الثلاثاء 28 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

القضاء والقدر الوزاري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بصرف النظر عن استمرار أو إقالة مجموعة بعينها من الحكومة في أعقاب تعديل أو تغيير منتظر، وسواء بقي حازم الببلاوي أو تعرض للإطاحة، فإننا أمام حزمة مدهشة من "التفضيلات" فرضت تعيينهم جميعاً أو التمديد لهم رغم اعتبارات موضوعية جداً تدفع إلى ضرورة خروجهم من مجلس الوزراء، كما تدين الطريقة التي تم اختيارهم بها من الأصل والأساس، وأعنى بتلك المجموعة كلاًّ من: الدكتور حسام عيسى نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي، الدكتور أحمد البرعي وزير التضامن الاجتماعي، والدكتورة درية شرف الدين وزير الإعلام، وبالقطع الدكتور حازم الببلاوي رئيس الحكومة نفسه.
وليست تلك الأسماء هم كل الذين ينبغي رحيلهم من مجلس الوزراء، ولكنها تمثل أبرز حالات فشل الأداء، أو مجافاة الإرادة الشعبية، أو ضعف الوعي السياسي، أو غياب القبول الجماهيري، أو الانفصال الكامل عن روح ثورة 30 يونيو الأسطورية، أو ارتباط بعضهم بتوجهات محمد البرادعي صاحب اليد الطولى في هذا التشكيل الحكومي بعدما كان المرشح لرئاسته، لولا اعتراض فصيل سياسي بعينه، ما دفع إلى توليته منصب نائب رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية، ومن خلال موقعه في البلاط مدّ إصبعه إلى عملية تشكيل الحكومة والفريق الرئاسي نفسه، وفرض مجموعة من الاختيارات لأشخاص تبنوا مواقفه المريبة، والتي تأكد تناقضها مع الرغبة الشعبية والحس الوطني، بعد هروبه من المسؤولية عند فض اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر، ثم بمجموعة تنسيقاته مع الأمريكان والغرب والإخوان في الخارج، وتغريداته على "تويتر" التي اتخذ فيها مواقف مشينة ضد الجيش والشرطة والإدارة الانتقالية على الجملة، وفوق كل العوامل التي دفعت إلى اختيار تلك القيادات الحكومية جاءت رغبة أحد الأجهزة السيادية أو الأمنية في اختيار بعينه، وكانت تلك الرغبة – بالقطع وكالعادة – ضد معايير الكفاءة والمقدرة والموهبة والخصال الشخصية المناسبة للعمل السياسي والجماهيري.
وأحاول في السطور المقبلة تلخيص بعض النقاط المتعلقة بالخسائر التي منينا بها نتيجة وجود مثل أولئك المسؤولين على المقاعد الحكومية قابضين على الحقائب الوزارية:
• هناك فهم إداري وحكومي عجيب، يتعامل مع الاختيارات السيئة لشغل المناصب باعتبارها لوناً من القضاء والقدر الوزاري، وهي – كلها – تحاول تبرير هبوط المسؤولين على مقاعدهم بعوامل تدخل جميعها في سياق "قلة الحيلة والعجز"، مثل أنهم جاءوا في لحظة سيولة بعد ثورة 30 يونيو، وكنا نريد فيها تشكيل الإدارة الانتقالية بسرعة وبأي ثمن، أو أن البرادعي قام باختيارهم وقتما لم يك أحد يستطيع مقاومة ميوله وتفضيلاته أمام تهديده المزمن بالاستقالة وهدم المعبد على رؤوس من فيه، ثم يعلق المبرراتية الآن فكرة عزل أولئك المسؤولين الحكوميين - وبعضهم من البرادعاويين - على شماعة "الاستحالة"، لأننا "لا نريد إشاعة حالة من عدم الاستقرار فيما مدة بقاء الحكومة هي مجرد بضعة شهور حتى الانتخابات البرلمانية المقبلة"، أو "إننا ندرك عدم صلاحيتهم ولكن دعونا نكمل بهم أفضل من المغامرة والالتجاء إلى اختيارات غير مضمونة أو مأمونة"، أو "إن هذه حكومة لا تأخذ قرارات كبرى وإنما هي لتسيير الأعمال ومن ثم لا تحتاج إلى وزراء عباقرة، ووجود أولئك المحدودين في سدة قيادتها لن يؤثر، إذ لن يكون مطلوباً منهم اختراع أو ابتكار حلول مدهشة"، يعني تتعدد التبريرات في محاولة دعم فكرة حتمية بقاء أولئك الوزراء والمسؤولين، وترسيخ مفهوم ضرورة قبولنا لذلك القضاء والقدر الوزاري، وإلا فإن اعتراضنا عليه فيه تجديف وكفران كبيرين.
