الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

بعد سنوات من الحرب عليها.. هل أصبحت "الشباب الصومالية" أخطر جماعة إرهابية بشرق أفريقيا؟

حركة الشباب الصومالية
حركة الشباب الصومالية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
استيقظ سكان العاصمة الصومالية مقديشيو قبل يومين على وقع تفجير هائل في تقاطع طرق مكتظ بالمارة وسط العاصمة، ليتبين أنه هجوم إرهابي تم بتفجير شاحنة مفخخة.. وأسفر هذا الهجوم الدامي، الذي حمل بصمات حركة "الشباب" الصومالية الإرهابية، عن مقتل 100 شخص على الأقل، بالإضافة إلى عشرات المصابين.
وقد تزامن هذا الهجوم مع إعلان حركة "الشباب" مسئوليتها عن اغتيال ضابط في الجيش الصومالي إثر إطلاق النار عليه بإحدى ضواحي مقديشيو.
وتفجير مقديشيو الدامي جاء بعد أقل من أسبوع على هجوم شنته عناصر تابعة لحركة "الشباب" يوم السبت 21 ديسمبر الحالي ضد قائد القوات البرية الصومالية، وأدوى بحياة 8 جنود صوماليين.. وقد وقع هذا الهجوم أيضا بواسطة سيارة مفخخة انفجرت خارج أحد الفنادق بمقديشيو، حيث كان قائد القوات البرية الصومالية البريجدير جنرال عبد الحميد محمد ديرير يعقد اجتماعا مع عدد من المسئولين.
وقبلها بأيام، وفي 11 ديسمبر الحالي قُتل 6 أشخاص في هجوم إرهابي شنه مقاتلو الحركة ضد قاعدة للجيش الصومالي على بعد 25 كيلومترا إلى الشمال من العاصمة مقديشيو.. وفي 6 ديسمبر أيضا شن مسلحون تابعون للحركة هجوما استهدف حافلة ركاب في منطقة محاذية للحدود بين الصومال وكينيا، مما أسفرعن مقتل 8 اشخاص من بينهم ضابط بالشرطة الكينية وفقا للسلطات في كينيا.. وقد تبنت حركة الشباب هذا الهجوم الذي قالت إنه استهدف "عملاء سريون للأمن وموظفون بالحكومة".
هذا التصاعد اللافت في عدد ونوعية الهجمات الإرهابية التي نفذتها حركة "الشباب" الصومالية خلال الأسابيع الأخيرة، أعاد تسليط الضوء على الخطر الذي لاتزال تشكله هذه الحركة، التي يرى محللون أمنيون أنها باتت واحدة من أخطر الجماعات الإرهابية في شرق أفريقيا، وذلك بعد سنوات من الحرب ضدها، والتي تشارك فيها أطراف محلية وإقليمية ودولية.
كما يطرح تكثيف حركة "الشباب" لنشاطها الإرهابي في هذا التوقيت تساؤلات عديدة عن أسباب ودوافع ذلك، ومستقبل هذه الحركة وأنشطتها، وانعكاسات ذلك على مستقبل الوضع الأمني والسياسي في الصومال، وفي منطقة القرن الأفريقي.
ويحمل هذا النشاط المتزايد لحركة "الشباب" الصومالية -وفقا للمحللين- الكثير من الرسائل والدلالات، أهمها أن مركز الحرب العالمية على الإرهاب قد تحول بالفعل إلى القارة الأفريقية، وأن منطقة القرن الأفريقي باتت تشكل الخاصرة الرخوة للقارة، والتي قد تستغلها الجماعات الإرهابية لشن مزيد من الهجمات الإرهابية.
ويرى مراقبون ومحللون أن هذا التصاعد الخطير في الهجمات الإرهابية من جانب حركة "الشباب" خلال الأونة الأخيرة، والتي لم تقتصر على الأراضي الصومالية بل امتدت لبعض الدول المجاورة، يجعل هذه الحركة واحدة من أكثر الحركات الإرهابية نشاطا وخطورة حاليا، خصوصا بعد تراجع نشاط الحركات والجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان.
وترتبط حركة "الشباب" بتنظيم "القاعدة" الإرهابي، فرغم الصعود القوي لتنظيم "داعش" الإرهابي خلال السنوات الأخيرة، ومبايعته من جانب جماعات إرهابية عديدة في أفريقيا على غرار جماعة "بوكو حرام" النيجيرية، فإن حركة "الشباب" لا تزال متمسكة بتبعيتها للقاعدة.
وتخوض حركة "الشباب" منذ سنوات حربا دامية ضد الحكومة الصومالية من خلال تنفيذ العديد من الهجمات على مواقع للجيش والقوات الحكومية، فضلا عن التفجيرات التي تستهدف مناطق ومواقع في العاصمة مقديشيو، فقد استهدف أكثر من نصف هجماتها خلال العام الماضي 2018، مواقع ترمز لسيادة الدولة الصومالية، كالوزارات والجيش والشرطة، في محاولة - كما يرى المراقبون- لزعزعة ثقة الصوماليين في دولتهم التي تعاني من أزمات خانقة، وإثارة الرعب في صفوف جنود الجيش وعناصر الشرطة.
وكانت حركة "الشباب" قد تأسست عام 2006 بصفتها "الذراع العسكرية" لاتحاد المحاكم الإسلامية، وهو الاتحاد الذي كان يسيطر على العاصمة الصومالية مقديشيو آنذاك، ويحاول فرض تطبيق فهم متشدد للشريعة.. وقد نجحت الحركة الشابة في تحقيق انتصارات على الأرض، لكنها سرعان ما تكبدت خسائر بعد التدخل العسكري لأثيوبيا في الصومال وبدعم من قوات الاتحاد الأفريقي التي استعادت السيطرة على العاصمة مقديشيو عام 2008.
