الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

قلعة ألموت الباطنية.. وكر العقارب

قلعة ألموت
قلعة ألموت
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في ديسمبر من العام 1256 م - 654 هـ اجتاح المغول بقيادة هولاكو قلعة ألموت حصن جماعة الباطنية الإسماعيلية في بلاد فارس، حيث قتل المغول الكثير منهم وعلى رأسهم زعيمهم الشيخ ركن الدين خورشاه.
قبل ذلك، وفي أواخر القرن الخامس الهجرى ظهرت بقوة حركة الباطنية على يد زعيمها حسن الصباح الملقب بشيخ الجبل، والذى ولد عام ٤٣٠هـ في «قم» وأصله من الكوفة، طالع تعاليم الشيعة الإسماعيلية، وفى الرى قابل أحمد ابن عطاش زعيم الباطنية، فتلقى على يديه المذهب والمواهب السرية، وبرع في ذلك حتى اعتمد عليه ابن عطاش وجعله زعيمًا للباطنية من بعده، زار مصر وأقام في القاهرة والإسكندرية زمن الدولة الفاطمية التى اعتنت به ودعمته، فكان ولاؤه للحكام الفاطميين، وقيل إنه مكث في مصر قرابة الثمانى سنوات، ثم عاد إلى إيران وطاف بأنحائها باعتباره داعية دينيا.
فكر في تأسيس مدينة أو قلعة لأتباعه، ولكون الدعوة سرية وأيضا على خلاف مع الدولة السلجوقية آنذاك قرر أن يختار مكانا أمينا وبعيدا، فاختار قلعة «ألموت» وتعنى «وكر العقارب» والتى بنيت على صخرة عالية شديدة الانحدار من جوانبها، يصعب الوصول إليها، قيل كانت مهجورة فسكنها، ووجدت بها بساتين وبيوت عامرة، وقيل اشتراها من شيخ كان يقيم بها، على كل حال، فقد تحصن بها هو وأتباعه ومنها انطلقت دعوته لتغزو بقية العالم الإسلامي.
وشكلوا خطرا كبيرا على أمراء وملوك البلاد الإسلامية، وتمتعوا بقدرة عالية على القتال، وتنفيذ الاغتيالات السياسية، ومن أشهر تلك المحاولات، اغتيال نظام الملك وزير السلطان ملك شاه، فقد تسلل إليه أحدهم في صورة سائل يطلب حسنة فلما اقترب منه طعنة بخنجر طعنة نافذة، ثم محاولة زعيم الباطنية في الشام اغتيال صلاح الدين الأيوبى أكثر من مرة، ولقد استخدموا في ذلك الجوارى والعبيد في الوصول إلى أبعد الأماكن سرية، ولقد تصدى لهم الكثير من العلماء وبينوا فكرهم وعارضوا مقالاتهم، وكان أبرزهم الإمام أبوحامد الغزالى، الذى ألف في الرد عليهم كتابه المعروف بـ «فضائح الباطنية» مما جعله يتلقى تهديدات بالقتل من أتباعهم.
ومن رجال الباطنية المشهورين الشيخ رشيد الدين سنان بن سلمان، كان واحدا من أشهر رجال فرقة الباطنية التى أسسها الحسن الصباح، فقد ولد بالبصرة وتلقى علوم الباطنية في قلعة «ألموت»، وأصبح زعيما للباطنية في بلاد الشام، ونشأ بينه وبين صلاح الدين الأيوبى صراع كبير، حاول فيه رشيد الدين أن يدبر عدة محاولات لاغتيال صلاح الدين.
ففى العام ٥٧١ هـ أرسل جماعة من أتباعه يتنكرون في ملابس الجنود، ويتسللون إلى معسكر الجيش، وكان ذلك أثناء حصار الأيوبى لقلعة عزاز، باشروا الحرب مع الجند، وعندما اقتربوا من صلاح الدين هجموا عليه بضراوة فأصيب بجروح كبيرة وكادوا يقتلونه لولا احتمائه في الدروع، واستبسل الجميع في القتال، فئة من الباطنية وأمراء من جيش صلاح الدين، وقُتلت المجموعة كلها بعدما قَتلت أحد الأمراء وبعض الجنود.
احتاط بعد ذلك صلاح الدين وأخذ تدابيره، فلقد أثر الحادث في الجنود وفى شجاعتهم في القتال أمام قلعة عزاز، وعلى سبيل الحيطة ضرب حول سرادقه برجا من الخشب، وقد أعلن تهديده لراشد بن سنان وتوعده هو وجماعته بالقتل والوعيد، لكن ذلك لم يُرهب سنان.
ولقد جهز صلاح الدين حملات عسكرية في شهر المحرم من العام ٥٧٢هـ وحاصر قلاع الباطنية ونصب عليها المنجنيق وأوسعهم قتلا وأسرا وتهجيرا، حتى شفع فيهم خاله شهاب الدين محمود صاحب حماة، فقد راسلوه يطلبون شفاعته، فرحل عنهم بعدما انتقم منهم، ولم تدم العداوة بينهم حتى طلب صلاح الدين معونتهم في الحرب ضد ريتشارد قلب الأسد فساعدوه وتعاونوا معه، ثم لم يقع بعد ذلك احتكاك بينهم. 
وكانت الباطنية إحدى فرق العنف والاغتيالات السياسية، وقد خرجت من قلب المذهب الإسماعيلي الشيعي، والتى لقبت في التاريخ بحركة الحشاشين، وقد صنعت إزعاجا كبيرا لكل أمراء البلاد الإسلامية.