الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اقتصاد الصين بعد "كورونا"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تعد الصين قوة اقتصادية لا يمكن الاستهانة بها في العالم، بل إن رأس المال الذى يتم تداوله على أرض الصين يعتبر أكبر رأس مال موجود على الكرة الأرضية، لذا كانت جاذبة للاستثمار من دول عدة. تستطيع أن تقرأ عبارة «صنع في الصين» في كل مكان على سطح الكوكب، وهو غزو حقيقى لاقتصاديات كل دولة في عقر دارها. 
غزت هذا الاقتصاد الغازى في حد ذاته فيروس أصاب العالم كله بالهلع «كورونا». بدأت الكثير من الجهات في إلغاء تعاقداتها مع الصين خوفًا من أن تساعد في هجرة المرض عبر المنتجات المسافرة أو عبر الوفود التى تزور الصين من أجل الاتفاق على الجديد. ومن هنا تناثرت الأقوال بأن هذا الوباء ما هو إلا خطة للإيقاع بالاقتصاد الصينى وإفساده عبر تقويض دعائمه الأساسية بالشائعات المنظمة، إذ أن الصين بالفعل تعانى بشدة، لكن ليست وحدها.
كانت المشكلة التى يشير إليها الاقتصاديون كلما تزايد نمو الاقتصاد الآسيوى هو ارتباط هذا الاقتصاد بالعالم الخارجى، وليس بمنشآت تقوم على أرض تلك الدول أو ثروات تستخرج منها، فالتصدير وأسهم البورصة حظت بنصيب كبير من القاعدة الاقتصادية في هذا المجال، لذا حين عزف العالم عن التعامل مع أحد أقطاب هذه القاعدة تأثر كل شىء سلبًا. زاد من سلبية هذا التأثير غياب جهاز إعلامى وتسويقى مؤثر في هذه المنطقة، إذ أن هذه الدول تعتمد على فلسفة العمل، ثم تكثيف العمل ثم التضحية بكل شىء أمام العمل، ولم تعتمد على تصدير صور دعائية عنها بشكل يصور للعالم ما لا يراه على أرض الواقع بشكل كبير.
فهل وقفت الصين موقف المشاهد مما يحدث؟ هل أخذت تضمد جراحها الوبائى مغمضة الطرف عن كل شىء عداه؟ 
تشير الحقائق إلى عدد من الإجراءات العلاجية التى قامت بها الصين في محاولة منها لتخفيف آثار الانتكاسة الاقتصادية التى ألمت بها، إذ أعلنت الصين يوم الخميس الماضى، أنها ستخفض التعريفات الجمركية إلى النصف على خمسة وسبعين مليار دولار من واردات الولايات المتحدة الأمريكية، بينما يواصل أكبر اقتصاديين في العالم التراجع عن حرب تجارية أضرت بالبلدين، وأثرت على النمو العالمى. وابتداء من الأسبوع المقبل، ستخفض الرسوم على البضائع الأمريكية التى لديها معدل تعرفة يبلغ عشرة بالمائة إلى خمسة بالمائة، بينما ستقلص الرسوم على المنتجات التى تبلغ تعرفتها خمسة بالمائة لتصبح اثنان ونصف بالمائة، وفقًا لبيان صدر عن لجنة التعرفة بمجلس الدولة الصينى. وكانت قد فرضت الصين الرسوم الجمركية المرتفعة على السلع الأمريكية في سبتمبر الماضى. كما أضافت اللجنة أنها ستحافظ على التعريفات الأخرى على البضائع الأمريكية، بينما تستمر في العمل على الإعفاءات. وقال بيان اللجنة إن الصين «تأمل أن يلتزم الجانبان بالاتفاقيات الثنائية وأن يبذلا جهدًا لتنفيذ الأحكام المناسبة، حتى نتمكن من تعزيز ثقة السوق وتعزيز العلاقات التجارية الثنائية والنمو الاقتصادى العالمى». والغريب أن هذه الخطوة زادت بالفعل من نسبة تعامل الجهات الخارجية مع السوق الصينية المشهورة بتقديم عروض قليلة الأثمان عالميًا على نحو كبير للمستثمرين الكبار وحتى صغار المستهلكين في السوق. لا سيما أن هذا الإجراء الجمركى كان إجراء «اقتصاد سياسيا»، لو صح التعبير، إذ أنه يخفض الجمارك على الواردات الأمريكية، التى كان رفع الرسوم الجمركية عليها في الأصل رد فعل سياسى عقابى نحو الحكومة الأمريكية، وهى ظاهرة تشير إلى أن الصين مستعدة لتقديم الكثير من التنازلات السياسية، وهو أمر غير مألوف في السياسة الصينية تاريخيًا.
أوضحت كريستالينا غورغييفا، مديرة صندوق النقد الدولى، أن التوقعات تشير إلى تعافى الاقتصاد الصينى بسرعة مع استعداد المصانع للتعويض عن الوقت الضائع وإعادة تزويد المستودعات بالبضائع، إلا أن السيناريو الأقرب للحدوث هو أن نشهد هبوطا حادّا ثم انتعاشًا سريعًا للأنشطة الاقتصادية، وإن السيناريو المرجّح هو أن نرى تغيّرًا على شكل حرف «V» أى هبوطًا حادًا في الأنشطة الاقتصادية في الصين، يعقبه انتعاش سريع واحتواء تأثير الهبوط على الاقتصاد الصينى، وبالتالى على الاقتصاد العالمى ككل.
إن هذا السيناريو يشبه ذات الطريقة التى بدأت بها كل الدول الآسيوية طريقها نحو التقدم، طريقة لا تعتمد على شىء إلا العمل ثم مزيد من العمل، فمع كل التأثيرات السلبية التى جاء بها الوباء إلى الصين، يتوقع الاقتصاديون أن لا يقل معدل نمو الاقتصاد خلال الربع الأول من العام الحالى عن خمسة بالمائة، بفضل تكثيف العمل وتسريع وتيرته. إن هذه المكانة المقدسة للعمل التى مكنت الآسيويين من استخدام الثروة البشرية لديهم، هى التى تجعل منهم اقتصادًا يهدد الاقتصاد الأمريكى. ولطالما كانت القيمة الحقيقية للبشر في العمل.