الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

تقرير معهد السلام الأمريكي: إطلاق سراح المتطرفين المسجونين ينذر بعودة النشاط الإرهابي بقوة.. انخفاض إجمالي عدد الوفيات الناجمة عن الإرهاب للعام الرابع على التوالي.. وتحسن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عقب انتهاء الحرب الباردة، أبدى الباحثون اهتمامًا بالتهديدات الصادرة عن فاعلين من غير الدول كالجماعات والمنظمات وغيرها. وكان الإرهاب من بين التهديدات وخاصة عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث بدأت عدة مؤسسات بحثية ترصد هذه الظاهرة من حيث انتشارها وآثارها ونتائجها ومن بينها معهد الاقتصاد والسلام الأمريكى الذى يصدر سنويًا تقريرًا بعنوان «مؤشر الإرهاب العالمي». وفيما يلى عرض لأبرز النتائج التى خلص إليها تقرير عام 2019 ودلالاتها.


النتائج:
أكد التقرير انخفاض إجمالى عدد الوفيات الناجمة عن الإرهاب للعام الرابع على التوالى في عام ٢٠١٨، وأشار إلى أنه قد انخفض عدد الوفيات الآن بنسبة ٥٢ في المائة منذ عام ٢٠١٤، حيث انخفض من ٣٣٥٥٥ إلى ١٥،٩٥٢. وانخفض إجمالى عدد الوفيات بأكثر من ١٥ في المائة في عام ٢٠١٨، مع حدوث أكبر عدد من الانخفاضات في العراق والصومال على خلفية هزيمة داعش في العراق. كما انخفض معدل الوفيات في أوروبا بنسبة ٧٠ ٪. كما سجلت أوروبا الغربية أدنى عدد من الحوادث منذ عام ٢٠١٢. وانعكس انخفاض عدد الوفيات أيضًا في نتائج الدولة المهددة بالإرهاب، حيث تحسنت ٩٨ دولة هذا هو أكبر عدد من البلدان التى سجلت تحسنًا منذ عام ٢٠٠٤. 
وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من انخفاض إجمالى عدد الوفيات الناجمة عن الإرهاب، فإن تأثير الإرهاب لا يزال واسع الانتشار: ففى عام ٢٠١٨، سجلت ١٠٣ دول حادثة إرهابية واحدة على الأقل في عام ٢٠١٨، وشهدت ٧١ دولة حالة وفاة واحدة على الأقل من جراء الإرهاب، وهو ثانى أكبر عدد من الدول التى سجلت حالة وفاة واحدة أو أكثر في السنوات العشرين الماضية؛ ففى عام ٢٠٠٤، سجلت ٣٩ دولة فقط حدثًا مقارنة بـ ٦٠ دولة في عام ٢٠١٢ و٧٩ دولة في عام ٢٠١٦. واعتبارًا من عام ٢٠١٧، سجلت ٦٩ دولة وفاة واحدة على الأقل. هذا يعنى أن الإرهاب ما زال يمثل تهديدًا أمنيًا عالميًا يمكن أن يفاقم الشعور بعدم الأمان والقلق حتى لو كان الخطر ضئيلًا إلى حد كبير.
ولفت التقرير إلى حدوث تحسن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتدهور في أمريكا الجنوبية تليها أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي، فقد سجلت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أقل درجة خلال الستة عشر عامًا الماضية حيث تم تسجيل ٢١٢ حالة وفاة منذ عام ٢٠٠٢، مع وجود ٢٨ حالة وفاة في عام ٢٠١٨. ورغم تحسن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمقارنة بالأعوام الماضية إلا أنهما سجلتنا أكبر عدد في الوفيات لعام ٢٠١٨ بالمقارنة مع باقى المناطق حيث بلغ عدد الوفيات أكثر من ٩٣،٧٠٠، في حين سجلت جنوب آسيا نحو ٦٧٥٠٠، مع حدوث ٤٥٠٠٠ آخر في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والتى كان الدافع الرئيسى لزيادة الإرهاب في فيها هو ارتفاع النشاط الإرهابى في نيجيريا، والذى يعزى إلى المتطرفين الفولاني. كما أصبحت طالبان الآن أكثر الجماعات الإرهابية دموية في العالم حيث ارتفع عدد الوفيات المنسوبة إلى طالبان بنسبة ٧١ ٪ وهى ما يمثل ٣٨٪ من جميع الوفيات على مستوى العالم. في المقابل، انخفض عدد الوفيات المنسوبة إلى تنظيم داعش على مستوى العالم بنسبة ٧٠ ٪، حيث انخفض من ٤٣٥٠ في عام ٢٠١٧ إلى ٣٢٨١ في عام ٢٠١٨. ومع ذلك، سجلت بعض الجماعات التابعة لداعش مستويات متزايدة من النشاط الإرهابي. كان فرع خراسان لداعش رابع أكثر الجماعات الإرهابية فتكًا في عام ٢٠١٨، حيث تسبب في مقتل أكثر من ألف شخص كان معظمهم من أفغانستان. 
