الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

تحركات «الدوحة» المشبوهة تعرقل الانتقال السياسى في السودان.. قطر تشرف على اجتماعات لتوحيد أحزاب إخوانية وإعادة إنتاج نظام «البشير».. استخدام سلاح الاستثمار للسيطرة على الدول الأفريقية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تهدف قطر في سياساتها الخارجية إلى إحكام السيطرة وتوسيع نفوذها في الكثير من المناطق خاصة بعدما تعرضت للكثير من الضغوط، سواء على مستوى تحركاتها في منطقة الخليج العربى، خاصة الدول العربية التى تشهد حالة من الاضطرابات الداخلية ابتداء من مصر وسوريا واليمن وغيرها من الدول وانتهاءً بالأزمة السودانية التى تحاول العودة مجددًا للساحة السودانية بعد توتر سابق مع المجلس العسكرى الانتقالى الذى قاد لفترة مرحلة انتقالية انتهت بحوار مع المعارضة الممثلة للحراك الشعبى وأفضى في النهاية لاتفاق حول تقاسم السلطة نتج عنه تشكيل حكومة ومجلس سيادى لإدارة البلاد لعامين يعقبها انتخابات رئاسية.


وضمن هذا الإطار توترت العلاقات بين الخرطوم والدوحة على إثر التحرك القطرى لإعادة تقديم الدعم لتنظيم الإخوان في السودان بالإشراف على اجتماعات مكثفة لتوحيد أحزاب سودانية لها خلفيات إخوانية لإعادة إنتاج النظام الإخوانى السابق الذى كان يتزعمه الرئيس المعزول عمر البشير وكان ذلك في ذروة الجهود التى كان يقودها المجلس العسكرى الانتقالى (السابق) لتهدئة الجبهة الاجتماعية وتهيئة الظروف لحوار وطنى ينهى الأزمة السياسية، وهو الأمر الذى تستمر قطر في انتهاجه لتحقيق أهدافها من خلال وكلائها داخل السودان.
إعادة إنتاج الدور
مع سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، وصعود المجلس العسكرى السودانى لموقع الحُكم، وقع تغير كبير في سياسات الخرطوم الإقليمية، كان العامل الأهم منها انحسار نفوذ قطر على خلاف السنوات الماضية، حين كانت الدوحة ركيزة أساسية، وفاعلة مهمة في سياسات الخرطوم، وفى هذا الإطار يذكر أنه أثناء تصاعد الأحداث الاحتجاجية زار الرئيس السودانى السابق البشير الدوحة بهدف تلقى دعم مالى في هيئة منح مالية نقدية، أملًا في الحصول على مليارات الدولارات؛ التى قد تُمكنه من تخطى أزمة التظاهرات في الشوارع، عبر إطلاق سلسلة إجراءات لخفض الأسعار والتراجع عن رفع أسعار الوقود وتعويم العملة المحلية، الذى كان أحد عوامل احتجاج المتظاهرين، ولعل اختيار البشير لقطر وفق سياسة قائمة على قيام الدوحة بتقديم دعم لحكومته وظهر ذلك في بيان رسمى أثناء اندلاع التظاهرات، وتلقيه اتصالًا هاتفيًا من أمير قطر تميم بن حمد، اطمأن فيه الأخير على أوضاع البلاد مع تزايد حدة الاحتجاجات الشعبية، وعبّر عن «وقوف بلاده مع السودان وجاهزيتها لتقديم كل ما هو مطلوب لمساعدتها على تجاوز هذه المحنة مؤكدًا حرصه على استقرار السودان وأمنه».
ولم تكتف قطر بالتلويح بالملف الاقتصادي، بل عكف النظام القطرى على إعادة التدخلات القطرية في السودان القديم وإحيائها في السودان الجديد؛ فعمدت وسائل الإعلام القطرية على تكثيف الحديث عن كيفية استفادة إدارة السودان الجديد من «وثيقة الدوحة للسلام»، وهو ما يثير العديد من علامات الاستفهام حول الدور الذى تحاول قطر القيام به مؤخرًا في السودان عقب سقوط البشير الداعم لهم؟ وعلى العكس من ذلك لما كان عليه الحال غداة الثورات التى أطاحت بأنظمة حكم عربية في شمال أفريقيا، أظهرت دول المنطقة رفضًا متزايدًا تجاه السياسة القطرية، وابتعدت عنها الكثير من الدول، وقاطعتها أخرى في شكل تدريجي، على الرغم من أن قطر ضخت مليارات الدولارات في هذه الدول ومولت جماعات سياسية ودينية متطرفة لبناء نفوذ سياسى واقتصادي، وخلق جماعات ولوبيات لتنفيذ السياسة القطرية في داخل تلك الدول.


