السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أردوغان ودماء قنصوة الغوري بطرابلس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن اختيار تاريخ اجتياح الدبابات التركية لمدينة جرابلس بشمال شرق سوريا في يوم 24 أغسطس، دون معنى بالنسبة لتركيا، ففي مثل هذا اليوم قبل 500 عام أي في 24 أغسطس عام 1516 جرت معركة “مرج دابق” التي قتل فيها السلطان العثماني سليم الأول سلطان المماليك قنصوه الغوري، ومن ثم احتلت الجيوش العثمانية بلاد الشام، قبل أن تتجه إلى القاهرة بعد معركة “الريدانية” الشهيرة في عام 1517، وبدأت حينها السيطرة العثمانية أو الاحتلال العثمانى لمصر.
ومن جرابلس حاول أردوغان أن ينفذ ما عجزت عنه الأدوات من تنفيذه ويحتل الشمال السوري وفق تفاهمات سوتشي وآستانة.
والآن أردوغان قال وفقًا لما نقلته وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية: "ها نحن بصدد اتخاذ خطوات جديدة ومختلفة في كل من ليبيا وشرق البحر المتوسط. ونأمل في أن يحقق جنودنا في شرق المتوسط ملاحم بطولية كتلك التي حققها (أمير البحارة العثمانيين) خير الدين بربروس (1478-1546)، وهم بالفعل سيواصلون كتابة تلك الملاحم".
ووفقا للوكالة التركية ذاتها، فإن خير الدين بربروس هو "أول قائد للأسطول البحري العثماني، لا يزال يُصنّف حتى اليوم أحد أبرز القادة البحريين، وأحد الرموز التي ساهمت في تأسيس الإمبراطورية العثمانية.. وفي العام 1502، بدأ وشقيقه عروج بمحاولات فرض السيطرة على البحر المتوسط، حيث اكتسبا شهرة كبيرة في تلك الفترة بفضل الانتصارات التي حققاها في إسبانيا، وجنوة (جنوبي إيطاليا حاليا)، وفرنسا".
أردوغان يريد أن يجعل من نفسه سليم الأول لاحتلال سوريا والبلاد العربية ويجعل من نفسه القرصان بربروس ليحتل ليبيا والجزائر ويفرض شروطه على أوروبا كما كان يستثمر باللاجئين. العربدة الممتدة من جرابلس حتى طرابلس لن تشفع له جميع بهلوياناته ليكون عثماني القرن الحادي والعشرين. 
لا يفكر أردوغان بالمجتمعات والشعوب إن هي جاعت أو ماتت في دروب الهجرة البرية والبحرية وليذهب الجميع للجحيم. المهم عنده هو أن يُرضي هوسه الجنوني ويُشبع نفاقه الديني والأخلاقي لاحتلال المزيد من الدول.
لكن بنفس الوقت التاريخ يعلمنا ويخبرنا بأنه لا السلطان سليم الأول ولا القرصان بربروس استمرا في سلطتهما واستبدادهما مهما فعلوا وقتلوا وأرهبوا الشعوب. بل تم طردهم شرَّ طردة حينما ثارت الشعوب عليهم وعلى نفاقهم الديني والخُلقي.
وما زال المستبدون يحلمون في بسط سلطتهم على كل ما تراه أعينهم من مدن ودول كانت يومًا ما ضحية لنزوات دينية استغلوها في التاريخ كما في الجغرافيا. لم يكن العثمانيون أبدًا وفق ما تخبرنا به صفحات التاريخ، دعاة فلسفة وعلم ورحمة وتطور بل كانوا مقاتلين متوحشين تتقطر أنيابهم دماء الشعوب، من أول خطوة خطوها في مشرقنا المتوسط وحتى وقتنا الراهن فيما يحلم به أحفادهم من المعربدين المنافقين.
أردوغان ليس أولهم من استثمر بالدين ويعلن عن خلافته العثمانية من جديد وبعد القرن تقريبا من وأد آخر جين عثماني كلف العالم للتخلص من ملايين الضحايا والقرابين وإشعال النيران في أكثر من منطقة. 
اشتعل مشرق المتوسط قبل مائة عام للتخلص من فيروس استوطن جسد شعوب المنطقة لمدة تقارب الستة قرون، وها هي نفس المنطقة تشتعل ثانية لتتخلص من بقايا ما تبقى من الجينات العثمانية التي بدأت الحياة تدب بها من جديد على هيئة شخص اسمه أردوغان.
أردوغان الجاهل بالتاريخ والجغرافيا يعمل على إعادة إحياء الماضي في أذهان أشباه البشر ممن يبحثون عن ذاتهم بين ما تبقى من نشارة خشب خوازيق السلاطين العثمانيين. وصفوا أنفسهم بالمعارضة ذات يومًا بأنهم من يمثلون الشعب السورى. إلا أن حقيقتهم تكشفت منذ أوائل أيام الثورة حينما ارتمى قياديهم في أحضان أردوغان ومقاتليهم انبطحوا أمام ظله، ليكونوا بذلك أنجس وأبشع معارضة.
أردوغان التاجر البارع الذي عرف كيف يشتري عبيد المعارضة ويحولها لمرتزقة تخدم أجنداته، يحاول الآن الاستثمار بهم في جغرافيا بعيدة آلاف الكيلومترات لإشباع نزواته العثمانية حتى وإن كانت في الشمال الأفريقي، بعدما عاث فسادًا في الشمال السوري والعراقي.
كما الشعب السوري الحر كذلك كلي يقين وثقة بأن الشعب الليبي لن يسمح للقرصان أردوغان ومرتزقته أن يهنأوا ويعربدوا على أرضهم الطاهرة التي رويت بدماء الآلاف من الشهداء.
 إنها أي ليبيا أرض عمر المختار كما هي سوريا أرض يوسف العظمة. بقي المختار والعظمة رموزا لكل من يسعى في طريق الحرية، كذلك أصبح سليم الأول وبربروس رموزًا للمستبدين والمنافقين. 
ودائمًا النصر والغلبة تكون للذين يسيرون على درب المختار والعظمة لا على من يسير على طريق بربروس وسليم.