• ثانياً: هذه الاختيارات الحكومية المعيبة هي – أيضا – إحدى الآثار الجانبية للسماح لبعض عيال يناير بالاعتراض - من دون أساس – على كل كادر محترم يتم ترشيحه للعمل الحكومي، وفقاً للاتهام المزمن بأنه كان جزءاً من النظام القديم، أو أنه كان ممن يسمون "الفلول"، والفكرة بكليتها وتفصيلها واحدة من أكثر ما ظهر في الحياة السياسية المصرية انحطاطاً، لأنها تصم - انتقائياً - رهطاً من الذين ظهروا في مشهد نظام الرئيس مبارك لثلاثين عاماً بأنهم جديرون بالعزل والإقصاء والنفي والحصار، بينما تسمح لبعض الذين تمرغوا تحت أقدام ذلك النظام بأن يتصدروا صفوف الثوريين النوريين والكلمنجيين، ويصبحوا أعضاء في لجان الحكماء، وكل تجمعات وشلل وجهاء يناير الذين تقلب معظمهم في بلاط المجلس العسكري وقصر مرسي، وتشكيلات الإدارة الانتقالية بعد 30 يونيو، والذين تفضحهم – الآن – التسجيلات المسرّبة، كما يشجع انكشافهم على أن يقوم كل من يمتلكون وثائق تاريخهم القديم على إشاعتها وإذاعتها.
لقد ضيق الشباب الينايريون على الدولة المصرية دوائر الاختيار، وأهدروا آلافاً من أصحاب الكفاءات الذين لم يوجه لأحدهم اتهام جنائي واحد، ولم يعد أمام تلك الدولة سوى أن تختار من بين من تبقوا على الساحة أصحاب الأجندات الأجنبية، وخدام السادة وراء البحار، ولاعقي أحذية المنظمات والتجمعات المانحة، وتتحجج - وفقا لثقافة قلة الحيلة - بأنها لا تجد أمامها سواهم، كما أمعن الشباب الينايريون في التضييق على قدرة الدولة المصرية على الاختيار، حين حاولوا فرض أنفسهم ليصبحوا مسؤولين دون أية مسوغات ترتبط بالكفاءة والخبرة، وبما أدى إلى لجوء الدولة لأية اختيارات بدلاً من اضطرارها إلى قبول ابتزازات أولئك الشباب وضغوطهم كيما يصيروا وزراء من دون أية أحقية، وهو ما ثبت في الممارسات الفاشلة لنفر من أولئك الشباب حين باتوا نواباً لبعض وزراء الحكومة.
• ثالثاً: إن واحداً مثل حسام عيسى – بالذات – ارتكب من الأخطاء السياسية ما تعجز الحكومة كاملة عن تحمل مسؤوليته، فقد قام بتعطيل الأمن عن القيام بمسؤولياته في التصدّي لإرهاب الإخوان الصغار في الجامعات المصرية، انتصاراً لارتباطه القديم بجماعة 9 مارس التي دمرت الحياة الجامعية بفرضها انتخاب عمداء الكليات وروساء الجامعات طبقاً للأغلبية وليس الكفاءة العلمية والإدارية، ثم حين أقامت دعوى لمنع الحرس الجامعي وكسبتها، فأوصلتنا إلى ما نحن فيه من فوضى بالجامعات، يساندها هذا الـ "حسام عيسى" لمجرد أنه لا يريد اعتبار موقف جماعته "9 مارس" خطأ وخطيئة وعيباً وعواراً إدارياً ووطنياً.
