الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الاستجداء الأوروبي.. والدكتاتور التركي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تسارع كبير لوتيرة الأحداث اليومية وتطورات تحدث كل لحظة، وأبعاد جديدة لطبيعة التحالفات الدولية ربما تخرج من رحم الصراع في ليبيا في المرحلة المقبلة، في ظل حالة من الارتباك سادت المشهد العالمى، منذ الاتفاقية غير الشرعية التى أبرمها الديكتاتور التركى رجب طيب أردوغان، مع رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، لتعزيز التعاون العسكرى، والاقتصادى، ربما تبدو بوضوح في مواقف القوى الدولية تجاه المستجدات الأخيرة، والتى تبدو مختلفة جذريا عن التعامل مع الأزمة السورية، والتى تسعى أنقرة إلى نقلها للأراضى الليبية، لا سيما بعد موافقة البرلمان التركى على إرسال قوات إلى ليبيا، لتكرار المأساة التى عاشها السوريون لسنوات طويلة، منذ اندلاع ما يسمى بـ«الربيع العربى».
فإذا راجعنا المواقف الدولية من الأزمة السورية، والتى تتشابه في معطياتها مع الوضع الراهن في ليبيا، نجد أن ثمة حالة من المهادنة تجاه الميليشيات المسلحة، في إطار التوجه الدولى لتقسيم المنطقة، عبر إثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار في المنطقة، بينما تبقى المواقف معاكسة إلى حد كبير حول الأزمة الليبية الراهنة، حيث يتجلى على السطح حالة من الامتعاض الأوروبى جراء خطورة التدخل التركى، في حين تبقى موسكو ثابتة على موقفها الداعم للجيش الوطنى الليبى، في الوقت الذى يبقى فيه الموقف الأمريكى، وإن كان أكثر فتورا بالمقارنة من الموقف الحاسم الذى تبناه الرئيس دونالد ترامب تجاه العدوان التركى على منطقة الشمال السورى، رافضا للتدخل الخارجى في الشئون الليبية.
فعندما قررت موسكو الدخول بقواتها العسكرية إلى الأراضى السورية، كان التحرك يحظى بقدر كبير من الشرعية الدولية، رغم اعتراض الولايات المتحدة، ومن ورائها دول المعسكر الغربى، حيث كانت الخطوة التى اتخذها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بناء على طلب من النظام الشرعى في دمشق، وهو الأمر الذى يكفله القانون الدولى، حيث يبقى التدخل الخارجى في الشئون الداخلية لأى دولة شرعيا إذا جاء بناء على طلب من النظام الشرعى الحاكم، وهو الأمر الذى ربما تسعى تركيا إلى تكراره في ليبيا، ولكن مع اختلاف المعطيات والأهداف.
والمحاولة التركية لاستنساخ النموذج الروسى تجلت بوضوح فيما تم الإعلان عنه مؤخرا، حول طلب حكومة الوفاق الليبية بقيادة فايز السراج، لأنقرة بالتدخل عسكريا في ليبيا، وهو الأمر الذى جاء بأوامر صريحة من أردوغان، والذى وقع اتفاقا غير شرعى مع السراج منفردًا، يتضمن تعاونا أمنيا واقتصاديا، حيث إن حكومة السراج ليست مخولة لتوقيع الاتفاقات الدولية، لأن البرلمان هو صاحب الحق الأصيل في ذلك، وذلك طبقا لاتفاق الصخيرات.
فهنا صفة الشرعية تنتفى عن أى تحرك تركى عسكرى على الأراضى الليبية، على اعتبار أن «ما بنى على باطل فهو باطل»، بالإضافة إلى عدم شرعية النوايا التركية، والتى تقوم على دعم الميليشيات المتطرفة، وهو ما يساهم ليس فقط في زعزعة واستقرار الداخل الليبى، أو حتى النطاق الإقليمى، وإنما يمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، والذى يمثل الأساس الذى نشأت الأمم المتحدة من أجل تحقيقه، في أواخر الأربعينيات من القرن الماضى، حيث سيمتد الخطر الناجم عن مثل هذه الخطوة، إلى دول أوروبا الغربية من خلال تدفق اللاجئين، بينما سوف تتسلل بينهم عناصر إرهابية، تهدف إلى ضرب العمق الأوروبى، في تكرار للمشهد المأساوى الذى سبق وأن خلفته الأزمة السورية، عبر تأجيج حربا أهلية، ستأكل الأخضر واليابس في الداخل، بينما تنتقل تداعياتها إلى العالم بأسره.
