الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مستقبل حركات الإسلام السياسي "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من المرات القلائل التي ينجح فيها مؤتمر في جمع أطياف مختلفة ربما إلى حد التضاد في الرؤى ومن ثم الطرح، وينجو من آفة الإقصاء والانتقائية، ويمتد إلى ثلاثة أيام دون أن يتحول إلى ملاسنة وعراك، بل يشهد نقاشات موضوعية هادئة ويحتشد بالتأصيل التاريخي والفقهي، وأحسب هذا مؤشرا لتكريس الحوار بين النخب وإمكانية تأصيله في مجتمعنا بعيدا عن موروث المونولوج والأحادية المؤسِسة للتطرف والتعصب الباب الملكي لمناخ الكراهية.
وقد نجح الدكتور عبد الحافظ دياب، أستاذ علم الاجتماع، في تقديم صورة بانورامية عن التيار السلفي، الجذور والأطر الفقهية والتوجهات وسر الاشتباك مع السياسة بعد 25 يناير والانقلاب على مواقفهم التاريخية التي كانت تعتبر السياسة من "المفاسد"، ويرد الجذور إلى الشيخ أبو جعفر الطحاوي (227هـ ـ 321هـ) والذي حمل كتابه "العقيدة الطحاوية" رؤيته، والتي لا ترى حجية خارج النص (الكتاب والسنة)، وتفسره بحرفيته ومن ثم ترفض التأويل، وترفض الفلسفة والمنطق اليوناني، وتتبنى إيثار السلف (الصحابة والتابعين وأتباع التابعين)، وترفض بشكل قاطع إرادة ومشيئة الإنسان، مقدما على سبيل الحصر المشيئة الإلهية.
وينتقل إلى الحالة الراهنة فيرصد تنامي المد السلفي عبر السنوات الأخيرة الذي يلمسه في تزايد استخدام الرموز الدينية في لغة الخطاب اليومي، تصاعد اللاهوت التليفزيوني السلفي، الملصقات والجداريات، الوعظ في وسائل النقل والمواصلات، تصاعد دعاوى الحسبة لمطاردة المبدعين والمفكرين.. أو على المستوى اليومي تعاظم الهوس بإطلاق اللحى وارتداء الجلابيب البيضاء، تزايد أعداد مرتديات النقاب، استخدام أعضاء الجماعة السلفية ألقابًا وكنى وصفات بعينها، الحض على تعدد الزوجات، تكريس عادات وتقاليد خاصة في مناسبات الميلاد، والزواج، والوفاة، ويرى أن التواصل المعرفي بين التيارات المعاصرة والجذور يكاد ينحصر في القشور والشكليات ويحتاج إلى مراجعة وتقييم وتقويم بشكل موضوعي.
بينما تلامس الدكتور حيدر إبراهيم، المفكر السوداني وأستاذ العلوم الاجتماعية، مع الواقع السوداني بعد صعود تيار الإسلام السياسي، ويرى أن أزمة "الإسلاماويون" بحسب وصفه وتعبيره، أن مستقبلهم خلفهم، وأنهم يسعون عبر إجراءات على الأرض لفرض رؤيتهم والتي ترفض مواطنة غير الإسلاماويون، وفي خطوات تكتيكية يمارسون "المرونة الحربائية" والتي تستوجب التخلي التكتيكي عن الأهداف الاستراتيجية دون التغير الجوهري، وقد أنتجت نتائج غاية في الخطورة أبرزها تقسيم السودان، وتفكيك أوصال المجتمع، والدخول في متاهة المجاعة، تحت زعم الخصوصية، وتبرير التراجعات الاقتصادية والاجتماعية إلى مفهوم "الابتلاء" وترحيل المكافأة إلى الحياة الأخرى، ولم يلتفت هذا التيار إلى التجريف الذي أصاب المجتمع السوداني جراء هجرة العقول السودانية المتميزة والكفاءات المؤثرة والتي استقرت في دول الجوار وفي الغرب والولايات المتحدة، ويمثل المجتمع السوداني حالة ملتبسة من اختلاط المفاهيم الوثنية بالواقع اليومي، ولا يختلف الأمر بين العامة والحكام، في دوائر السحر والجن والشعوذة، رغم كل المظاهر الدينية، ويحسبه من المضحكات المبكيات. ويعلق أن سودان اليوم بعد نحو عشرين عاما كان هو المصير الذي ينتظر مصر لولا ثورة 30 يونيو التي ترجمت الحس المصري الذي استشعر الخطر القادم وقطع عليه الطريق.
وجاءت ورقة الدكتور كمال حبيب، الخبير في شئون الحركات الإسلامية، لتضبط إيقاع الطرح، إذ يرى أن التعميم يحمل خطرا في الوصول إلى نتائج مضللة، وأن السلفية تتبنى بالأساس الحفاظ على الهوية في مواجهة الحداثة، ويرى أن هذه التيارات تحتاج إلى إدراك خطورة النزعة الإقصائية، لأنها لا تعترف بالواقع، وتتعاطى السياسة كمدخل لضبط العلاقات داخل المجتمع، وتنتبه الى أزمة السرديات المؤسسة لبناء الأفكار التي قامت عليها التيارات الإسلامية السياسية، وعليها أن تقتحم دائرة القراءة النقدية لتنقية التراث من الإضافات التي اخترقتها عبر فترات الاضمحلال التاريخية، وأشار إلى مفهوم الديمقراطية عندهم والتي أسماها "الديمقراطية الأداتية"، والتي تعني استخدام آليات الديمقراطية كأداة للوصول إلى الحكم في غير تفعيل لمسارها عبر الحوار والتفاعل وتداول السلطة والقبول بالتعدد والتنوع وقيم المساواة ومنظومة الحريات.
وما زالت الأوراق مفتوحة للقراءة والطرح لمزيد من فهم الخريطة الفكرية لجماعات وحركات الإسلام السياسي، كما فجرها المؤتمر.. فإلى لقاء.