الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خطر تآكل الطبقة المتوسطة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تُعد الطبقة المتوسطة هى الأكثر طموحًا والأوسع تأثيرًا فى المجتمع، وبحسب اصطلاح عالم الاجتماع الألمانى ماكس فيبر؛ فإن الطبقة المتوسطة هى الطبقة التى تأتى اقتصاديًا واجتماعيًا بين الطبقة الفقيرة والطبقة الموسرة، فهى ليست من الثراء لامتلاك أصول إنتاجية تولد أرباحا منتظمة، ولا هى من الفقر لدرجة أنها تعانى العوز للدخل الدائم والمستقر، لقد كتب الباحثون ملفات عدة عن دور الطبقة الوسطى فى تنمية وتحديث وتقدم الأمم، فغالبية العلماء والتقنيين والباحثين والمخترعين والمهنيين والأدباء والمثقفين، وصولًا إلى المناصب القيادية والسيادية هم من أبناء تلك الطبقة الفاعلة.
وتتسم الطبقة المتوسطة بالعديد من السمات والصفات التى تميزها عن غيرها من الطبقات الأخرى. 
• تمثل الطبقة المتوسطة نبض المجتمع وتُعد الأقوى تأثيرًا والأكثر تفاعلًا فى المجتمع، مما يمنحها ثبات المواقف واستقلالية القرار، ولذا تعتبر الشريك الأول فى صيانة مؤسسات الدولة ومحاسبة الحكومات، فغالبية أعضاء المجالس النيابية على مدى تاريخها الطويل من عموم تلك الطبقة. 
• الطبقة الوسطى هى طاقة المجتمع الاقتصادية المتجددة؛ حيث تمثل المصدر الأول لتمويل النفقات العامة من الضرائب والرسوم، فهى صاحبة الدخل المتجدد والإنفاق المرتفع، كما أنها لا تمثل عبئا على موازنة الدولة فى تحمل تكلفة الخدمات العامة، التعليمية والصحية، وكذلك برامج الرعاية الاجتماعية فكل ذلك تقوم بتمويله من مصادرها الذاتية. 
• الطبقة المتوسطة هى الشريك الرئيسى فى بناء الدولة وصناعة التنمية، فهى تمثل القطاع الأكبر لسوق الاستثمارات المحلية «قطاع البورصة - القطاع العقارى - سوق الذهب»، كما أنها تمثل الركيزة الأساسية والممول الأول للمشروعات القومية «السد العالى - قناة السويس»، وذلك بما لديها من وفورات ومدخرات مالية.
• تتحمل الطبقة المتوسطة عبء المسئولية الاجتماعية عن كاهل الدولة فى دعم المؤسسات الخيرية والجمعيات الأهلية فيما تقيمه من مشروعات خيرية وما تقدمه من مساعدات مادية وعينية للطبقات الفقيرة والمعدمة. 
وبنظرة متفحصة ومن خلال الأرقام، يشير خبراء الاقتصاد إلى أن دخول الأسر المصرية تراجعت بعد تحرير سعر صرف العملة فى نوفمبر من عام ٢٠١٦، وبسبب موجة التضخم التى أعقبت قرارات التعويم، إضافة إلى قرارات إعادة توجيه الدعم، وتفعيل تحصيل الضريبة العقارية وفرض الضريبة على القيمة المضافة.. كل ذلك أدى إلى زيادة الضغوط على كافة الطبقات، وبخاصة الطبقة المتوسطة، وهو ما لم يصاحبه تحريك الأجور بنفس نسب زيادة معدل التضخم، ووفقا لأحدث تقارير البنك الدولى عن مصر، فإنه رغم ارتفاع متوسط دخل الفرد السنوى فى مصر من ١٣٠٠ دولار عام ٢٠٠٠، إلى ٣٤٠٠ دولار فى عام ٢٠١٨، إلا أن معدل الفقر ارتفع أيضًا من ١٦.٧ ٪ إلى ٢٧.٨ ٪ خلال الفترة نفسها، لذا فإن الطبقة المتوسطة باتت على مشارف أحزمة الفقر، فعدم قدرة الطبقة المتوسطة الحفاظ على المستوى المعيشي ذاته، وعدم كفاية الدخل لتلبية الحاجات ذاتها عن ذى قبل ومنها المتطلبات الأساسية.
وحتى نرى مدى التأثير الذى لحق بالطبقة المتوسطة نعرض بعض الشواهد التى تعكس ما آلت إليه تأثرا ببرنامج الإصلاح الاقتصادى والإجراءات والنتائج المترتبة عليه.
