الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من يعرف الذوق العام يسأله: «إنتَ ساكت ليه»؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أنا أتألم لهذا الذوق العام، وأتمنى أن ألقاه ذات يوم؟.. الجميع يتحدث عنه هنا وهناك وفي كل مكان؟.. منذ أمدٍ بعيد ونحن جميعاً نتحدث نيابةً عنه، وهو مُصر على عدم الظهور والادلاء بأي تصريح، حتى بات مطيةً للجميع.
أظنه كان شخصاً وقوراً في سنوات غير هذه، لكنه كغيره من الأشخاص والأشياء مر عليه الزمن فبات لا يقوى على الحراك وأصبح كدميةٍ تتقاذفها أيدى الجميع.
هل كان الذوق العام هذا، يوماً ما، صاحب سطوة وقوة لدرجة أنه تولى زمام الحكم في هذا الوطن؟ أم أنه كان مهرجًا يستبدل وجهه وملابسه في كل منطقة يذهب إليها، فيرتدي حلة ورابطة عنق ويمسك بسيجار في المجتمعات الراقية، وفي المناطق الشعبية يتمايل على وقع المهرجانات، وفي المحافل الدينية يمسك مسبحة.
هل كان الذوق العام شخصًا عاصيًا، وكلما أراد التوبة أغويناه؟ أم أنه عابدٌ ناسكْ يرفض كل عروض البذاءة ويكتفي بالصمت لأنه لا يملك من الأمر شيئا؟
كلنا نتشدق بما لا نفعله، نتشدق عن هذا الذوق العام وكأنه ملصق مروري يوضع على زجاج السيارات، وكأنه ليس فعلاً وأثراً يقتفى.
أظن أن المشكلة ليس في الأفعال التي تنافي الذوق العام، بل في الذوق العام نفسه، في إيجاد تعريف له، في استحضاره وإيجاده، في إلباسه رداء الفضيلة وخلعه عنه حسب الحالة المزاجية.
الغريب في الأمر أن أغلب ممن يدافعون عن الذوق العام في منحى آخر يدهسون عليه، فمن دعاه إلى حفلات محمد رمضان هم أنفسهم من يلعنونه بعد انتهاء الحفلة.
من جلب هؤلاء المفسدين له من حانات التكاتك ووضعوهم خلف الشاشات، هم الآن من يقاتلون دفاعاً عن إفساد الذوق العام.
من أخرجوا هذا الرجل المبجل من محرابه وخلعوا عنه جلبابه وعمامته وحولوه لمسخ من أجل دعاية حزبية أو انتخابية أو في معركة سياسية هم من يتطهرون منه بعدما أدى الدور المطلوب.
من مسخوا طعم الأشياء وغيروا تواريخ الصلاحية للأطعمة الفاسدة ليكسبوا معاركهم، الآن يتحدثون عن الشرف والذوق العام.
أمن الذوق العام أن نسرق الطعام من أيدي الفقراء ونتركهم يلعقون الأرصفة؟
أمن الذوق العام أن يتضخم المنتفعون ويزيد طابور المتسولين؟
أمن من الذوق العام أن تصدر فتاوى الإفك على مرأى ومسمع الجميع؟
أمن الذوق العام أن تنصب سرادقات الأفراح بجانب سرادقات المآتم؟
أمن الذوق العام أن تعرض قضايا النسب وأسرار البيوت على الشاشات لكسب التريند؟
أمن الذوق العام طهي اللحوم وتناول أفخر الأطعمة في أكبر برامج التوك شو وهناك طوابير من الفقراء تتقاتل من أجل زجاجة زيت؟
أمن الذوق العام أن يجلس المثقفون والأدباء والموهوبون في بيوتهم مرغمين لأن من يمسك بالميكروفون صاحب هوى؟
أمن الذوق العام أن نودع شهيدا كل يوم دون أن نقف جميعا ولو دقيقة حداداً لأن صوت الدي جي أعلى؟
أمن الذوق العام أن نصفق للغربان والببغاوات ونمنع البلابل عن الشدو بحجة أنهم أصحاب رأي ومنطق؟
أمن الذوق العام أن نحرف الآيات والأغنيات والأمنيات ونضع الأحلام في سلال المهملات؟
أمن الذوق العام أن نجعل سمرنا عن الحوادث والخيانات والجنس والخمر ونحسو الثرى على سطور التاريخ والمعرفة؟
أمن الذوق العام أن يتحول سجال علمي بين أكبر قامتين في مصر إلى مبارزة يدفعها الأولتراس للاحتقان؟
أمن الذوق العام أن نسلط الضوء على مجدي شطة ونترك مجدي يعقوب؟
أمن الذوق العام أن نترك ما يتم من إنجازات ومشاريع ونسلط عدساتنا على بطانة الفساتين ومؤخرات النجمات؟
أمن من الذوق العام أن نترك شكاوى بطاقات التموين وتكافل وكرامة ونلهث وراء شاكوش وبيكا وكسبرة وحنجرة؟
أمن من الذوق العام أن نفقد المعنى والمحتوى والعقل ونتباهى بسرعة النقل؟
أمن الذوق العام أن نكسر قيم وعادات مجتمع شرقي بدعوى الحرية فنسقط في بئر من التسريبات الجنسية نتبارى في نشرها فنمزق ستائر الستر ثم نتحدث عن العفو والصفح والفضيلة؟
أبعد كل هذا لو كنت أنت الذوق العام هل ستقيم هنا؟
قالها لي رجل بسيط يوماً، وكأنه يتصدق علىّ بحكمته: «يا بني.. السلم لو اتكنس من تحت ما ينضفش، لازم من فوق».
لن نستطيع إقناع الذوق العام بالعودة طالما نكنس أصحاب المهرجانات دون غيرهم.. طالما نكنس السلم من الأسفل.