دوافع وأدوات التأثير
ينظر أغلب المراقبين الأفارقة لشأن القارة السمراء بكثير من التوجس والريبة للحضور القطرى المكثف والمتنامى في المنطقة الأفريقية، حيث لا تكاد تخلو دولة أفريقية من تواجد قطرى ظاهره الاستثمار، وباطنه زرع بذور الفوضى والفتنة وعدم الاستقرار، ولعل النشاط القطرى في التأثير على الأوضاع الداخلية في السودان بعد خسارتها الكبرى بفقدان حكم عمر البشير الذى حاول اللجوء لدعم الدوحة في زيارته الأخيرة لها في يناير ٢٠١٩، اتخذ العديد من المسارات على المستوى السياسى والاقتصادى والعسكري، وفى هذا السياق دفعت الدوحة الكثير من الأموال للتأثير على الأوضاع داخل السودان ضد المجلس الانتقالى العسكرى ومحاولة التأثير في عملية التحول الديموقراطى هناك بما يتناسب مع الأهداف القطرية، وفيما يلى أبرز تلك الإجراءات:
١) توظيف الانقسام السياسي: مع توقيع الاتفاق السودانى في يوليو ٢٠١٩ اقترب السودان خطوة في اتجاه الحكم المدنى بعد ثلاثين عامًا من الحكم العسكري، إلا أن نسب المجلس السيادى بين المدنيين والعسكر شكلت نقطة خلافية كبيرة، بالإضافة إلى نسب المجلس التشريعى ما بدا واضحًا في الاتفاق السياسي. إذ تؤكد المادة ١٣ من الاتفاق على تمسك قوى إعلان الحرية والتغيير بنسبة ٦٧ بالمائة من عضوية المجلس التشريعى ونسبة ٣٣ بالمائة للقوى الأخرى غير الموقعة على إعلان الحرية والتغيير، ثم تأتى مباشرة بعدها المادة ١٤ التى تقول إن «المجلس العسكرى الانتقالى يؤكد موقفه بمراجعة نسب عضوية المجلس التشريعي». ولعل تضارب مصالح الأطراف المتدخلة في المشهد السودانى يزيد من تعقيده أكثر، فلطالما أبدى نشطاء ومعارضون مخاوفهم من أن تجهض تدخلات أطراف خارجية بالإضافة إلى فلول النظام السابق التحول الديمقراطى في السودان، وهو الأمر الذى توظفه قطر للدخول إلى الساحة السودانية.
٢) الجانب الاقتصادي: تمثل الاستثمارات القطرية في السودان نحو ٣.٧ مليار دولار، وهى خامس أكبر مستثمر أجنبي، وهناك تمويل حكومى قطرى للصناعات العسكرية السودانية، وتمويل لبناء قاعدة عسكرية تركية في جزيرة سواكن بـ٤.٧ مليار دولار كان الهدف منها تهديد الأمن القومى المصرى من جهة البحر الأحمر، ومن خلال هذه الاستثمارات تحاول الدوحة الانخراط بالتأثير على الأطراف الداخلية بما يخدم مصالحها في السودان وانطلاقًا إلى منطقة القرن الأفريقي ولعل هذا الأمر أعلنت عنه إريتريا في نوفمبر ٢٠١٩؛ حيث اتهمت وزارة الإعلام في إريتريا، قطر بدعم فصائل وجماعات معارضة في البلاد عبر مخططات تخريبية مستخدمة السودان كنقطة انطلاق، خاصة وأن العلاقة بين قطر والسودان في عهد عمر البشير فيها ارتباط قوى وتنسيق أمني ومصالح تجارية وعسكرية وشخصية ساعدت على تمكين الجانب القطرى من السيطرة على بعض الملفات والتى تحاول الدوحة استغلالها الآن للتأثير على عملية الانتقال الديموقراطي. وليس مستغربًا أن تعتبر الدوحة أن المجلس الانتقالى الحالى عدو لمصالحهما، وأنه لا بد من إسقاطه بكافة الطرق وتصعيد حلفائها الذين يخدمون مصالحها ومنهم حزب المؤتمر الوطنى ذراع جماعة الإخوان.