ومنذ ذلك التاريخ، تخوض القوات الحكومية الصومالية مدعومة من قوات الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة وأطراف إقليمية ودولية أخرى، حربا متواصلة للقضاء على خطر حركة الشباب على استقرار وأمن الصومال، وقد نجحت هذه الأطراف في طرد الحركة من العاصمة عام 2011.
وبحلول عام 2016، خسرت الحركة العديد من الأقاليم والمناطق التي كانت تحت سيطرتها، كما منيت بخسائر فادحة في صفوف مقاتليها، وفقدت الكثير من الدعم الشعبي بسبب استهدافها للمدنيين، بينما تزايدت الخلافات والانشقاقات في داخلها.
وخلال السنوات الأخيرة وحتى الآن، شكلت الغارات الجوية التي تشنها الطائرات الأمريكية على مواقع وقيادات حركة "الشباب" الصومالية، رأس حربة في المواجهة مع هذه الحركة الإرهابية.. فقد شنت الطائرات الأمريكية عشرات الغارات الجوية ضد مقاتلي الحركة منذ أوائل عام 2017.
كما تضاعف النشاط العسكري الأمريكي في الصومال عدة مرات منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى الحكم، حيث أعلنت إدارته أن جنوب الصومال "منطقة عمليات عدائية فعلية".. ولم تعد الضربات الجوية الأمريكية تقتصر على استهداف كبار قادة حركة "الشباب"، وإنما أصبحت تستهدف أي مقاتل من الحركة، ما ضاعف من عدد القتلى.. فوفقا لوثيقة رسمية أمريكية نُشرت في شهر مارس الماضي، تمكن الجيش الأمريكي باستخدام القصف الجوي من القضاء على 800 إرهابي من عناصر الحركة، وذلك منذ يونيو 2017.
ويشكل هذا الرقم -كما تقول الوثيقة- ضعف ما قتله الجيش الأمريكي في الصومال طوال ولايتي الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما من 2009 وحتى 2017، إلا أن كل ذلك لم ينه التهديد الذي تشكله الحركة، والتي نجحت -رغم كل هذه الضربات- خلال العامين الأخيرين في استعادة جزء كبير من قوتها وتكثيف عملياتها الإرهابية في مقديشيو وخارجها، بل امتدت عملياتها إلى كينيا المجاورة، والتي تشارك بقوات ضمن قوات الاتحاد الأفريقي في الصومال.
كما احتفظت الحركة بالسيطرة على نحو خمس مساحة البلاد، وهي في أغلبها مناطق ريفية، ويقدر عدد مقاتلي الحركة حاليا ما بين 3 و9 آلاف مقاتل، من ضمنهم نحو ألف مقاتل أجنبي، وفقا لتقديرات وزارة الدفاع الأمريكية.
ويقول خبراء ومحللون سياسيون وأمنيون إن حركة الشباب استفادت من حالة الضعف التي يعاني منها الجيش الصومالي، لاستعادة السيطرة على بعض المناطق التي كانت قد خسرتها قرب العاصمة مقديشيو، وذلك بعد أن انسحبت منها قوات من الجيش الصومالي، يرفض جنودها البقاء في مراكزهم بسبب تأخر رواتبهم لعدة أشهر، ما تستغله الحركة الإرهابية لصالحها من أجل تحقيق مكاسب وانتصارات على الأرض، والتطلع نحو استعادة السيطرة على العاصمة مقديشيو.
كما تستغل الحركة الإرهابية حالة التجاذب والخلاف السياسي التي تشهدها الصومال، في ظل توتر العلاقة بين الحكومة الفيدرالية في مقديشيو والولايات الإقليمية، وهو ما شكل عقبة أمام تعزيز التنسيق لمحاربة الإرهاب في الصومال، وهذا ما استغلته حركة "الشباب" للتمدد مجددا.
وهناك عامل آخر مهم يفسر الصعود اللافت في قوة حركة "الشباب" الصومالية خلال العام الحالي تحديدا، وهو ما يرجعه محللون إلى الخسائر الكبيرة التي تكبدتها الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، والتي أدت إلى فرار آلاف المقاتلين الأجانب، حيث تشير التقارير إلى أن أغلب هولاء المقاتلين توجه نحو القارة الأفريقية، وهو ما استفادت منه حركة "الشباب" الصومالية.
وفي تقرير صدر في نهاية شهر نوفمبر الماضي، اعتبرت الأمم المتحدة أن حركة "الشباب" الصومالية لا تزال أكبر تهديد مباشر للسلام والأمن في الصومال خصوصاً، ومنطقة القرن الأفريقي بشكل عام.
وأشار التقرير، الذي صدر بالتعاون مع مجلس الأمن الدولي وأعدته مجموعة من الخبراء، إلى أنه في الفترة من يوليو 2018 وحتى يوليو 2019 نفذت حركة "الشباب" 548 هجوما بالعبوات الناسفة في الصومال بزيادة 39 في المائة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام السابق.
وفي ضوء ذلك، فإن حركة "الشباب المجاهدين" الصومالية لا تزال تشكل تهديدا كبيرا لأمن واستقرار الصومال ومنطقة القرن الأفريقي ككل، وهو تهديد سيبقى قائما لفترة، لاسيما في ظل ضعف الأجهزة الأمنية الصومالية، وغياب استراتيجية متماسكة لدى تلك الأجهزة في حربها ضد الحركة، فضلا عن ضعف تنسيق الجهود الإقليمية والدولية في مواجهة الإرهاب في الصومال.