الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جماعات العنف وزيادة أعداد الملحدين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا أحد يستطيع أن ينكر العلاقة بين زيادة أعداد الملحدين في مصر وبين وجود التنظيمات الدينية المتطرفة، والتي شهد وجودها طفرة أثناء وبعد العام 2011، فمفهوم التمرد انتقل من عالم السياسة إلى المجتمع وبنيته وهويته ثم انتقل بعد ذلك إلى الدين، ليس هذا فحسب وإنما ممارسة التنظيمات الدينية عندما كانت في صدارة المشهد السياسي في 2011 وما بعده أحد أهم الأسباب الرئيسية في زيادة أعداد الملحدين في مصر.
التنظيمات الدينية حصرت الإسلام في رؤيتها وتصورها ومارست القتل والذبح والتصفية بهذه الطريقة الوحشية التي شاهدناها على مدار 9 سنوات كاملة ونقلتها الصور المتحركة عبر وسائل الإعلام المختلفة، هذه المشاهد دفعت أعداد كبيرة من الناس إلى التشكك في الدين نفسه، عندما قدّم هؤلاء التكفيريين أنفسهم على أنهم الدين، البعض كفر بالمناهج السياسية لهؤلاء وثاروا عليهم والبعض الآخر كفر بدينهم فألحدوا.
زيادة أعداد الملحدين في مصر ارتفع بشكل كبير عندما ربطت التنظيمات الدينية بين الدعوي والسياسي، أي بين رؤيتها للدين وممارستها، ولكن هؤلاء الملحدين لأسباب كثيرة لم يعبروا عن أنفسهم، بدت الظاهرة أكثر وضوحًا حديثًا عندما صعدت هذه التنظيمات إلى السلطة وإن أصبح متاحا لهؤلاء الملحدين التعبير عن أنفسهم في ظل ظرف سياسي مضطرب ألم بالشارع.
لوحظ في مصر أن أعداد هؤلاء الملحدين ترتفع بشكل كبير خلال العقد الأخير، وأن الإسلاميين في العموم هم الرقم الصعب والتنظيمات الدينية هم العنوان العريض لهروب الناس من الدين، فتحول هؤلاء التكفيريين من مجرد أنهم يدعون للدين إلى أنهم أناس يدفعون الناس للهروب منه، ولم تبقَ سوى أهدافهم السياسية والتي كفر بها الناس هي الأخرى.
أحدثت التنظيمات الدينية ما يمكن أن نسميه بزلزال في بنية المجتمع الاجتماعية، تمثل هذا الزلزال في انهيار البنية الاجتماعية الصلبة للمجتمع من جانب وفي تدمير هويته وهروب الناس من عقيدتهم ودينهم من جانب آخر، فتحولوا إلى مجرد أنهم أناس يفترض فيهم أنهم يدعون الناس إلى الإيمان إلى أناس يذهبون بالناس إلى الكفر، وهو عكس مهمتهم الأساسية التي نشك في تأثيرها من الأساس.
كان يرفع هؤلاء الإسلاميين شعارًا يتباهون به بأن مهمتهم هو انتشال الناس من النار! والأدق أنهم ينتشلون الناس ولكن من الجنة، بممارساتهم الفجة التي تذهب بهؤلاء بعيدًا عن عقيدتهم ودينهم الذي آمنوا به.
لا نريد أن نخلط بين الإلحاد كفعل ورد فعل، فهناك مواقف لا يمكن وصفها ولا رؤيتها في سياق الفعل المتأصل لصاحبها، ولكن هناك مواقف كثيرة يمكن أن نقرأها في سياق رد الفعل، وهو زيادة أعداد الملحدين في مصر نتيجة التغول السياسي وممارسات الإسلاميين وسلوك التنظيمات الدينية المتطرفة مثل داعش والقاعدة وغيرهما.
وجود الإخوان المسلمين في السلطة على مدار عام كامل كانت له مساوئ ليست سياسية أو اقتصادية وإنما اجتماعية أيضًا أثرت على المجتمع، تمثلت في إلحاد أعداد كبيرة من الناس أو هروبهم من الدين، وكان الإخوان بممارستهم غير المقصودة طبعًا لا أو المتأصلة في طباعهم أحد أهم الأسباب الرئيسية في إلحاد الناس.
تعرض الأمن الاجتماعي للخطر وخطورة هذا التهديد تمثل في 3 نقاط يمكن اختصارها بشيء من التركيز وهم، وجود الإسلاميين على رأس السلطة في مصر على مدار عام كامل، وعدم الفصل بين الدعوي والسياسي، أي خلط هؤلاء الإسلاميين بين ممارستهم للدعوة وبين الإسلام نفسه، والسبب الثالث يتمثل في ممارسة التنظيمات المتطرفة للقتل والذبح بالصورة الوحشية التي دفعت لهرب الكثيرين من الدين عندما اعتقدوا واعتقدوا خطأ أن هذا هو الدين وليست ممارسة هؤلاء المتطرفين.
إذن ظاهرة الإلحاد تعود بعض أسبابها لتأمر الإسلاميين أو جهلهم بالدين، ولكنها حتمًا ترجع لجهل من وقع في فخ الفهم الخاطئ أو الصحيح لهؤلاء الإسلاميين، ظنًا منهم أن ما يقدم عليه هؤلاء هو الإسلام فهربوا من الدين.
نكرر أن زيادة أعداد الملحدين ارتبط بظهور الإسلاميين بعد 2011 ولكنها ليست كل الأسباب ولا يمكن ربط كل دواعي الإلحاد على هذا السبب أو تجاهل أسباب أخرى ربما نتناولها في مقالات تالية، ولكننا نؤكد أن خطر التنظيمات الدينية تعدى مجرد تهديد الأمن العسكري والقومي لأوطاننا إلى تهديد الأمن الفكري والاجتماعي وإلى الهوية نفسها.