وفى المقابل حلت أفغانستان محل العراق كبلد من أكثر الدول تأثرًا بالإرهاب، حيث سجلت زيادة بنسبة ٥٩ ٪ في وفيات الإرهاب (٧٣٧٩ شخصا) في عام ٢٠١٨. وتتماشى هذه الزيادة مع ازدياد حدة الحرب الأهلية. وهناك زيادة في الإرهاب اليمينى المتطرف في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية وأوقيانوسيا للسنة الخامسة على التوالي. فقد تأثرت ١٩ دولة في تلك المناطق بالهجمات في هذه الفترة. على الرغم من أن العدد المطلق لهجمات اليمين المتطرف لا يزال منخفضًا مقارنةً بأشكال الإرهاب الأخرى إلا أن تلك الهجمات زادت بنسبة ٣٢٠ في المائة بين عامى ٢٠١٤ و٢٠١٨. واستمر هذا الاتجاه في عام ٢٠١٩، مع وجود ٧٧ حالة وفاة تُعزى إلى إرهاب اليمين المتطرف منذ بداية العام حتى نهاية سبتمبر. كما زاد عدد الاعتقالات المرتبطة بالإرهاب اليمينى في أوروبا في عام ٢٠١٩ للسنة الثالثة على التوالي.

عن التأثير الاقتصادى العالمى للإرهاب ذكر التقرير «كان التأثير الاقتصادى العالمى للإرهاب ٣٣ مليار دولار أمريكى في عام ٢٠١٨؛ انخفاض كبير بنسبة ٣٨ ٪ عن العام السابق مقارنةً بأشكال العنف الأخرى مثل القتل والنزاعات المسلحة والنفقات العسكرية، فقد مثل الإرهاب نسبة مئوية صغيرة من التكلفة الإجمالية للعنف التى بلغت ١٤.١ تريليون دولار في عام ٢٠١٨. 
كما أن ميل النزاعات المسلحة ذات المستويات المرتفعة من الإرهاب إلى الاستمرار لفترة أطول وتكون أكثر فتكًا حيث خلص التقرير إلى أن النزاعات التى كان أحد أطرافها مجموعة إرهابية منذ البداية، كان متوسط طول النزاع ٣٣ عامًا، في حين أن النزاعات التى لم يبدأ المتمردون فيها كإرهابيين كان متوسط طولها ١٧ عامًا.
أما عن زيادة مشاركة الإناث في التنظيمات الإرهابية لفت التقرير إلى أنه بين عامى ١٩٨٥ و٢٠١٨، كان هناك ٣٠٠ هجوم انتحارى تضمن امرأة واحدة على الأقل نجم عنها مقتل أكثر من ٣٠٠٠ شخص. وقد ارتفعت معدلات مشاركتهن على مدى السنوات الخمس الماضية، حيث ارتفع عدد الهجمات الانتحارية الإناث بنسبة ٤٥٠٪ بين عامى ٢٠١٣ و٢٠١٨. وعلى النقيض من ذلك، انخفضت الهجمات الانتحارية من الذكور بنسبة ٤٧٪ خلال نفس الفترة. ربما تعزى هذه الزيادة إلى عدم اكتشاف المهاجمات الانتحاريات من قبل قوات الأمن بسهولة مقارنة بالمهاجمين الانتحاريين الذكور ومثال على ذلك أن ما يقرب ٨٠٪ من هجمات بوكو حرام في السنوات الخمس الأخيرة نفذتها إناث.


الدلالات
رصد التقرير نجاح الجهود الدولية في جعل الموجة الرابعة من العنف الإرهابى الأقل من حيث عدد الضحايا، مشيرا إلى أنه حدثت أربع موجات من العنف الإرهابى منذ ١١ سبتمبر ٢٠٠١، شهدت الموجة الأولى التى تمتد من ٢٠٠٢ إلى ٢٠٠٧ زيادة في عدد الحوادث والوفيات، بينما تضمنت الموجة الثانية انخفاضًا طفيفًا في الفترة من ٢٠٠٧ إلى ٢٠١١ تلاها ارتفاعًا هائلًا في عدد أعمال العنف والوفيات الناجمة عنها في الموجة الثالثة (٢٠١٢-٢٠١٤) بسبب ظهور عدة جماعات إرهابية مثل داعش وشباب المجاهدين، وكذلك اندلاع الربيع العربى والموجة الرابعة في الفترة من ٢٠١٤ وحتى منتصف ٢٠١٩ شهدت انخفاضًا حادًا في الحوادث والإصابات. يرجع هذا الانخفاض إلى عدة عوامل منها الهجمات التى تعرضت لها داعش، تعزيز الأمم المتحدة والعديد من الحكومات أنشطتها في مجال مكافحة الإرهاب، بما في ذلك المنتدى العالمى للإنترنت لمكافحة الإرهاب (GITFCT) ومبادرات مكافحة الإرهاب التى تضم أكثر من ١٠٠ شركة تقنية. وربما تكون الاستثمارات الضخمة في مكافحة الإرهاب والشرطة والاستخبارات قد أسهمت في تعطيل الشبكات الإرهابية والمؤامرات في مناطق عدة مثل أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية.
