الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ثقافة احترام الرأي الآخر الغائبة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الحوار الذى دار بين فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والأستاذ الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة.. حول تجديد الخطاب الديني.. تسبب في حالة من الجدل.. وأعقبه معركة فكرية وإعلامية على شاشات الفضائيات وصفحات الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي.. بين مؤيد ومعارض ومناصر ومهاجم ومادح وقادح.. دون سند علمي أو دليل فقهي أو حتى وعي معرفي.
أنا لست مع شيخ الأزهر.. ولست ضد رئيس جامعة القاهرة.. فيما دار بينهما من سجال.. ولست مع فريق من الفرق المتشيعة لأحدهما ضد الآخر.. ولكنى ضد أن يتحول الاختلاف في الرأي.. إلى معارك وحروب في مختلف وسائل الإعلام.. فما حدث هو قمة الجمود والتعصب والسبب الأساسى في عدم تجديد الخطاب الديني.. وتظل مشكلتنا هى التعصب لرأينا وعدم قبول الرأى الآخر.. بل إن الأمر لا يقتصر على عدم قبول الرأى الآخر.. ولكنه يمتد إلى السب والقذف والذم والقدح وإفساد الود.. رغم أننا أكثر شعوب العالم تكرارا لعبارة «الخلاف في الرأى لا يفسد للود قضية».
لا أدرى لماذا يتحول الاختلاف في الرأى بيننا.. إلى معارك وصراعات ومهاترات فكرية وإعلامية.. لماذا لا نتقبل الرأى الآخر ؟.. لماذا نعتبر من ليس معنا هو ضدنا ؟.. لماذا يضيق أفقنا ولا يتسع صدرنا للاختلاف في الرأي.. أمر طبيعى أن نختلف في الرأي.. لكن غير الطبيعى أن يتحول الخلاف إلى معارك وهجوم وانقسام وتشيع لرأى ومناصرة لطرف على حساب الطرف الآخر.. لماذا لا نتبنى ثقافة الرأى والرأى الآخر.. فكل فرد حر في طرح رأيه.. ومن حق الآخر ألا يقبله أو يعتنقه أو يتبناه أو يؤمن به.
إن ديننا الحنيف يحثنا على تحكيم العقل وتبنى الشورى فيما بيننا.. وقبول الرأى الآخر أو رفضه ولكن بأدب واحترام.. وهناك شواهد عديدة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والفقه الإسلامي.. تؤكد حرية الرأى والعقيدة.. قال سبحانه وتعالى «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين» صدق الله العظيم.. وقال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «إن الدين يسر.. ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه» صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فالإسلام دين عالمي.. جاءت أحكامه شاملة جميع المعاملات ومعالجة كل القضايا.. والتشريع الإسلامى جاء شاملًا وكاملًا.. لا يختص بزمان دون آخر.. ولا بمكان دون غيره.. ولا بخلق دون سواهم.. والإسلام دين وسطي.. فقد قال الله سبحانه وتعالى مخاطبا رسوله الكريم.. «ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» صدق الله العظيم.. وقال الإمام أبوحنيفة النعمان «علمنا هذا رأى وهو أحسن ما قدرنا عليه.. ومن جاءنا بأحسن منه قبلناه منه.».. وقال الإمام الشافعى «رأيى صواب يحتمل الخطأ.. ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب».
فإذا كان ديننا بهذه السماحة والوسطية.. فلماذا الاختلاف والتعصب الذى يؤدى إلى العداوة والبغضاء وبث الفرقة والفتنة بيننا؟!.. إن ثقافة الرأى والرأى الآخر.. تقوم على احترام كل منا رأى الآخر حتى لو كان مخالفًا رأينا.. والاستماع إليه ومناقشته بكل موضوعيةٍ وحياد وهدوء ورحابة الصدر.. دون التحيّز لرأينا الشخصي.. وفرضه على الطرف الآخر فرضا.
إن الجدل العقيم والاختلاف الذميم.. والتعصب للرأى الشخصى حتى لو كان خطأ.. ورفض الرأى الآخر ولو كان صوابًا.. هو ما سعى إليه أعداء الدين.. ويذكرنى ما يحدث من خلاف وتشيع وتعصب بين المسلمين الآن.. بوصية لويس التاسع المحفوظة في دار الوثائق القومية بباريس منذ نحو تسعة قرون.. عندما أدرك فشل الحملات الصليبية عسكريا.. بحث عن وسيلة أخرى لهزيمة المسلمين.. وعقب إطلاق سراحه وفك أسره من مصر.. لم يعد إلى فرنسا.. وتوجه إلى الإمارات الصليبية المتبقية في الشام.. ومكث هناك 4 سنوات يدرس أحوال المسلمين ويعرف سر قوتهم وانتصارهم على كل الحملات الصليبية.. وأخذ يبحث مواطن ضعفهم والثغرات التى يمكن أن تشتت شملهم.. ووصل بعد دراسة متأنية وبحث دائب إلى أنه لا يمكن التغلب على المسلمين بحرب عسكرية.. إنما بحرب عقائدية وفكرية ناعمة.. من خلال محاربة تعاليم دينهم وتشويهه ووصفه بالظلامية والرجعية والانهزامية.. وتفسير مبادئه تفسيرًا ينحرف به عن قيمه الأصلية.. ويشكك أتباعه فيه.. وإشعال الفتن بين المسلمين وتفريقهم شيعًا، ليسهل القضاء عليهم.. من خلال إبراز الخلافات المذهبية بينهم.. وإغراقهم في أتون الصراعات الأيديولوجية والعرقية.. وإيقاظ النعرات العصبية والشعوبية والقومية والجغرافية فيما بينهم.. ومنذ ذلك الحين والغرب ينفذ تعليمات لويس التاسع التى تعتبر أساس حروب الأجيال الحديثة وأصل فكرة الفوضى الخلاقة التى آتت ثمارها في العديد من البلدان العربية.