وهنا محاولة أردوغان لاستنساخ الدور الروسى في سوريا، سوف تحول المشهد الليبى إلى مأساة جديدة على غرار المشهد السورى، وهو ما يضع الديكتاتور الطامح للخلافة المزعومة، في مأزق جديد، حيث إن المشهد الدولى تجاه ليبيا لا يبدو منقسما على غرار ما كان عليه الوضع إبان القرار الروسى بالتدخل في سوريا، حيث كافة القوى الدولية المؤثرة رافضة تماما لهذا التحرك، وعلى رأسها الولايات المتحدة، والذى أعرب رئيسها ترامب، في اتصاله الهاتفى بالرئيس السيسي، عن رفضه لأى دور خارجى في ليبيا، وكذلك الاتحاد الأوروبى، والذى يجد نفسه مهددا جراء خطوة أنقرة المحتملة، بينما تبقى روسيا أكثر الدول المناوئة للدور التركى في ليبيا، حفاظا على مكتسباتها التى حققتها في سوريا، وعلى رأسها القضاء على تنظيم داعش الإرهابى.
ويبدو أن الدور التركى أصبح مكشوفا للعالم بأسره، بينما تصبح خطواته المتواترة كاشفة إلى حد كبير لانعزاله، فأصبح مجردا من الحلفاء، في الوقت الذى صار فيه دمية بيد القوى الدولية الكبرى، تحركه كيفما شاءت، وهو ما بدا بوضوح في تقييد تحركاته في سوريا، في أعقاب العدوان الهمجى الذى شنته قواته، عبر تنسيق غير مسبوق بين واشنطن وموسكو، حيث نجحت الأولى في منعه من مواصلة انتهاكاته، عبر التلويح بعصا العقوبات، بينما تمكنت الأخيرة من السيطرة الكاملة على منطقة الشمال السورى، عبر الاتفاق الذى نجح فيه قيصر روسيا في إرغام الخليفة المزعوم على القبول به في سوتشى.
ومن الواضح أن اختلاف المواقف ليس المفارقة الوحيدة التى يمكن ملاحظتها تجاه التطورات على الساحة الليبية، ولكن تبقى الملاحظة الأبرز في تغير توجهات الدول في التعامل مع الأزمة، حيث أصبحت روسيا بمثابة فرس الرهان لأوروبا لدعمها في دحض التهديدات التى يمثلها الدخول التركى المشبوه على خط الأزمة الليبية، بعدما كانت ترى الولايات المتحدة هى الداعم الرئيسى لها في مجابهة كافة التهديدات التى تواجه القارة العجوز، منذ عقود طويلة من الزمن، وهو ما يرجع في جزء منه للموقف الأمريكى الذى يبدو فاترا إلى حد كبير.
ولعل الاتصال الهاتفى الذى أجرته المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والتى تمثل أحد أكبر دعاة أوروبا الموحدة، بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين، لمناقشة المستجدات على الساحة الليبية، بمثابة استجداء أوروبى لموسكو، لإنقاذ ليبيا ومن خلفها أوروبا الغربية، في ظل موقف أمريكى تراه أوروبا يحمل قدرا كبيرا من التخلى، عبر التلويح بالورقة التركية، لمقايضة دول القارة العجوز وإجبارها على الدوران في فلك واشنطن، خاصة وأن الدور المشبوه لأنقرة يضع الحكومات الليبرالية في القارة العجوز أمام أزمة أمنية واقتصادية جديدة، في إطار التدفق المتوقع لموجات جديدة من اللاجئين، ربما يتسلل بينهم إرهابيون، إلى الدول الأوروبية، وهو ما يعد بمثابة القشة التى قد تقصم ظهورهم في المستقبل القريب.
الاستجداء الأوروبى لروسيا في الأزمة الليبية الراهنة، يمثل اعترافا أوروبيا بصعود روسيا، وقدرتها على مناطحة الولايات المتحدة على عرش النظام الدولى، استلهاما للنجاح الروسى المنقطع النظير في فرض كلمتها على الجميع في سوريا، واستئثارها بالنفوذ هناك، كما أنه يمثل اعترافا ضمنيا بأخطاء الماضى القريب، في ظل الدعم غير المشروط، الذى قدمته دول أوروبا الغربية لواشنطن لعقود، وهو ما ينبئ عن تغيير كبير في موازين القوى الدولية في إطار النظام العالمى الذى يتشكل في اللحظة الراهنة.