الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

أبعاد ودلالات الفيتو الروسي على مشروع قرار مجلس الأمن بتمرير مساعدات إنسانية إلى سوريا

مجلس الأمن
مجلس الأمن
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كشف الفيتو الروسي في مجلس الأمن في العشرين من ديسمبر الحالي، بشأن مشروع قرار قدمته ألمانيا وبلجيكا والكويت بتمرير مساعدات من الأمم المتحدة عبر نقاط حدودية عراقية إلى أربعة ملايين سوري لمدة عام، عن الرغبة السورية بتغيير تلك الآلية التي تم إقرارها من جانب مجلس الأمن منذ عام 2014، وذلك لحدوث تغييرات كبيرة على الواقع وسيطرة الحكومة السورية على غالبية الأراضي السورية وتغيير موازين القوى.
وفي نفس الوقت لم تستطع روسيا الحصول على موافقة مجلس الأمن لتمديد ترخيص نقل مساعدات إنسانية إلى سوريا من نقطتين في تركيا، وأيد مشروع القرار الروسي خمسة أعضاء وعارضه ستة بينما امتنعت أربع دول عن التصويت.
ويحتاج أي مشروع قرار لموافقة تسعة أعضاء بالمجلس المؤلف من 15 دولة، فضلا عن عدم استخدام أي عضو من الدول الدائمة العضوية، وهي روسيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، حق النقض (الفيتو).
وكانت المساعدات الإنسانية الدولية المقدمة إلى سوريا تستند على قرار مجلس الأمن رقم 2165 لعام 2014، وهو قرار يضع آليات لنظام الإمداد المبسط للإمدادات الإنسانية والطبية إلى سوريا من الدول المجاورة عبر الخطوط الأمامية والمعابر الحدودية، وخصوصا عبر الحدود مع تركيا بشكل أساسي، تلك الآلية كان يتم تجديدها سنويا، ونجحت في تحقيق الكثير ووفقا للقرار الدولي كان يحق للوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وشركائها استخدام الطرق عبر خطوط المواجهة ونقاط التفتيش في معابر باب السلام وباب الهوى واليعربية والرمثا.
أبعاد ودلالات
يحمل هذا الاعتراض الروسي على القرار الإنساني لصالح سوريا الكثير من الأبعاد والدلالات، أولها: تذكير المجتمع الدولي أن سوريا 2019 باتت غير سوريا 2014 بعدما تغيرت خريطة المعادلات السياسية والواقع على الأرض، وعلى المجتمع الدولي أن يتعامل بشكل يتناسب مع الواقع الميداني الجديد في سوريا، في إشارة إلى أمرين: الأول أنه تم إضعاف وكسر شوكة «داعش» وتقويض وجوده على مساحات واسعة، الأمر الذي يقتضي تعاملا مختلفا مع الملف الإنساني ومسائل إدخال المساعدات.
أما الأمر الثاني وهو الأهم لموسكو، وهو تذكير المجتمع الدولي بالدور الروسي في دعم استقرار النظام السوري، وأن الحكومة السورية نجحت بمساعدة الروس في فرض سيطرة على مساحات شاسعة كانت مغلقة أمامها خلال السنوات الماضية، وهذا هو الواقع الجديد، الذي انتقد المندوب الروسي في مجلس الأمن "فاسيلي نيبينزيا" إمعان غالبية المجتمع الدولي في تجاهله.
وبالتالي ترى موسكو أن على المجتمع الدولي أن يؤسس لآليات جديدة في التعامل مع كل الملفات المتعلقة بسوريا، ليس فقط الملف المتعلق بالنشاط الدولي على مستوى تقديم المساعدات الإنسانية، وإنما بترتيبات إطلاق التسوية السياسية، وبالإقرار بخطوات موسكو وشركائها في "مسار آستانة"، فضلا عن المساعي التي لم تحقق آفاقا واسعة حتى الآن، في حشد التأييد الدولي اللازم لمشروعي عودة اللاجئين وإعادة الإعمار.
