الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أبوزعبل والمحليات والذاكرة الوطنية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تم تدمير مصنع أبوزعبل للحديد بالقليوبية عن طريق الطائرات الإسرائيلية فى فبراير وبالتحديد يوم الخميس 12 فبراير 1970 أى منذ 50 عامًا وهو فعل إجرامى من قبل الطائرات الإسرائيلية وعدوان غير إنسانى تم بتدمير إطلاق الصواريخ من الطائرات وإلقاء القنابل الحارقة المعروفة باسم النابالم وتم هدم صالات الإنتاج والمخازن للمصنع فى عدوان غاشم من قبل العدو الإسرائيلى على الأهداف المدنية.
وقد تناثرت بسبب ذلك جثث وأشلاء الشهداء الذى بلغ عددهم 83 شهيدًا و150 مصابًا نصفهم بعاهات مستديمة وهم العمال المدنيون الأبرياء وكان ذلك ردًا على ما يحدث على جبهة القناة «السويس -الإسماعيلية - بورسعيد» وفى قلب سيناء أثناء حرب الاستنزاف للجيش الإسرائيلى بالعمليات العسكرية الخاطفة والمفاجئة حيث نجحت تلك العمليات من قبل الجيش المصرى من تكبيد القوات الإسرائيلية خسائر فادحة بسبب معارك طويلة تذكرها الذاكرة الوطنية سواء فى معركة رأس العش.. وإغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات أمام سواحل بورسعيد وغيرها من عمليات تدمير الحفار الإسرائيلى والكثير من العمليات التى كانت تتم خلف خطوط العدو فى سيناء.
وبدلا من المواجهة على الجبهة العسكرية أراد العدو الإسرائيلى أن يضرب فى العمق المدنى باستخدام الطائرات وقام بضرب مصنع أبوزعبل للحديد بمحافظة القليوبية فى محاولة لإصابة الجبهة الداخلية والنيل من معنوياتها وتماسكها.
وعلى العكس قام العمال وممثلوهم فى اللجنة النقابية بالمصنع من الذين نجوا من التدمير الوحشى بإصدار كتيب كان عنوانه «أمريكا قتلت عمال مصنع أبوزعبل» لإدراك العمال المصريين أن طائرات الفانتوم الذى استخدمها الاسرائيليون هى صناعة أمريكية مثل الصوارخ وقنابل النابالم التى دمرت المصنع وحتى القنابل المحرمة هى أمريكية الصنع.
كما أرسل العمال فى ذلك الوقت خطابا إلى الرئيس الأمريكى المعروف باسم « ريتشارد نيكسون» نحملكم المسئولة عن ذلك العدوان بسبب التأييد والدعم المطلق من قبل الأمريكان للعدو الإسرائيلى وكان خطاب العمال يحمل عبارات الغضب والصمود.
وقد جاء فيما نشر عن هذه الخطابات «نتحدى النابالم ولن نركع لغير الله يا سيادة الرئيس الأمريكى» ولقد أهديت إلينا رسائل وهداياك بالموت عن طريق القوات الإسرائيلية وإن الحرية عندكم مجرد تمثال ونحن نكتب لكم كعمال بسطاء بأننا لا نفهم فى السياسة ولكن نكتب لكم خطابا بدماء إخواننا العمال الشهداء.. نحن نصنع من أجل البناء وأنتم تدمرون وتقتلون.. نحن نصنع للحياة وأنتم تطلقون نيرانكم لموتنا.
كما تفاعل كل أبناء الشعب المصرى والعالم ضد تدمير مصنع أبوزعبل وفى مصر كتب الشاعر المصرى صاحب الضمير الوطنى صلاح جاهين قصيدة ستظل خالدة وشاهدة على خسة الأعداء وعدم إنسانيتهم جاء فيها: 
احنا العمال اللى اتقتلوا قدام المصنع فى أبوزعبل 
بنغنى للدنيا ونتلوا عناوين جرانيين المستقبل 
عبور الجيش لسيناء للزحف من الأغوار 
وجيش العدو يتقهقر 
وبسبب الجريمة النكراء تم جمع الجثث للعمال مشوهة وأشلاء الضحايا فى براميل بلاستيك تمهيدًا لدفنها وسط سخط أبناء الشعب المصري.
وعلى الجانب الآخر برر المتحدث العسكرى الإسرائيلى باسم الجيش العدو فى بيان رسمى بقوله باستخفاف «يبدو أن أحد الطيارين الإسرائيليين أخطأ واصاب هدف مدنيًا» هكذا بدم بارد رغم القتل والتدمير ضد الإنسانية.
