الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الفكر الديني بين التجديد والتجميد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يُعرف الفكر بأنه إعمال العقل في أمر ما للوصول إلى معرفة المجهول، فمثلًا يقال في أى أمر «فكر» فيكون المقصود من هذه الكلمة هو طرح وجهة نظر ورؤية، فالفكر هو الصورة الذهنية لأمر ما، في حين يُعرف التفكير أنه أعمال العقل في مشكلة ما من أجل التوصل إلى حلها، والفكر هو اجتهاد بشرى يحتمل الصواب أو الخطأ،فلا قداسة للفكر، ولكنه يقترب من الصواب ويبتعد عن الخطأ حين يستند على العقل الصريح والنقل الصحيح وينسجم مع الوقائع والطبائع، ولذا فالتفكير سلوك يتطور حسب نمو الفرد وتراكم خبراته في المراحل العمرية التى يمر بها الإنسان، ناهيك عن تعدد مصادر هذا الفكر وعقلانيتها بعيدًا عن الفكر الأسطورى والخرافى،حيث تتعدد مصادر الفكر بين المنزل والمدرسة إلى جانب المسجد والكنيسة،اللذان لهما الأهمية الكبرى في واقعنا المصرى في تشكيل هذا الفكر،وغيرها من المصادر التى أوجدت لنفسها مكان في المجتمع، الشىء الذى يُحدث حالة من الخلط لأكثر من فكر نوعى وتعددى يخلط السلبى بالإيجابى والنقلى بالعقلى، وهنا نعود لأهمية المؤسسة الدينية في حياتنا التى تتمايز عن أى مصدر فكرى آخر،حيث إن الفكر المأخوذ عنها والرؤية الصادرة منها قد امتزجت بحالة من القداسة امتدادًا،غير مقبول، من قداسة الدين ذاته،وهنا أصبح للفكر الدينى الذى هو فكر بشرى وغير مقدس دور خطير في تشكيل ليس الوعى الدينى فقط بل في تشكيل الوعى في كل شئون الحياة،وذلك لتداخل الدينى في غير الدينى وفى كل الأحوال يكون القصد والهدف هو استغلال الدين لكل ما هو غير دينى وباسم الدين،مما حول الأمر حسب الواقع المصرى الآن إلى تدين شكلى لا علاقة له بالإيمان الحقيقى والذاتى النابع والناتج عن علاقة الإنسان بالله،وهنا فهذا الإيمان الشكلى المعتمد على تدين وليس دينا ساهم في تحويل هذه العلاقة الذاتية التى لا يعلمها غير الله والذات إلى أيديولوجيا فكرية تخلق حالة من الصراع الفكرى والاجتماعي بل الوجودى بين معتنقى الدين ومعتنقى الدين الآخر،بل بين معتنقى ذات الدين الواحد،حيث التناحر والتصارع باسم الدين ولهدف ذاتى وشخصى،وقد أصبح لهدف تنظيمى وهو الأخطر،فتكون النتيجة هى عدم قبول الآخر وعلى كل الأصعدة ولكن وهو الأهم فهذا الرفض يكون على أرضية فكر دينى لا علاقة له بالدين،ويتم هذا بطريق مباشر في رفض الآخر أو غير مباشر في مظاهر للطائفية القابعة في الضمير الجمعى للمتأثرين بهذا الفكر الدينى الرافض للآخر فيتحول الدين بقيمه ومقاصده العليا الداعية إلى حق الاختلاف وإلى حرية العقيدة وإلى التعايش الإنسانى على لسان هؤلاء الداعين لهذا الفكر إلى غير مقاصده ونقيض قيمه العظيمة، كما أن هذا الفكر الدينى سواء كان صحيحًا أو غير ذلك، ملتزم بالقيم الدينية أو مستغل لمصالح شخصية،فهو يتحول مع الزمن لتراث وتاريخ دينى موروث،هنا يصبح هذا التراث جزء مهم من تاريخ وأصوليات ووثائق للمؤسسة الدينية في أى دين، الشىء الذى يجعل هذا الموروث التراثى جزءا من التكوين المؤسسى والوظيفى الذى ينسحب على قناعة رجال المؤسسة بأن بقاءه هو بقاء للمؤسسة ولهم شخصيًا والأهم يحفظ لهم مكانتهم الدينية ومعاملتهم التقديسية،فتكون النتيجة هى المحافظة على هذا التراث، حيث إن بقاءه هو بطاقة المرور والاستمرارية لهم وللمؤسسة، هنا وفى إطار هذه المعطيات، يمكن أن تكون النتيجة الطبيعية للنظر لأى تصحيح أو تجديد على أنه تهديد للبقاء فيتحول الأمر إلى صراع بين التجديد والتجميد تصورًا أن كل طرف هو الأحق والأصح فيستغرقنا ذلك الصراع الصفرى الذى لا يتسق ولا يتوافق مع قيم الدين ولا مع معطيات الفكر الصحيح ولا يساهم في حوار مطلوب وواجب لصالح الدين الذى هو صالح كل الأطراف، وهنا تتكرر المشكلة وتتجدد بغير تجديد ونرفع شعار الأصالة والمعاصرة الذى يأخذ في كل مرحلة زمانية مسميات لا تخرج عن هذا المضمون وتعود ريما لعادتها القديمة فيتراكم التمترس حول الرؤية الشخصية والفكر الذاتى ونحن في ذات المكان لا نبرحه في الوقت الذى يتحرك فيه الزمان إلى الأمام وتتقدم فيه الأمم إلى ساحات واسعة وبارحة، فهل من المعقول في كل مرة تتفجر هذه القضية تتحول إلى من يرفض التراث ويسقط التاريخ بالمطلق في مقابل من يتمسك بهذا التراث وذاك التاريخ بالمطلق أيضًا وكأنه مقدس لا يأتيه الباطل؟! هنا وبعيدا عن المواءمة أو ما يسمى بإمساك العصا من المنتصف الذى أرفضه ولا أتعامل معه،أقول التراث والتاريخ في صحيحه هو جزء من تاريخ ممتد يتصل بالحاضر ويٌعد للمستقبل، ولكن لا يمكن أن يكون هذا التراث صحيح كل الصحة، فلا بد من الفرز وأعمال العقل تحت مبدأ أنه غير مقدس وأنه اجتهادات بشر «هم رجال ونحن رجال» فنستخلص المتوافق مع النص الدينى الثابت والمتكامل مع الواقع والمتسق مع تغير الزمان والمكان الذى هو حقيقة حياتية وقدرة إلهية لا يمكن لأحد أن يتجاهلها، كما أن هذا الفرز لا يجب أن يتوقف عند الكلام المرسل والشعارات النظرية بهدف تمرير الأمور لحين النسيان حتى تعود مرة أخرى، ولكن إذا كان هذا عمل المؤسسات الدينية فهو أيضًا قضية ومُهمة وسبيل كل من يعى دينه ويحافظ على قيمه بعيدًا عن المتاجرة والتقديس الذى لا يكون ليغر الله سبحانه. وهنا السؤال هل يوجد في هذا التراث وذاك التاريخ ما لا علاقة له بصحيح الدين ولا النص بل ولا العقل ولا الفكر الإنسانى بل هو متأثر بالفكر الأسطورى والخرافى، وهذا طبيعى في إطار تواصل التاريخ الإنسانى والحضارى؟ نعم يوجد هذا وسنعرض أمثلة عملية من هذا التراث الخاطئ بإذن الله. حفظ الله مصر وشعبها.