وعن ظهور تهديدات إرهابية جديدة لفت التقرير إلى أنه رغم تراجع تأثير الجماعات الحالية مثل داعش وبوكوحرام تشمل المقاتلين الأجانب والمسلحين الذين يغيرون تركيزهم من الشرق الأوسط وأوراسيا في أعقاب الخسائر المادية الأخيرة التى لحقت بداعش في سوريا والعراق، كما أنه سيتم إطلاق سراح العديد من المقاتلين الأجانب والدعاة الإرهابيين المسجونين على مدى السنوات العشر إلى العشرين الماضية قريبًا (خاصة في أوروبا)، مما يثير مخاوف جديدة. يُضاف لذلك تنامى النشاط الإرهابى في مناطق جديدة مثل جنوب وجنوب شرق آسيا، ولا سيما الهند وميانمار والفلبين وسيريلانكا وتايلاند. يضاف لذلك ظهور الإرهابى الفرد الذى لا يكون عضوًا بجماعة إرهابية معينة فقد نفذ ما يقرب من ٦٠ ٪ من الهجمات اليمينية المتطرفة من ١٩٧٠ إلى ٢٠١٨ من قبل أفراد غير منتسبين، مقارنة بأقل من ١٠ ٪ لكل من الجماعات الإرهابية اليسارية المتطرفة والانفصالية، مشيرا إلى أنه لا يزال هناك عدد كبير من الحوادث والإصابات الإرهابية في عدد صغير من البلدان ويرتكبها عدد محدود من الجماعات، حيث تحدث الغالبية العظمى من الأحداث والوفيات في عدد صغير من البلدان أبرزها العراق وأفغانستان وسوريا والصومال وباكستان وأوكرانيا ونيجيريا وبدرجة أقل مصر واليمن والهند والفلبين وميانمار مسئول عن العمليات بها خمس مجموعات فقط من داعش وطالبان والشباب وبوكو حرام وجمهورية دونيتسك الشعبية وهو ما يدعو للقلق حيث إن هذه الجماعات محدودة العدد يمكن أن تزداد خطورتها وآثارها المدمرة باستخدامها وسائل متطورة والتى بدأت بالفعل في استخدامها كونها تجعل قدرتها على التأثير أكبر رغم صغر عددها. فأضحت الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة وبوكو حرام، شباب المجاهدين بارعة في استخدام المنصات الرقمية لاستقطاب أعضاء جدد ونشر أفكارهم بجانب القيام بالعمليات الإرهابية.
وأوضح التقرير أن تغير الأساليب الإرهابية يزيد خطورة الظاهرة ويطيل أمدها فقد أصبح العديد من الهجمات يتميز بتطور أقل من حيث التنظيم، ولكن تأثيرها أكبر من حيث الخسائر البشرية. ففى السابق كانت تستخدم الأسلحة النارية والأسلحة الأخرى شائعة مثل الأجهزة المتفجرة المرتجلة والعبوات الناسفة، ولكن الآن يتم استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى العسكرية مثل السيارات والشاحنات الصغيرة وحتى الطائرات بدون طيار التى أضحت أكثر شيوعًا لأنها تحقق عدة مزايا أهمها صعوبة معرفة مصدر إطلاق الهجمات، وصعوبة التتبع، زيادة القدرة التدميرية، قلة التكلفة بالمقارنة بالأسلحة التقليدية. يُضاف لذلك إمكانية استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، خاصة -ولكن ليس حصريًا- من قبل الجماعات الإرهابية المدعومة من الدولة. ففى التسعينيات استخدمت القاعدة الأسلحة الكيميائية والتى استخدمتها داعش أيضًا في الفترة بين ٢٠١٥ و٢٠١٧ في سوريا والعراق.
وختامًا؛ يمكن القول إن تركيز تقرير مؤشر الإرهاب العالمى على عدد الحوادث والضحايا أمر غير كاف لتقدير انتشار الإرهاب حيث إنه يمكن أن يتسبب في إخفاء رصد مجموعة كبيرة من التهديدات الفعلية والناشئة. فمعرفة ورصد الانخفاض العالمى في المعدلات الإجمالية وفتك الحوادث الإرهابية هو أمر جيد ولكن ظهور الإرهاب اليمينى العابر للحدود وليس فقط المحلي، والإرهابى الفرد، والأجانب، وتطور الأساليب والأدوات المستخدمة هو مدعاة للقلق، ويستوجب رصدها كونها تمثل تهديدًا كبيرًا. يضاف لذلك أن اختزال ظاهرة الإرهاب في الجماعات الإرهابية فقط دون رصد إرهاب الدولة والإرهاب غير الجهادى يؤدى لتجاهل تهديداتها المحتملة.