ثانيها: تعول موسكو على أن المجتمع الدولي سيبدأ بالبحث عن آليات جديدة للتعامل مع الملف الإنساني في سوريا، وأن الطريق لذلك لن يكون إلا عبر الخضوع للرغبة الروسية (حتى لو جزئيا ومن جانب بعض أطراف المجتمع الدولي) بفتح قنوات اتصال مباشرة، والتنسيق مع دمشق حول هذا الملف، وهذا مفاداه توقيف المجتمع الدولي أي تحرك لقوافل مساعدات إنسانية أو جهود تصب في "الملف الإنساني" بدءا من العاشر من يناير المقبل، وهو موعد انتهاء مدة صلاحية القرار رقم 2165 والذي لم يتم تجديده.
ثالثها: رغم أن موسكو كانت مستعدة للتعاطي بشكل تدريجي، مع مسألة المساعدات الإنسانية عبر طرح تصوراتها بالتعديل بتقليص عدد المعابر المفتوحة أمام المساعدات الإنسانية إلى النصف، وتقليص مدى سريان الآلية من سنة إلى ستة أشهر، لكن رفض المشروع الروسي جعلها تتخذ الموقف النهائي، لأن المساومة كانت ستعني إظهار أن روسيا ليست قادرة على الدفاع عن الخطوات التي حققتها على الأراضي السورية، ما قد ينعكس سلبا على كل المبادرات والآليات التي تطرح من جانب موسكو بشأن التسوية السياسية للأزمة السورية.
رابعها: أن عدم الرضا الروسي لا ينسحب فقط على أسلوب المجتمع الدولي بفرض قضية المساعدات الإنسانية وكأنها باتت من المسلمات الثابتة، إنما يمتد إلى الامتعاض الروسي عن آليات توزيع المساعدات الدولية، واشتكت موسكو أكثر من مرة من أنها يجب أن توجه إلى كل المناطق السورية، لذلك كان المشروع الروسي المقدم يركز على (توسيع المناطق التي تصلها المساعدات، وأن يتم تسليم المساعدات الدولية إلى الحكومة، وهي تتولى عملية توزيعها على المناطق) وذلك بهدف تضييق الخناق أكثر على إدلب والمناطق التي ما زالت خارج سيطرة النظام في سوريا.
تطورات ميدانية
جاء الفيتو الروسي متواكبا مع التطورات الميدانية على الساحة السياسية السورية، فقد حققت القوات السورية المدعومة من روسيا تقدما على الأرض بعد استئناف الهجوم قبل أسبوع تقريبا على آخر جيب للمعارضة المسلحة في إدلب، حيث فر آلاف السكان إلى مناطق على الحدود مع تركيا.
وأورد مكتب تنسيق الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة - في بيان له - أنه على ضوء "تكثيف الغارات الجوية والقصف منذ 16 ديسمبر الجاري في جنوب إدلب، فر عشرات الآلاف من المدنيين من منطقة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي باتجاه الشمال".
يشار إلى أن محافظة إدلب تؤوي مئات الألاف من الأشخاص الذين فروا من مناطقهم في سوريا عندما استعادت القوات الحكومية مساحات كبيرة من الأراضي، بعد تدخل روسيا إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد.
ولا شك أن تلك التطورات في ملف التسوية السياسية للأزمة السورية، ربما يعرقل مسيرتها، حيث أعرب موفد الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا "جير بيدرسون" عن تشاؤمه حيال جهود تعديل الدستور في سوريا، الأمر الذي يتعارض مع تصريحاته المتفائلة الشهر الماضي، وتضم لجنة مكلفة بإجراء مراجعة للدستور، تحت رعاية الأمم المتحدة نحو 150 شخصا موزعين بالتساوي بين الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني.
وأوكلت مجموعة مصغرة تضم 45 مفاوضا مهمة صياغة الدستور الجديد، لكن التطورات الميدانية على الساحة السورية وتعقيدات المواقف الدولية، تضع تحديات جسيمة أمام العملية السياسية الأوسع والتي تقترح إجراءات ملموسة مثل التقدم في إطلاق سراح المعتقلين والمختطفين وتوضيح مصير المفقودين.