تتوجه كما يتوقع هؤلاء الخبراء إلى بحر العرب، إذ سوف ترتفع نسبة الأعاصير إلى 46 بالمائة، ابتداء من عام 2020، وهكذا تصح مقولة «مصائب قوم عند قوم فوائد».
وتعرب منظمة اليونيسكو، عن قلقها الشديد من جراء الخطر الداهم، الذى يهدد 37 موقعًا أثريًا بالتآكل والغرق فى مياه البحر المرتفعة، فيضانات البحار والمحيطات ستؤدى حسب دراسات أولية إلى تهجير 800 مليون إنسان من بيوتهم، ومن دولهم كذلك، فإلى أين يهاجرون مع ارتفاع موجات معارضة الهجرة لأسباب عنصرية وثقافية ودينية؟.. وكيف سيتعامل العالم مع هذه الظاهرة التى بدأت تهزّ العلاقات الدولية؟

من هنا السؤال: ما العمل؟
هناك التجربة الهولندية، وهى تجربة ناجحة، ذلك أن 27 بالمائة من أراضى هولندا تقع تحت مستوى البحر، وقد تعرضت عام 1953 إلى اجتياح فيضانى كبير، أدى إلى مقتل 2000 شخص، وإلى غمر 90 بالمائة من أراضيها الزراعية بمياه البحر المالحة، ولتجنب المأساة مرة جديدة أقامت هولندا سلسلة من السدود لحماية ذاتها من المد البحري، ويبلغ طول هذه السدود 40 ألف كيلومتر.
ولكن من يموّل بناء السدود الواقية من المد البحرى المتسارع فى القارات الخمس؟
عُشر المساعدات الدولية، التى تبلغ قيمتها السنوية 70 مليار دولار، تُنفق على احتواء الكوارث وتداعياتها، ولا يخصص شيء منها للإجراءات الوقائية، غير أن الإجراء الوقائى الأسلم كما يبدو هو الالتزام العالمى الشامل بتخفيض حرارة الكرة الأرضية لوقف ذوبان الثلوج.. ولوقف سخونة مياه البحار والمحيطات. وإلا.. فإن العالم معرّض للغرق.