الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

البُهرة في مصــر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تتابع الدكتورة سعاد عثمان فى كتاب «الطوائف الأجنبية فى مصر.. البهرة نموذجا»، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، الحديث بقولها: «وعن علاقاتهم بحكام مصر فقد استطاع «برهان الدين» – الداعى الواحد والخمسين – لقاء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والتنسيق معه لرعاية أبناء الطائفة وعدم التضييق عليهم فى ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية. ومع توافدهم بكثرة فى عهد الرئيس أنور السادات، ومع تجديدهم لجامع الحاكم بأمر الله دعوا الرئيس لافتتاح المسجد، لدرجة أن بعض العامة قد تصوروا أن هذا المسجد قد سمى بالأنور – وهى تسمية قديمة – نظرًا لافتتاح الرئيس (أنور) السادات له بعد ترميمه. وبعد اغتيال السادات تم التضييق على كل الطوائف الدينية بما فيهم البهرة. 
ولكن أحوالهم انتعشت مرة أخرى فى عهد الرئيس مبارك، الذى وصفت علاقته بهم بأنها علاقة حميمة، وقد يرجع هذا الوصف إلى نشر صور للرئيس مرتديا وشاح الطائفة – الذى لا يرتديه سوى زعيم الطائفة، والمقربين منه وهو ما يعبر عن عمق العلاقة بين الجانبين. 
واستمرت اللقاءات بين سلطانهم، وبين رؤساء مصر؛ فقد قام سلطانهم الحالى «مفضل سيف الدين» بزيارة للرئيس السيسى فى أغسطس 2014م، بمقر رئاسة الجمهورية؛ حيث نقلت بعض وسائل الإعلام المصرية ترحيب الرئيس بسلطان البهرة فى زيارته الأولى لمصر منذ توليه هذا المنصب. وقد أشاد الرئيس السيسى بجهود الطائفة فى ترميم المساجد الأثرية، منوهًا إلى إجراءات تهيئة المناخ الجاذب للاستثمار فى الوقت الذى أعلن فيه سلطان البهرة دعمه وتأييده لإرادة الشعب المصرى، متمنيًا لمصر كل التوفيق فى المضى قدمًا لتنفيذ المشروعات الاقتصادية الكبرى، وفى مقدمتها مشروع قناة السويس الجديدة وتنمية محورها. ذلك المشروع العملاق الذى حضر افتتاحه، وزار – فى نفس الزيارة – مختلف مزاراتهم فى مصر، وساهم فى صندوق «تحيا مصر» بعشرة ملايين جنيه، وتبرع بمبالغ ضخمة لترميم الآثار وهو ما يفسره الكثيرون بأنه راجع لحبهم لمصر، ورغبتهم فى أداء شعائرهم فيها بحرية. 
يُذكر أن البهرة قد أنفقوا ما يقرب من مائة مليون دولار فى عمليات الترميم، وشراء العقارات فى مصر، وأنهم قد قاموا بتجديد وإعادة ترميم مصر الفاطمية فدفعوا فى أول الأمر نحو 300 مليون جنيه لتجديد مسجد الحاكم ومعه شارع باب الفتوح، كما أنهم يدفعون فى كل زيارة ما يقرب من 50 مليون جنيه سنويًا على أن تذهب هذه الأموال إلى خزينة الدولة من خلال وزارات السياحة والآثار والأوقاف، فى شكل دعم حتى يحصلوا على موافقات بدخول مقامات آل البيت، وتوفير الحماية اللازمة لهم أثناء الزيارات. ومن أهم الجوامع التى قاموا بترميمها جامع الحاكم بأمر الله، ففى زمن السادات سنة 1979م، جاءوا للقاهرة وطلبوا ترميم جامع الحاكم بأمر الله وإدارته وإنشاء مؤسسة جامعية خاصة بهم. ومن أهم الاحتفالات الدينية والاجتماعية للبهرة، عيد «الغدير» الذى يُحتفل فيه بتولية على بن أبى طالب فى «غدير خم»، وقد دخل إلى مصر الفاطمية فى زمن المعز. 
وكشفت ملاحظة البهرة على أرض الواقع عن أنهم يفضلون الانعزال عن الغرباء، وعدم التحدث إليهم أو التفاعل معهم. وهو ما مثل مشكلة كبرى أثناء إجراء الدراسة الميدانية معهم – فهم قليلو الكلام مع الغرباء، يتحاشون الآخر ولا ينظرون إليه. كما أنهم يسيرون غالبًا فى جماعة سواء فى شوارع القاهرة المختلفة أو أثناء زياراتهم لمزاراتهم، ويتناولون طعامهم معًا كأسر أو جماعات خاصة فى المناسبات، ودون مشاركة أى أطراف أخرى. ويفضل البهرة الصمت والكتمان ويؤثرونهما دائمًا، فالملاحظ لتفاعلاتهم يرى كثرة استخدامهم للإشارة ولغة الجسد، فيستخدمون العين والرأس واليد، ولا يتحدثون كثيرا، وربما يفسر ذلك أن الصوم فى عقائدهم يعنى الستر والكتمان. كما أنهم إذا تحدثوا فإنهم يتحدثون بصوت منخفض حتى أنه لا يسمع لهم صوت فى صلاتهم فى المسجد، أو فى قاعة الاحتفالات الخاصة بهم أو غيرها. 
ومن سمات البهرة أنهم مسالمون، لا يحبون الشجار، ولا التدخل فى أمور الغير «فى حالهم». وأكد عدد من الإخباريين ذلك، من بينهم الصيدلى الذى حكى أنه ذات يوم فوجئ بأحد البهرة – الذى يقطن فى نفس العمارة التى تقع بها الصيدلية – يصف سيارته مكان سيارة الصيدلى، فغضب الأخير وصف سيارته بحيث يمنع الأول من الخروج. ولما طلب البهرى خروج سيارته أجابه الصيدلى أنه سوف يخرج بسيارته بعد أسبوع، وفوجئ بالبهرى يستجيب لذلك ولا يعترض ويوافق وينصرف. كما يعيش البهرة – باستثناء أمرائهم وسلطانهم – حياة يغلب عليها التقشف ولا يحبون الإنفاق ببذخ – خاصة أن منهم أناسًا ينتمون إلى مستويات اقتصادية دنيا.
فسرت بعض الأدبيات تعدد المعتقدات الدينية لطائفة البهرة بأنه بعد انتقال دعاة الطيبية المستعلية من اليمن إلى الهند بدأ البهرة الهنود فى تعلم أصول المذهب، وأصبحوا فيما بعد دعاة له مع ادعائهم الانتساب لآل البيت، وانحسرت الإمامة فى ذريتهم، وادعوا العصمة، وأنهم الناطقون باسم الله. ويقال إنهم قد مزجوا كثيرًا من عقائد الهندوس وعباداتهم فى مذهبهم.