الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ضرورة استعادة ذراعنا الإعلامية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اتسع مفهوم القوة الناعمة فلم تعد مقصورة على الثقافة والفنون والآداب، بل اتسعت ليكون الإعلام هو أقوى مفرداتها وأشدها تأثيرا في السلم والحرب. لما له من قدرة على تغيير مزاج وذائقة المتلقى بسرعة كبيرة عن طريق وسائله المختلفة سواء أكانت تقليدية أم إلكترونية حديثة.
القوة الناعمة في الحروب الحديثة تعتبر هى القوة الأكثر تأثيرا دون أن تكلف المهاجم خسائر تذكر.. هى القوة القادرة على طمأنة الداخل وإزعاج الخارج.
ومن هذا بدأ مصطلح حروب الجيل الرابع في أمريكا في أواخر الثمانينيات، وأطلق عليها اسم مختصر هو «الحرب اللا متماثلة»، وتعنى الصراع الذى يتميز بعدم المركزية بين أسس أو عناصر الدول المتحاربة من قبل دول أخرى. استخدم هذا المصطلح لأول مرة في عام ١٩٨٩ من قبل فريق من المحللين الأمريكيين، من بينهم المحلل الأمريكى ويليام ستركس ليند لوصف الحروب التى تعتمد على مبدأ اللا مركزية.
وهى حروب تحتل العقل وتجعل الشخص المستهدف يقوم بإيذاء نفسه بنفسه، ومن أسرع الطرق التى تستطيع أن تقوم بهذا الأمر الإعلام بكل أشكاله ووسائله. ولهذا فالدول المعاصرة تعتبر ذراعها الإعلامية، مرادفا لمدى قوتها ونفوذها.. دولة بلا إعلام قوى يطال الداخل والخارج هى دولة منقوصة النفوذ والقوة.
كلنا يتذكر مصر الستينيات عندما كانت تمتلك قوتها الناعمة بما يكفى لأن يصل صوتها السياسى إلى كل محيطها العربى عن طريق إذاعة «صوت العرب»، التى كانت تعتبر الإذاعة الأولى التى تشد آذان المستمعين العرب من على ضفاف الخليج العربى إلى شواطئ المحيط الأطلسي. 
وكانت لمصر قوتها الناعمة التقليدية التى ما زلنا نتنسم عبيرها حتى الآن بعقول عميد الأدب العربى طه حسين، وأهم روائى في تاريخ الأدب العربى نجيب محفوظ، وصاحب العبقريات عباس العقاد.. وغيرهم ممن لحقوا بهم مثل ذكى نجيب محمود ولويس عوض وغيرهم من نوابغ الفكر الذين خلت منهم ساحتنا تقريبا، ولم يعد في الساحة الأدبية والنقدية من يمكنه أن يسد هذا الفراغ. فضلا عما قدمته السينما المصرية من أعمال ما زالت حتى الآن هى الملهمة لكثير من المبدعين والمثيرة لملايين المتلقين، وما قدمته سيدة الغناء العربى من أعمال غنائية لا تزال في قمة توهجها.
لاحظ أن عميد الأدب العربى كان مصريا وسيدة الغناء العربى كانت مصرية وقبلهم أمير الشعراء مصريا، وكانت السينما العربية مصرية، وكان المسلسل العربى يعنى المسلسل المصري.
لكننا عندما بدأنا نلوك عبارة «مصر صاحبة الريادة الإعلامية في المنطقة!!»، كنا قد بدأنا في التراجع للخلف منكفئين على ذواتنا غير مبالين بما تشهده ساحة الإعلام حولنا من طفرات كنا الأبعد عنها حتى أصبحنا بعد فترة نجد من يتحدث باسمنا دون أن يحرك ذلك كرامتنا فرأينا العديد من القنوات غير المصرية تخاطب الرأى العام المصرى بخطاب نعرف مدى خطورة أهدافه السياسية.
وفيما بعد ثورة ٣٠ يونيو بدأ الخطاب الإعلامى الخارجى يزداد تركيزا فرأينا قنوات مثل الشرق والوطن ومكملين والحوار وغيرها من الأصوات التى نعرف كيف يتم تمويلها، وكيف يتم إدارتها ونعرف مدى خطورة خطابها التحريضى الذى يسلط تركيزه على العقل المصرى في الداخل في ظل ما يسمى بـ«السماوات المفتوحة».
ببساطة شديدة عندما تخلت مصر عن ذراعها الإعلامية ظهر آخرون بأذرعتهم.. ما دمت تركت فراغا وجب على الآخرين شغله وملأه بحسب نظرية الأوانى المستطرقة، وكأننا اخترنا أن نترك مكاننا فارغا برغبتنا وبعدم مبالاة، وكأننا نتآمر على أنفسنا، رغم أننا نمتلك كوادر قادرة على تشكيل وعى الآخرين، خاصة أن الأرض التى مهدها أوائلنا ما زالت متاحة للغرس، وما زال أثر خطى الأولين منا يمكن أن يكون مهدا ممهدا وأثرا مؤثرا. 
لم تعد صحافتنا رائدة في ساحتها العربية، ويمكن أن ينسحب هذا على ساحتها المحلية، فما زالت مواقع مثل: العربية وإيلاف وغيرها تعد هى المواقع التى يفضل زيارتها المثقفون والباحثون المصريون والعرب للتعرف على الأخبار، رغم أن معظم العاملين فيها مصريون. أما حال الصحف الورقية، وبخاصة الحكومية فحالها أسوأ من أن يوصف. 
الغريب أن الذراع الإعلامية القوية تحقق نجاحات أقل كلفة من حيازة أسلحة فتاكة.. فيمكنك أن تحقق أهدافك دون أن تسيل قطرة دم واحدة من جنودك.. ودون أن تطلق دانة مدفع ولا صاروخ واحد.. سوف تحشد جيشك بالقادرين على إيصال كلمتك ورسالتك وستغنيك عن حشد جنود مدججين بالسلاح.
نحن بحاجة لقناة إخبارية قوية يقودها محترفون لا هواة يخطئون في قواعد الإملاء. ولا يجيدون قراءة الأخبار.. إعلاميون مثقفون قادرون على محاورة الضيوف بخلفية ثقافية ومعرفية.. وضيوف يضيفون للمشاهد ولا يستهلكون وقته. فلا يليق بمصر أن ينطق الآخرون باسمها! أو تجد نفسها دائما في وضع المدافع عن نفسه.
أعتقد أن مصر قادرة إذا أرادت أن تعيد اعتلاء القمة، هى فقط بحاجة إلى منح الفرصة للموهوبين القادرين على الإبداع في مجالاتهم دون تربص أو إبعاد.
أعتقد أن الزميل أسامة هيكل وزير الدولة للإعلام الحالى، يدرك جيدا أهمية أن نطلق ذراعنا الإعلامية مرة أخرى في محيطنا الإقليمي، كى نستعيد لقب الريادة الذى نستحقه بحق.