• نتيجة الآثار المترتبة على برنامج الإصلاح الاقتصادى وما واكبه من تحرير سعر الصرف، ورفع الدعم عن الطاقة، بالإضافة إلى زيادة العبء الضريبى أدى فى مجمله إلى تراجع القوة الشرائية للطبقة المتوسطة باعتبارها أكثر الفئات استهلاكا، وصاحبة الوفورات الموجهة للادخار والاستثمار، مما كان له تأثيرات سلبية شديدة على معدل النمو الاقتصادى بسبب انخفاض الطلب وتخفيض حجم الإنتاج الكلى، وهو ما يؤدى إلى الدخول إلى متلازمة التضخم والانكماش والدخول فى حالة من الركود الاقتصادي.
• تراجع الإنفاق الاجتماعي، حيث لا يرتبط تراجع القوة الشرائية للطبقة المتوسطة على الطلب على السلع الاستهلاكية فحسب، وإنما الأخطر هو امتداد التأثيرات السلبية لتدهور الدخول الحقيقية لهذه الطبقة إلى قدرتها فى الإنفاق على الخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل التعليم والصحة، والتى تعطى لها أولوية كبيرة والتى الجانب الأكبر من إنفاقها. 
< تغير النمط الاستهلاكى والسلوك الشرائى فى المأكل والمشرب والملبس ووسائل الانتقال، كاللجوء إلى شراء منتجات بخامات أقل جودة، أو اللجوء إلى أسواق الاستخدام الثاني، أو الانتظار لفترات التخفيضات السنوية علها تحظى بسعر أقل بعد أن اعتادت عل مدى عقود من عمرها، أن تتجول بين المحال والمتاجر الكبرى لانتقاء أجود ما تعرضه من ماركات، تتماشى مع ذوقها، وبما يناسب مكانتها الوظيفية والاجتماعية.
وفيما يلى نعرض بعض الحلول المقترحة للإسهام فى تقليل معاناة وهموم الطبقة المتوسطة. 
- إعادة التوازن الاقتصادى من خلال سياسات التشغيل الكفء لعوامل الإنتاج «التوزيع والاستخدام الأمثل للموارد»، والدفع نحو سياسات النمو المرتفع مع خفض معدل البطالة «النمو التشغيلي»، بحيث يتسم سوق العمل بالعدالة «من حيث تكافؤ الفرص»، والموضوعية «من حيث متطلبات الحصول على العمل»، وأن يجنى ثمار النمو عموم طبقات المجتمع ومنها الطبقة المتوسطة.
- التوسع فى دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة «وهو ما بدأته الدولة بالفعل» مع تذليل كافة المعوقات المالية والإدارية لإعادة تشغيل المصانع المتعطلة والمشروعات المتعثرة من خلال برامج التمويل ذات التكلفة الملائمة وبرامج الدعم الفنى واللوجيستى. 
- تركيز الجهود فى سرعة تطوير المنظومة الصحية، كذلك العمل على تطوير المنظومة التربوية والتعليمية والحد من التوسع فى مؤسسات التعليم الخاص ورقابة القائم منها فيما تطلبه من مصروفات تفوق الخدمات المقدمة منها، وذلك مما يخفف العبء على الطبقة المتوسطة فيما تنفقه على التعليم والرعاية الصحية.
ومع الاعتراف الكامل بأهمية وضرورة تبنى الدولة لسياسات اقتصادية جادة لمعالجة العجز فى الموازنة، والسيطرة على تضخم الدين العام، تظل الحاجة ماسةً إلى أن يكون ذلك مصحوبًا بحزمة متكاملة من السياسات التى تتعامل مع التداعيات التى تنجم عن تنفيذ تلك السياسات، ويمكن الاستفادة من التجارب الدولية للدول التى مرت بمراحل وتجارب اقتصادية شبيهة، مثل دول أمريكا اللاتينية التى تُشير تجربتها إلى أن السيطرة على العجز أمر لا يمكن إنجازه خلال الأمد القصير، مما يتسبب فى زيادة الفجوة بين طبقات المجتمع المختلفة، وإنما ارتبطت بالأساس بتحقيق نموٍّ متوازن، وخلق فرص عمل جديدة، والاستثمار فى رأس المال البشرى «التعليم والصحة»، وإنجاز إصلاح ضريبى يحقق زيادة الموارد، ويضمن توزيع الأعباء الضريبية بشكل أكثر إنصافًا.