الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

يهود مصر في التاريخ

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعتقد أنه قد آن الآوان لفتح بعض الملفات التاريخية المهملة، والتى باتت تشكل جرحًا غائرًا وورمًا خبيثًا يحتاج للاستئصال، فقد نتج عنه ترسيخ الكثير من المفاهيم الخاطئة عند معظم أبناء الشعوب العربية، وقد تسببت هذه المفاهيم في زرع شجرة الكراهية بداخل الغالبية العظمى من أبناء الوطن العربى الكبير ضد كل ما هو يهودى ودون تفريق أو تمييز بين الإسرائيلى المنتمى لدولة إسرائيل وبين اليهودى، فصارت اليهودية جنسية وليست ديانة سماوية هى الوحيدة التى يتفق عليها ويؤمن بها المسيحى والمسلم معًا، ولا شك أن وصف إسرائيل بالدولة اليهودية هو من ساهم في خلق هذا الخلط، فاليهودية دين لا قومية، ومفهوم الوطن أشمل وأعم بكثير من أن يقتصر في سكانه على من يؤمن بدين معين، وإسرائيل ذاتها تضم اليوم عربًا ومسيحيين ومسلمين، ولكن يبدو أن الخطأ التاريخى الذى وقع فيه آباء الدولة العبرية يكمن في عزمهم إنشاء دولة يهودية، وهذا ما جاء أيضا في وعد بلفور 1917 ومن هنا بات الجميع ينظرون لليهودى في أى دولة باعتباره غريبًا عنها، وعليه أن يرحل إلى وطنه الجديد.
وقد رسخت عمليات الهجرة اليهودية إلى فلسطين في مطلع القرن الماضى هذا المفهوم، وما زلت إلى اليوم أتساءل كيف لامرئ أن يتخلى عن تراثه ورفات أجداده وذكرياته ووطنه الأصلى ويذهب إلى أرض جديدة ثم يقاتل منها شركاءه في وطنه القديم وأصدقاء طفولته، وبغض النظر عن التفاصيل التاريخية وما حدث وقتها، وبغض النظر أيضا عن الأفكار التى روجت لها الوكالات اليهودية لدعم فكرة الهجرة فإننا لسنا بصدد مناقشة هذا الأمر في هذه السلسلة من المقالات التى نبدؤها اليوم ولكننا نريد توضيح الدور المجتمعى الكبير الذى لعبه يهود مصر عبر العصور المختلفة وكيف كانوا يعيشون في نسيج واحد مع المصريين، ونحن إنما نفعل ذلك لأمرين.. الأول: دحض فكرة أن اليهود كانوا يعانون اضطهادًا في مصر وهذا هو الذى اضطرهم إلى الرحيل بعد إعلان دولة إسرائيل، والثانى هو التأكيد على أن نظرة المصرى لليهودى واندماجهما داخل المجتمع اختلفت تمامًا بعد إعلان دولة إسرائيل وبعد الحروب التى حدثت بين الطرفين. 
ورغم مرور أكثر من أربعين عامًا على توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فإن الصورة ما زالت قاتمة ولم تتغير بعد، وإذا كانت إسرائيل ترغب في تغيير هذه الصورة فعليها أن تعيد النظر في الكثير من سياساتها.. وأما نحن كمصريين فعلينا أن نستقرأ التاريخ لنعرف الدور المجتمعى الحضارى الذى قام به يهود مصر منذ قدومهم الأول على عهد نبى الله يوسف وحتى رحيلهم عقب إعلان دولة إسرائيل.. وذلك بغية العودة إلى التفريق بين اليهودى وبين المنتمى إلى دولة إسرائيل، فأرتكاريا مصافحة اليهودى التى تصيب أحدنا عندما يسافر إلى الخارج ويلتقى شخصا ويعلم أنه يهودى هولندى مثلا أو إنجليزي يجب أن تزول من داخلنا، وبادئ ذى بدء فإن هناك ثلاث تسميات مترادفات المعنى وهى إسرائيل واليهود والعبريون..أما إسرائيل فهو اسم نبى الله يعقوب والذى يعنى حرفيًا «عبدالله» وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في كثير من الآيات للدلالة على يعقوب عليه السلام، وأما لفظ اليهود فيدل على أبناء «يهودا» وهو أحد أبناء يعقوب ــ هذا في قول ــ وفى قول آخر أن اسم اليهود اشتق من اسم الله عندهم وهو «ياهو» وأما العبرى أو العبرانى فهى التسمية التى أطلقت عليهم بعدما عبروا نهر الأردن وسكنوا أطراف مملكة كنعان القديمة هربًا من جدب الحياة في كلدان الوطن الأول لنبى الله إبراهيم، وأول ما نسمع عن اليهود في التاريخ يرجع إلى أبى الأنبياء إبراهيم الذى ظهر مع قومه في القرن السابع عشر قبل الميلاد كجماعة من الرعاة الرحل وذلك على مشارف وتخوم جنوب العراق في مملكة قائمة آنذاك اسمها كلدان، وقد قام إبراهيم عليه السلام وقومه بالهجرة من كلدان إلى كنعان فعبروا نهر الأردن ولذا فقد سموا بالعبرانيين، وأما كنعان فهى أرض فلسطين، وكنعان هو ابن حام بن نوح وهو أول من سكن هذه الأرض، وبعد ما يقرب من مائة وخمسين عامًا من هجرة إبراهيم وقومه إلى أرض كنعان هاجر أبناء يعقوب إلى مصر هربًا من القحط والفقر، ودخلوا مصر في ظل وجود يوسف عليه السلام وذلك حسبما ورد في القرآن الكريم ليبدأ التواجد اليهودى في مصر، وبعد نحو ثلاثمائة وخمسين عامًا على دخول أبناء يعقوب مصر ولد نبى الله موسى عليه السلام، وهو من الجيل السابع بعد إبراهيم، وقد اصطدمت دعوة موسى بفرعون أو حاكم مصر وقتها، فأدرك نبى الله موسى استحالة العيش في مصر في ظل وجود فرعون، وقد تلاحظ سيدى القارئ أننى أصر على حذف «الـ» التعريفية عن فرعون لأن الكثير من الدراسات تؤكد أن فرعون هو اسم علم (شخص) وليس اسم منصب، وهو لم يذكر في القرآن الكريم معرفًا، مما يدل على كونه اسم شخص بعينه، وعلى كل حال فقد خرج موسى وقومه من مصر هربًا من اضطهاد فرعون ورفضه لهذه الدعوة الجديدة.. وللحديث بقية.