٣) الجانب الإعلامي: من زاوية أخرى اتخذ الإعلام القطرى على عاتقه مؤخرًا التركيز على الوساطة القطرية في تحقيق السلام، ومحاولات إبراز الدور القطرى كوسيط سلام بين القوى المتناحرة من خلال إحياء اتفاقية وثيقة الدوحة للسلام وهذا الأمر ظهر في زيارة مبعوث وزير خارجية قطر لشئون تسوية النزاع، مطلق القحطانى للسودان ولقائه بنائب رئيس المجلس السيادى الفريق أول محمد حمدان دقلو «حميدتي». وفى نفس السياق لم تتوقف وسائل الإعلام القطرية والأخرى التابعة لتركيا الناطقة بالعربية عن فعل الدور ذاته تحت دعوى أن ما حدث في السودان هو انقلاب وليس ثورة، وأن الحل هو إسقاط المجلس وتسليم السلطة لقوى مدنية معظمها موالية للإخوان والتيارات الموالية لها والمعادية للدول العربية مثل مصر والسعودية والإمارات.
٤) التدخل غير المباشر: اتخذت قطر موقفًا مضادًا من الموقف الشعبى السوداني، نظرًا لموقفها الداعم لحكم البشير الإخواني، ولكن عقب سقوط نظام البشير اتجهت الأنظار نحو الحديث عن مصير الاستثمارات التركية والقطرية في السودان، وزاد الأمر تعقيدًا عقب خروج جماعة الإخوان المسلمين المدعومة من البلدين من المشهد، وتولى الحكومة الانتقالية عقب توقيع اتفاقية الوثيقة الدستورية شئون البلاد، والتى أعقبها تحركات قطرية تركية في محاولة لدخول المشهد السياسى مرة أخرى للحفاظ على الاستثمارات ومحاولة الابقاء على ورقتها الأخيرة في السودان، وتجلى ذلك في الإعلان عن استثمار شركة قطر للتعدين الحكومية في قطاعى الطاقة والتعدين بالسودان، ويأتى هذا ضمن سلسلة من الإجراءات التى تعبث بها الأيادى القطرية كمحاولة لإفشال خطوات التوافق السياسى بين المجلس العسكرى وقوى الحرية والتغيير، حتى يتسنى لهم عودة جماعة الإخوان إلى المشهد السياسى في السودان من جديد.

في المجمل: وجد النظام القطرى من كلمة رئيس الوزراء السودانى عبد الله حمدوك، عقب توليه منصبه في سبتمبر ٢٠١٩ إثر توقيع المجلس العسكرى وقوى الحرية والتغيير على الوثيقة الدستورية التى قضت بتشكيل حكومة انتقالية لمدة ثلاث سنوات، فرصة جديدة لخلق جبهة تعاونية قائمة على اللعب بوتر المصالح المتبادلة ودعم في مظاهر التعاون السياسى والاقتصادى والذى أكدته قطر من خلال حرصها التام على تطوير علاقاتها مع السودان في ظل التطورات الجديدة التى شهدها وذلك على كافة المستويات لاسيما في جانب الاكتشافات المعدنية. وضمن هذا السياق تسعى الدوحة لاستعادة نفوذها في الخرطوم بعد صفعات متتالية تلقها المحور القطرى التركى بتفكك النظام الإخوانى في السودان مع سقوط نظام البشير. كما تسعى أيضًا لاختراق الساحة السودانية لإعادة إحياء النشاط الإخوانى في المنطقة، وبعد حالة الرفض تلك لم تجد الدوحة من سبيل للعودة للساحة السودانية إلا بتطبيع العلاقات مع السلطة التى يقودها المجلس السيادى وحكومة عبدالله حمدوك من بوابة الدعم المالى والسياسى بعد فترة فتور في العلاقات، ولكن هذه التحركات في باطنها زيادة السيطرة على مقدرات الاستقرار السوداني.