رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

«Honey Boy».. ما لا يقتلك يجعلك ممثلا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما يسألني الناس عن قصتي، أذهب فقط إلى الأشياء الإيجابية: لحظات نصب الخيمة، نقاط التفتيش الكبيرة. شيا لابوف
في صغري، كنت شديد الولع بفيلم الخيال العلمي «I, Robot» لنجمه ويل سميث، كونها المرة الأولى التي أرى فيها مدن المستقبل بصورة متطورة ومبهرة فضلاً عن صراع الآليين المثير مع البشر. لكن ما لفت انتباهي حقا هو ذلك المراهق (فاربير) الذي لم أره سوى في مشهدين لكنه كان ذا حضور وكاريزما قويين، شديد الثقة بنفسه، كنت أتوق لمعرفة أسمه أو أي تفاصيل عنه، لكن محاولاتي باءت بالفشل في وقت كان اتصالي فيه مع العالم الخارجي فقط من خلال شاشة التلفاز.
مع مرور الوقت، اعتدت وجه الصبي المشاغب ولا يزال داخلي شغف لمعرفة المزيد عنه، حتى تحققت أمنيتي أخيرا من خلال فيلم مراهقتي المفضل «Disturbia»، ففي ذلك التوقيت كنت قد حصلت على أول حاسوب شخصي لي وبدأت معرفتي تتوسع شيئا شيئا بفضل الإنترنت. عقلي الضحل لم يكن ليستوعب فكرة ظهور ذلك المراهق بهذا العدد الكبير من الأفلام والمسلسلات دون مساعدة أحدهم - فعادة ما تجري الأمور في بلادنا بهذه الطريقة - قلت لنفسي وقتها “ربما هو ابن أحد ما من مشاهير هوليوود ... ربما”، لكنني لم أدرك أن قصة نجاح هذا الصبي كان ورائها طفولة مضطربة غاية في الألم والقسوة، لم أكن لأعرفها لولا فيلمه الأخير «Honey Boy».

الجميع لديهم قصص، لا أريد أن أمتلك واحدة
يقول أوتيس لور (لوكاس هيدجز) لأبيه جيمس (شيا لابوف) في اللحظات الأخيرة من «Honey Boy»: "سأصنع فيلمًا عنك". ربما غير شيا لابوف الأسماء وقام بتشويش التفاصيل قليلا، لكن يمكننا القول بأن الفيلم هو بمثابة جلسة علاج سينمائي، فقد كتب "لابوف" قصة طفولته كجزء من برنامج تأهيلي أمرت به المحكمة عقب إلقاء القبض عليه في 2017 بسبب الثمالة في الطريق العام ومخالفة النظام، وعقب الانتهاء من صياغته قام بإرساله الى صديقته مخرجة الأفلام الوثائقية الشهيرة آلما هارئيل، التي قامت بتحويله إلى شيء شاعري مفجع إلى درجة الألم.
عند افتتاح الفيلم، نرى أوتيس يحدق للكاميرا ويقول "لا لا لا لا" يليه صوت انفجار ضخم ثم يطير في الهواء وكأنه قطعة من القمامة عالقة في عاصفة من الرياح، لنكتشف اننا امام مشهد خدع سينمائية يتم تصويره داخل أحد أفلام الحركة. نرى نفس الحيلة تتكرر مع نسخته الأصغر سنا - يجسدها المخضرم (نواه جوب)، في واحدة من المشاهد المرتكزة في الأساس على إيماءة "لابوف" الشهيرة "لا"، التي استخدمها في العديد من أفلامه وظلت عالقة في أذهان جمهوره لسنوات طويلة. افتتاحية سامة تظهر لنا حجم الصدمات المتتالية التي دمرت عاطفة أوتيس الهشة وجعلت حياته تبدو خارجة عن إرادته.
تتكون معظم مشاهد الفيلم من ذكريات أوتيس حين كان في عمر الثانية عشر، حيث كان يكسب رزقه من العمل في المسلسلات التلفزيونية ويعيش في فندق رث في لوس أنجلوس مع والده جيمس، المهرج ومدمن الكحول السابق، فهو روح متمردة وقاسية للغاية، يشجع ابنه وفي الوقت نفسه يقوضه بلا رحمة. حياة الاثنين ليس بها أي مجال للخصوصية، فلا يمانع الأب منح ابنه بعض السجائر كي يدخنها على الملأ، يشعر بالعجز لأن صغيره يدعمه مالياً بسبب عدم قدرته الحصول على عمل كونه مجرم جنسي مدان سابقا.
لحظة التحول ما بين علاج أوتيس، الذي ينكر إصابته باضطراب ما بعد الصدمة، وذكرياته الأكثر إثارة للحزن، تكشف لنا أن هناك شيئا ما أسفل السطح أعمق من مجرد قصة تنشئة مضطربة، إنه مزيج من الألم الكامن وتشوش الذات؛ لذا يبدأ أوتيس رحلة مليئة بالمقاومة والغضب في تذكر طفولته المريرة، يسير خلالها الفيلم ذهابًا وإيابًا بين الخطين الزمنيين.

للحب فرص أخرى
يقوم مونتاج الفيلم على تكثيف الأجزاء المألوفة من قصص جيمس وأوتيس المتعلقة بنوبات الإدمان والغضب، عززتها الصورة الكئيبة للمصورة السينمائية ناتاشا براير، التي عمدت إلى تسريب ضوء نيون مريض عبر الستائر داخل كل ركن من أركان غرفة الفندق، حيث تبرز مشاعر الثنائي المليئة بالقبح والفوضى، أنهم يغضبون ويبكون، يتوسلون لبعضهما كي يكسب كل منهم رضا الآخر، إنهم يسعون جاهدين للسيطرة على الوضع. يبقى أوتيس حلقة الوصل القوية بين الوالدين، فهو يتعامل مع الأشياء المعقدة بسهولة وسلاسة، ففي واحد من مشاهد الفيلم الرائعة يُجبر الطفل على نقل مشادة بين والديه عبر الهاتف، محاكيًا غضب كل جانب بطريقة خلاقة.
من جوانب القوة في الفيلم، إصرار "لابوف" للعب دوره أبيه جيمس، هذا نفسه جزء من عملية الشفاء ورحلة البحث عن السلام التي سعى لإيجادها. من المستحيل معرفة مدى دقة انطباع "لابوف" عن والده، ومع ذلك ، فهو لا يزال يشعر بحميمية مذهلة تجاهه دفعته للعودة مرة أخرى واحتضانه بين ذراعيه، في مشهد أكدت "هارئيل" من خلاله القوة الكامنة للحب ومدى قدرته على الإحساس بشفاء الروح وتخلصيها من آلامها.
أثبت فيلم «Honey Boy» أن "لابوف" انتقل إلى منطقة مثيرة للاهتمام كممثل، فهو لم يعد الطفل الساحر الذي اعتدت رؤيته في طفولتي، فهو يعود للشاشة بتجربة صعبة ومؤلمة، ربما جعلته أكثر صلابة عما كان عليه من قبل، تجربة جعلته يدرك أن ما لم يقتله ربما جعله ممثل أفضل.