الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مؤلف "قلب وحيد" يغادر فجأة.. وقصصه تحكي عن أقرب 3 شخصيات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"علقت خبر موتي أمامي على الحائط، كل صباح ومساء كنت ألقي نظرة عليه، لأطمئن أن ورقة الجورنال التي كُتب فيها الخبر بخط كبير، وصفحة أولى، بعيدًا عن الوفيات، ما زالت سليمة، وتستطيع أن تقاوم معي الأيام القادمة"؛ هكذا كتب القاص الشاب محمد حسن خليفة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قبل ساعات من زيارته لمعرض القاهرة الدولي للكتاب كاقتباس من مجموعته القصصية "إعلان عن قلب وحيد" الصادرة عن دار كنزي للنشر، التي يشارك بها في المعرض ويحضر حفل توقيعها، لكنه يرحل عن عالمنا، ظهر اليوم الخميس، عقب جولة قصيرة في المعرض.
خليفة، الذي تجاوز عامه الثالث والعشرين بقليل كانت تربطه علاقة قوية بثلاثة أشخاص مقربين إلى قلبه للغاية: الأول هو الأب "حسن" الذي رحل في سن مبكرة، حيث بلغ السابعة والأربعين، لكنه يقرر أن يرحل تاركًا القاص الصغير يتيمًا ربما لم يبلغ العاشرة من عمره، وظل هذا الفراق مؤثرا فيه للغاية.
فراق يَذكره بحنين بالغ ضمن سطور كتاباته الأدبية التي تاق إلى نشرها مدة طويلة، في الوقت الذي لا يعرف فيه أنه في اللحظة التي يستقبل فيها مجموعته القصصية الوليدة سوف يعلن قلبه خيانته والتوقف بشكل فجائي.
الأم، هي الشخصية الثانية التي تحتل مكانة كبيرة في حياته، فهي الحصن الوحيد الذي يلجأ إليه ولا سيما بعد رحيل الأب، وخلال قصص مجموعته يصفها بالمهرب الحقيقي من ويلات الحياة، ونقرأ ما كتبه عنها "كنت كلمَّا أود الهروب من بؤس الحياة وشقائها، المصائب والويلات التي تقع على رأسي مهشمة إياها إلى قطع صغيرة، كل قطعة منها في ركن بعيد، وأظل طوال الليل أجمع في القطع، حتى أعيد تركيب رأسي مرَّة ثانية، علَّ هذه المرَّة تتقبل الحياة بمَّا فيها، تصمت عن التفكير ولو قليلًا.. خوفًا من تحولي بمرو الأيام إلى دمية قطنية تشربت كل ما وددتُ الهروب منه، لجأت إلى حضن أمي طالبًا الحماية!".
فرناندو بيسوا، هو الشخصية الثالثة التي سيطرت بشكل كبير على تفكير القاص الراحل "خليفة"، بيسوا فيلسوف وشاعر ومترجم برتغالي، أخذت كتاباته شكلا مليئا بالحزن والميل ناحية التعبير عن تعاسة الإنسان وثقل الحياة، له مقولة مشهورة تترجم بـ"كل منا يعيش حياتين: واحدة في الحلم، والأخرى تأخذنا إلى القبر"، ويتضح من خلالها مدى ميله ناحية الحلم لصناعة حياة بديلة عن السيئة التي تقودنا جبرا ناحية القبر.
كلمات بيسوا ليست الوحيدة التي أوقعت "خليفة" في حبه وسحره، إنما أيضا حياته الخاصة وشكله الذي ظهر فيه، تأثر مثلا بالقبعة السوداء والمعطف الأسود وشاربه المميز ونظارته البيضاء التي تكشف عن مدى بؤس الحياة التي أثقلته، لكن هذا رغم تأثيره ورغم ما كشف عنه خليفة في قصته "أنا وبيسوا" فإن هناك عاملا مهما جدا، اعتبره خليفة "مصادفة غريبة" حين عرف أن "بيسوا" كان يعاني من حالات مزاجية متقلبة مثله تمامًا، وأن "بيسوا" مات في السابعة والأربعين مثل أبيه أيضا.
"أنا الآن بجوار بيسوا الذي مات وعمره سبع وأربعين سنة تمامًا مثل السن الذي توفى فيه أبى، يا للمصادفة الغريبة".
ومن هنا يستطيع القاريء أن يتفهم هدف الكاتب من رغبته في تسمية المجموعة "أنا بيسوا" بدلا من الاسم الذي استقر عليه في النهاية "إعلان عن قلب وحيد"، وأن يتفهم الإهداء الذي كتبه في بداية المجموعة إلى أبيه –رحمه الله- وأن يتفهم أيضا التصدير الذي اقتبسه من كاتبه المفضل "بيسوا" من كتاب "اللاطمأنينة" وجاء فيه: "أنا ضواحي بلدة غير موجودة، التعليق المسترسل على كتاب لم يُكتب قط. أنا لا أحد على الإطلاق. لا أعرف كيف أشعر، كيف أفكَّر، كيف أريد. أنا شخصية في رواية غير مكتوبة، انطلق في الهواء، متناثرًا ولم يحدث قط أن كنت بين أحلام شخص لم يعرف كيف يكملني ".