الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خصوصيتنا في زمن الثورة الصناعية الرابعة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
البيانات هى أساس العالم الرقمى الذى يغمر كافة تفاصيل حياتنا اليومية، وفى عصر البيانات الكبرى Big data توظف التطبيقات الإلكترونية بياناتنا الشخصية لزيادة مواردها الإعلانية أو دراساتها التسويقية أو دراساتها البحثية المتعلقة بشبكات التواصل الاجتماعي.
ففى كثير من الأحيان نجد تنبيها من الهاتف بأن هناك تطبيقا ما يعمل فى الخلفية ويقوم بفتح الكاميرا أو فتح ملفات بعينها، لكن هل حقا هناك اهتمام عربى بالحفاظ على الخصوصية؟ الآن نحن نقع تحت سيطرة تقنيات التعرف على الوجوه والملامح وتهمين على بياناتنا شركات تكنو رقمية عالمية كبرى تستأثر بحقها فى جمع بيانات أكثر من ٤ مليارات مستحدم للإنترنت، بل وتتبع مسارات الإنفاق والحياة اليومية فى سبيل مزيد من الهيمنة الاقتصادية والسياسية.
لكن الصين تضرب لنا مثالا يحتذى فى التصدى للهيمنة الرقمية، فبعد أزمة هواوى مع جوجل والصراع على الهيمنة الرقمية بين أمريكا والصين، أطلقت هواوى أول هاتف أندرويد «مايت ٣٠ برو» بدون خدمات جوجل الرقمية بدايات الشهر الجاري، بينما أقدمت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات فى الصين قبل يومين على مخاطبة أكثر من مائة شركة لإجراء تغييرات على تطبيقات البرمجيات، كجزء من حملتها لتعزيز الخصوصية. واستجاب أكثر من ٨ آلاف تطبيق لمطالبها إلى الآن. وطالبت عدد من التطبيقات بإجراء تعديلات تقنن من طلبها للبيانات الأساسية للمستخدمين بحلول ٣١ ديسمبر الحالي، أو مواجهة الملاحقة القضائية.
هناك تطور كبير فى تقنيات جمع بيانات المستخدمين والتأثير عليهم مثلما حدث فى فضيحة «كامبرديج أناليتكا» التى استجوب فيها الكونجرس مارك زوكربيرج حول استغلال بيانات ٨٧ مليون مستخدم لـ«فيسبوك» وتم تغريم الشركة ٥ مليارات دولار، ومن توابع هذه الفضيحة الحصار على الشركة والذى دفعها الخميس الماضى إنها لن تستخدم أرقام هواتف المستخدمين من أجل ميزة المصادقة الثنائية فى ميزة (الأشخاص الذين قد تعرفهم)، وذلك فى إطار عملية إصلاح واسعة النطاق لممارسات الخصوصية الخاصة بها، لكن هل حقا الشركة صادقة بعد أن سيطرت أيضا على موقع التواصل «واتس آب»؟!!
وغالبا ما تستغل جهات الأبحاث الاستخباراتية بيانات مستخدمى فيسبوك فى محاولة لجمع وتحليل بيانات بشكل غير مباشر فتجد بين الحين والآخر تطبيقا لمعرفة هيئتك بعمر محدد أو تطبيقا لمعرفة كيف تبدو فى مرحلة الشيخوخة وغيرها من التطبيقات التى تستغل البيانات البيومترية المتعلقة بملامح وبصمات الوجه والأصابع والصوت أيضا. وتقوم الكثير من التطبيقات بتحليل للسلوك الرقمى للمستخدمين وعلى أساس معالجة البيانات يتم تقديم عدة خدمات بغرض دعائى أو إعلانى يعزز ارتباطك بالتطبيق وبالتالى المزيد من الأرباح فهناك تطبيقات تتعرف على موعد استيقاظك لتبث لك إعلانا عن الشاى والقهوة أو موعد ممارسة الرياضة ليظهر لك إعلان ملابس رياضية وكل هذا عرّب البيانات التى يخزنها الهاتف الذكي.
هناك أيضا مخاطر من استخدام تطبيقات الألعاب عبر فيسبوك والتى تغريك بالتعرف على المهنة التى تناسبك، أو ما الذى ينتظرك خلال العام الجديد، وغيرها وهى تقوم عبر تحليل وجمع بياناتك وصورك وسجل تحديد المواقع عبر هاتفك بتقديم الأجوبة التى تدهشك كثيرا فى بعض الأحيان من دقتها، بل إنها فى بعض الأحيان قد تجمع بيانات المحادثات عبر تطبيق ماسنجر وهى الأخطر فى اختراق الخصوصية. الأمر لا يمس فقط الأمن المعلوماتى أو الأمن القومى بل يمس النمو الاقتصادى للدول العربية.
هناك جهود بدأها الاتحاد الأوروبى للحفاظ على الخصوصية بإصدار اللائحة العامة لحماية البيانات GDPR وهى قانون خصوصية صادر عن الاتحاد الأوروبى لمنح المواطنين القدرة على التحكم فى بياناتهم الشخصية، ومع دخول لائحة GDPR حيز التنفيذ يوم ٢٥ مايو ٢٠١٨ أقدمت الكثير من الشركات على تعديل سياسات الخصوصية خشية التعرض للمقاضاة فى هذه الدول وعلل رأسها شكر لكل من مايكروسوفت وتويتر.
وأول أمس «الجمعة ٢٠ ديسمبر الجاري»، فرضت سلطة المنافسة الفرنسية غرامة قدرها ١٥٠ مليون يورو على شركة جوجل الأمريكية لاستغلال وضعها المهيمن على سوق الإعلانات المرتبطة بمحرك الإعلانات «جوجل آدس»، وأعلن عملاق البحث أنه سيدفع نحو مليار يورو (١.١ مليار دولار) فى شكل غرامات وضرائب من أجل إنهاء تحقيق بشأن الضرائب مستمر منذ سنوات فى فرنسا. فيما يشن تحالف يضم ٥٠ من مدعي العموم فى الولايات المتحدة، منذ سبتمبر الماضي، حملات قضائية ضد سيطرة شركة جوجل على سوق الإعلان ومحركات البحث عبر الإنترنت.
فهل تتحرك الحكومات العربية لحماية بيانات الملايين من شعوبها الذين يتم استغلالهم؟
نحتاج لتحرك عربى إقليمى لحماية خصوصيتنا على الإنترنت وعدم احتكار البيانات والمتاجرة بها حيث حققت جوجل أرباحا تتخطى ١١٧ مليار دولار عبر إعلانات جوجل العام الحالي.
مبدئيا نحتاج لمحو الأمية الرقمية كتحرك سريع وهو ما استدعى أن تقوم اليونيسيف بإصدار دليل للشباب والأهالى حول الحفاظ على الأمان على الإنترنت بعنوان: «البقاء آمنًا على الإنترنت».
علينا أيضا وبشكل عاجل أن نوفر لأطفالنا رعاية رقمية لحمايتهم من مخاطر الانكشاف الرقمى على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لذا من الأهمية إدراج مناهج خاصة بتعليم البرمجة للأطفالنا منذ المرحلة الابتدائية تؤهلهم للتعامل مع مستجدات البيئة الرقمية. وقد أعطانا الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى بارقة أمل فيما يتعلق بجامعات حديثة تواكب كافة التخصصات الرقمية، لكن علينا أن نبدأ بأطفالنا فهم رأس مالنا البشرى فى عصر قادم يتعايشون فيه مع «السايبورج» و«إنترنت الأشياء».