حسام عيسى كذلك، رجل لا يدرك – فيما يبدو – أن هناك جانباً تربوياً ينبغي مراعاته في مسلك مسؤولي التعليم، وبالطبع فإن منظر ذلك الوزير وهيئته التي يظهر عليها في نادي ساويرس بجاردن سيتي، لا تناسب المسؤول الأول عن التعليم العالي في مصر، كما لا تتماشى مع طبيعة المرحلة الثورية التي ينبغى أن نعيشها بعد ثورة 30 يونيو الأسطورية.
حسام عيسى أمضى وقته – منذ عملية يناير 2011 - في إفراغ مراراته وصفراويته ضد الرئيس مبارك أو الفريق أحمد شفيق، وهرول ليتحالف مع عصام سلطان – بالذات – المحبوس احتياطياً على ذمة حزمة من القضايا تجمعه مع قادة جماعة الإخوان الإرهابية، كما دفع في اتجاه اتهام وهمي ساقط بوجود أموال هربها مبارك إلى الخارج، متشاركاً – في ادعاءاته – مع محمد محسوب وسليم العوا، وسافر من أجل ذلك في مهام وقودها الحقد زمن حكم محمد مرسي، وقد ثبت عدم صحة الادعاءات في تلك المهام، وطالبت الدولتان اللتان ادّعى الفريق المصري وجود الأموال المهربة في مصارفهما: بريطانيا وسويسرا، بوجود حكم مصري قضائي - تقتنعا بقانونيته - في هذا الصدد قبل أن تبحث في الاتهام الذي يطال - من وجهتي نظريهما - رجال مبارك -والذين لم تحدّد عددهم لتقسم عليهم مبالغ حجمها أقل كثيراً ممّا يجعلها موضع اتهام.
• رابعاً: أحمد البرعي وزير التضامن الاجتماعي، هو واحد ممن تسببوا – عن قصد وتدبير – في تأخير تنفيذ حكم حل جماعة الإخوان الإرهابية ومصادرة أموالها، وذلك أدى إلى تمكين الجماعة من تهريب أموالها وتمييع ملكية أصولها، فأسهم – مع تعطيل حسام عيسى لمواجهة إرهاب الإخوان في الجامعة، وتأخير حازم الببلاوي في اعتبار الإخوان جماعة إرهابية – في تضافر جهود ذلك الثالوث لإعاقة المواجهة مع الإخوان، وسقوط مئات القتلى والجرحى من رجال الجيش والشرطة والمدنيين نتيجة إفساح المجال للإخوان للتسلح والتمترس والبث الإعلامي للداخل والخارج. 
أحمد البرعي – أيضا – هو رئيس واحدة من منظمات المجتمع المدني التي تتلقى تمويلاً أجنبيا، وهو كذلك واضع قانون الجمعيات الأهلية، بما يعنى – قولاً واحداً – تعارض المصالح الذي يفرض خروجه من الحكومة، ومع ذلك فهو باق ضمن منظومة القضاء والقدر الوزاري.
• خامساً: حالة درية شرف الدين – ربما – هي الأكثر غرابة في وزراء الحكومة المصرية بالنظر إلى محدودية قدراتها وكفاءاتها، والتي أستطيع أن أحاضر بشأنها طويلاً في كل المحطات الوظيفية التي مرت بها، من أطروحتها الأكاديمية وتحويلها إلى كتاب عجيب، إلى رئاستها لجهاز الرقابة على المصنفات الفنية، إلى رئاستها للقناة الفضائية المصرية، إلى ترشيحها وزيرة للثقافة، ثم إلى تعيينها وزيرة للإعلام، ولا تعنيني هنا إشادات بعض أصدقائها، أو رفاق الدراسة الجامعية الذين زاملوها بعدما جاءت من دمياط في أواخر ستينيات القرن الماضي، وإنما أتكلم عن المعايير المهنية والسياسية التي يفضي بنا تجاهلها إلى كوارث حقيقية.