وتمتد الذاكرة الوطنية فى المحليات إلى ما حدث فى السويس حيث دمر العدو الإسرائيلى خزانات البترول بمصنع شركة النصر للبترول بدانات المدافع الإسرائيلية يوم 24 أكتوبر 1967 ردًا على تفجير المدمرة إيلات وقد انفجرت النيران واستمرت تضيء السويس ليلًا بنيران ولهيب البترول لمدة 24 ساعة لولا تكاتف العمال وأبطال المقاومة ورجال إطفاء الحرائق من أجل إخماد ومحاصرة النيران التى كانت تهدد مصانع البترول بالسويس.. وكان رد عمال السويس قويا بإنشاء مصنعين للبترول الأول فى منطقة مسطرد بالقليوبية «القاهرة للبترول حاليا» ومصنع آخر لتكرير البترول بمنطقة العامرية بمحافظة الإسكندرية.
كما تعرضت شركة النصر للأسمدة بعتاقة بالسويس بالقصف وما أصابه من تدمير بفعل الصواريخ الإسرائيلية قام العمال المصريون بالسويس والخبراء ببناء مصنع آخر للأسمدة بطلخا بمحافظة الدقهلية فى إصرار وطنى تحت شعار «يد تبنى ويد تحمل السلاح».إن ذاكرة المحليات الوطنية من العمال والمواطنين ستظل خالدةً سواء ضد العدو الإسرائيلى أو الاحتلال الإنجليزى أو الفرنسى ومن هنا ارتبطت كل الأعياد القومية للمحافظات بتواريخ المقاومة ضد محتل أو العدوان الخارجي.
والآن يحمى عمالنا فى المحافظات ما تبقى من مصانع ضد الإرهاب والتطرف وإذا كنا نتذكر اليوم ذكرى عمال مصنع أبوزعبل الشهداء والمصابين فإننا نطالب بـ:-
• أهمية إحياء الذاكرة الخصبة للشعب المصري.
• إنشاء المتاحف المحلية فى المحافظات حتى تعرف الأجيال الحالية والأطفال وشباب المستقبل باستخلاص الدروس المستفادة.
• لماذا لا نقوم بإنشاء وإحياء صناعة الحديد فى مصنع أبو زعبل بدلا من الذى تم تدميره وتخريبه وتصفيته بعد ذلك؟.
• ولماذا لا نطور مصنع النصر للبترول فى السويس لتصنيع البترول ومصنع النصر للأسمدة الكيماوية سواء فى السويس أو فى الدقهلية بتكنولوجيا حديثة غير ملوثة للبيئة؟.
• ولماذا لا نهتم بأولويات التصنيع المحلية والعمل على زيادة الإنتاجية حتى نعتمد على الذات والإرادة المصرية؟
وبعد ما أحوجنا لإنشاء مناطق صناعية متميزة مثل منطقة حلوان الصناعية التى كان يطلق عليها «قلعة الصناعة المصرية» ولماذا لا نستفيد من دروس رجال الصناعة الجادين؟.. ولماذا لا نترحم على أمثال عزيز صدقى رجل الصناعة والرئيس عبدالناصر الذى قام ببناء الصناعة المصرية؟.. ولماذا لا نستخلص دروس محمد على باشا فى صناعة التسليح وتطوير الأسطول المصري؟.
إن إحياء الصناعة الوطنية مثل صناعات «الزجاج - الأدوية -الأسمدة - النسيج - الحديد والصلب» وغيرها من الصناعات الوسيطة التى تعتبر الأمل لتطوير بلادنا وتوفير فرص العمل وتساعد على زيادة الإنتاجية وتوفر فرص العمل للشباب.
إن رد الاعتبار للشهداء من العمال والمنتجين وتقديرًا لأصحاب المعاشات بناة تلك المصانع يعتبر الأهم لمستقبل بلادنا.
إن بلادنا لن تتطور أو تتقدم إلا بالصناعة والزراعة والتجارة وبالاعتماد على الذات حتى نتخلص من التبعية للخارج وتبقى تحية إجلال لشهداء مصنع أبوزعبل وشهداء مصانع البترول والأسمدة فى السويس وكل شهداء الوطن فى عمليات الإرهاب والتطرف ولنحيى الصناعة من أجل مستقبل أفضل لبلادنا.