الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

درويش على أعتاب الوطن.. هو أنت مصري؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ أن وطأت قدمي مطار رفيق الحريري الدولي، القابع في قلب بيروت النابض بالأسرار والحكايات، التي تناثرت على أزقتها وشوارعها وأسواقها وأبنيتها العتيقة، وأنا أسأل نفسي نفس السؤال، هو أنت مصري؟ كانت البداية عندما استقرت قدماي أمام سياج نافذة ضابط الجوازات، نظر إليّ الضابط، وعلى وجهه ابتسامة بشوش قد أكون لم أرها من قبل، بينما كانت يداه الدافئة تمتد لتلاقي جواز سفرى المصري، وبعد جزء ضئيل من لحظات بادرنى، قائلًا: ”الشاب من مصر“، فسبقني لساني إلى الردّ عليه، نعم أنا من مصر وأعتز بمصريتي، نظر إلى الضابط ولم تغادر البَشَاشَة ابتسامته، بعد أن فحص أوراقى، وجواز سفرى، وأمهرهم بصك الدخول، قائلًا لى بودُ شديد: ”وأنا أيضا افتخر بمصر وأحبها وأحب أهلها الطيبين، وبحب عادل إمام كمان، وبحب لهجتكم، مصر أم الدنيا يا زلمة، أهلًا وسهلا فيك، نورت بيروت“، ومضيتُ في ردهات المطار، وممراته المختلفة، وأنا ينتابني شعور قوي، أن ظل مجد مصر ما زال يلاحقني في كل خطوة تخطوها قدمي منذ خروجى منها، فيبث في جسدي رعشة خفيفة تدغدغ روحي وتشعِرنُي بدفء، يذيب جبال جليد الغربة المتراكِمة مِن حولي، وما إن استقرت قدماي، أمام بوابة الخروج، حتى تجمع حولي بعض سائقي التاكسي!، يَعرضون خدماتهم على لتوصيلي إلى الوجهة التي أريدها، لكني بحركة لا شعورية اقتربت من أحدهم، وهززت له رأسى بالموافقة، فانتصب واقفا يفتح لي الباب، وما إن استقليت السيارة، حتى نظر إلى كأنه يود التأكيد، قائلًا: مشينا؟ فقلت له، وأنا أتأمل المكان من حولي: ”نعم“، فبادرني قائلا: ”وين حضرتك رايح؟“، قُلتُ له بلا أدنى تردّد: ”إلى شارع الحمرا؟“، فقال بصوت جهورى يشبه صوت الجبل: ”يا هلا ولله، تكرم عينك“، وانطلق بالسيارة متوغلا شوارع بيروت وضواحيها، ثم ضغط زر المسجل، بينما كنت أترقب أن ينساب منه صوت ”جارة القمر“ كما يحلو للبنانيين تسميتها، فإذا به ينساب منه صوتا لعتابا لبنانيا جبليا، ولم يخرجني من شرودي إلا صوت السائق: ”عجقة، عجقة“، فانتبهت له جيدا، وهو يكرر الكلمة نفسها، فإذا به يرمقني بنظرة فاحصة ملأها الفضول، لأتلقى منه نفس السؤال: ”الشاب من مصر“، فهززت له رأسى بالإيجاب، فقال ممازحًا: ”ازيك يا باشا“، وسألنى: انت صعيدى؟“، فأجابته بالنفي، قائلًا: ”إسكندراني“، فقال: ”شط إسكندرية يا شط الهوى، مصر أم الدنيا، الكشري والطعمية والفسيخ وعبد الناصر، الشيخ عبد الباسط وأم كلثوم وعبد الوهاب والنيل، ولو يا زلمة دي مصر أم الدنيا، حتى أوصلني إلى الحمرا فقلت له:” كم أجرتك؟" فأصرّ على ألا يأخذ أجرته، مكررا: ”خليها علينا هيدا المرة، ولو يا زلمة دي مصر“، تاركا خلفه كارت يحتوي على رقم هاتفه الشخصي، ملوحا لي من نافذته قائلا: ”إن احتجت إلى شيء، لا تتردد في الاتصال بى“.