ما نتج عن تعيين درية شرف الدين هو انصرافها إلى أعمال قشرية دون الانشغال بمضمون المهمة السياسية المنوطة بها، فاهتمت بأعمال النقاشة وتبييض مبنى التليفزيون - وهو ما لم يك من بنات أفكارها على أية حال - كما انشغلت في سلسلة طويلة مخجلة من تصفية الحسابات مع كل خصومها في مبنى ماسبيرو، وكانت النتيجة مزيداً من استشراء وهيمنة العناصر الإخوانية وخلايا 6 أبريل في تلك المؤسسة الاستراتيجية الخطيرة، بما أسلمنا إلى نتائج كارثية لم نعد نعرف – من فرط التداخل والعك – ما إذا كان سببها وجود تلك العناصر في ماسبيرو أو كان لدوافع أخرى، ومنها – قطعاً – مصيبة إذاعة فيلم تسجيلي عن إنجازات المعزول محمد مرسي لمدة نصف الساعة في قناة "نايل تي في".
"درية" فشلت - على نحو ذريع - في الارتقاء المهني بأداء التليفزيون المصري رغم المحاولات المضنية التي يبذلها عمرو الأمير رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، فيما نحن نحتاج إلى النهوض بمستوى أداء الإعلام القومي، والوصول إلى درجة المنافسة مع الإعلام الخاص والتجاري، الذي يواظب الناس على مشاهدته فيما يخلو التليفزيون الحكومي من إعلان واحد كدليل على نسبة مشاهدة مقبولة لبرامجه، تسمح له باجتذاب الإعلانات، "درية" هي إحدى تجليات القضاء والقدر الوزاري، وهي حتمية تاريخية لم يعد بمقدورنا الاعتراض على وجودها، أو تفسير وفك تشفير احتلالها لذلك المنصب الرفيع وتأبيده لصالحها، في واحدة من غرائب الطبيعة والإدارة والسياسة المصريين.
• سادساً: حازم الببلاوي – رئيس مجلس الوزراء – هو رجل مدهش لأنه تعود أن يهرب من الشغل – فيما البلد مشتعل والشوارع غارقة في دماء الضحايا - ليذهب للتسامر والتضاحك والدردشة والفرفشة في نادي هليوبوليس، وقد شاع عنه إغلاقه باب الحكومة بالمفتاح كل يوم بعد الساعة الثانية عصراً، وإيابه إلى منزله العامر ليتمرغ على فراشه، ثم يغلق الحكومة بالمفتاح من عصر الخميس إلى صباح الأحد مستمتعاً بعطلة نهاية الأسبوع، وقسم منها – بالطبع – مخصص لشلة نادي هليوبوليس التي يتبادل رواية النكات البائخة مع أعضائها.
حازم الببلاوي يتشارك مع عصام شرف أوسكار أفشل رئيس وزراء، وأكثر رؤساء الحكومة تمتعاً بالرفض والكراهية الشعبيين، وهو يجيد لعبة الفاشلين الشهيرة، إذ يتنمّر منتظراً أن يحقق أي من رجال الدولة أو مؤسساتها إنجازاً حتى يقفز راكباً على رفرف سيارة أي منهم، مدعياً أنه شريك في ذلك الإنجاز، هكذا يفعل كلما نجحت الشرطة في التصدي لإرهاب الإخوان، وهكذا يفعل كلما أصدر القضاء حكماً – غصباً عن عين رئيس الوزراء – ملبّياً احتياج المجتمع، وهكذا يفعل بعد أن تجبره الإرادة والضغط الشعبيين على اتخاذ موقف ما، بعد طول تمنّع وترهّل، في كل مرة يعقد المؤتمرات الصحفية، وفي كل مرة يتطاوس علينا - من زهو الطاووس - ناسباً لنفسه فضل أعمال لم يشارك في التفكير فيها أو صنعها، مصوراً الأمر كما لو كان تجلّياً لعناية السماء التي هبطت لتساند بقاءه الأبدي، رافعاً فوق رأسه شعاراً اقتبسه من شعر نزار قباني في قصيدته "منشورات فدائية على جدران إسرائيل": "باقون على صدوركم كالنقش في الرخام".
نعم.. كالنقش في الرخام!!.