الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

منظومة التأمين الصحي الشامل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عرفت مصر أنواعا مختلفة من التأمين الصحي، حتى قبل ثورة ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢، كان هناك تأمين على العمال ضد الحوادث. وفى سنة ١٩٦٤، صدر قانون التأمين الصحى للعاملين في الدولة والقطاع العام. وفى سنة ١٩٩٧ تم التأمين على طلاب المدارس، وبعد ذلك امتدت مظلة التأمين الصحى لتشمل جميع الطلاب حتى نهاية المرحلة الجامعية في الجامعات الحكومية.
وفى الأول من يوليو ٢٠١٩، بدأ تنفيذ منظومة التأمين الصحى الشامل في محافظة بورسعيد، في أولى خطوات المشروع الذى يغطى كل محافظات الجمهورية بحلول عام ٢٠٣٢.
فما فلسفة نظام التأمين الصحى الشامل؟ وما الفوائد المتوقعة عند تنفيذه؟ وما التحديات التى تواجه تنفيذ هذا المشروع العملاق؟.. أسئلة نحاول الإجابة عنها.
أولًا: فلسفة منظومة التأمين الصحى الشامل
التأمين الصحى الشامل (الذى يغطى كل المواطنين)، هو في الأساس منظومة تكافل اجتماعي، بحيث يتلقى كل مريض علاجا مجانيا عند حدوث أى مرض. وتختلف الدول في طرق تمويل التأمين الصحي، فبينما يتم التمويل من الخزانة العامة للدولة (من دافعى الضرائب)، في إنجلترا وفرنسا. قررت مصر أن يكون التمويل في شكل اشتراكات شهرية يدفعها القادرون، على أن تدفع الدولة لغير القادرين.
ثانيا: فوائد الاشتراك في مظلة التأمين الصحى الشامل
١- بالنسبة للمواطن والأسرة المصرية
الاشتراك في المنظومة إجبارى لكل المصريين في الداخل، واختيارى للمصريين العاملين بالخارج. وتدفع الأسرة المقتدرة اشتراكا شهريا (بحد أقصى ٧٪ من دخلها). ولكل أفراد الأسرة الحق في الانتفاع بمزايا التأمين الصحى الشامل، أما في حالات الطوارئ، فسوف تلتزم بها الدولة، وبذلك تنتهى المعاناة التى كان يعانيها المواطن المصري، خاصة غير القادر، عند حدوث أى مرض أو حادثة.
وتحت مظلة التأمين الصحى الشامل، سيكون لكل مواطن الحق في العلاج الجيد، سواء في وحدات الرعاية الأولية، بواسطة طبيب الأسرة، أو في مستشفيات وزارة الصحة، أو في المستشفيات الجامعية، أو حتى في مستشفيات القطاع الخاص، والذى سيتعاقد مع هيئة التأمين الصحي.
٢- بالنسبة للطبيب المصري
يُمثل نظام التأمين الصحى الشامل الحل الأمثل للطبيب المصري، الذى يعانى ضعف الدخل، وقلة الإنفاق على الصحة، وعدم توفر البيئة الصحية للعمل، ونقص التدريب الطبي.
ففى منظومة التأمين الصحى الشامل، سيكون دخل الطبيب المتعاقد مع المنظومة مجزيًا، وستكون هناك وحدات ومراكز طبية معتمدة من هيئة الجودة، والتى تضمن توفير الاحتياجات اللازمة لتقديم خدمة طبية جيدة، ونظام لتدريب ومتابعة أداء الأطقم الطبية. وسيكون أيضا هناك نظام تأمين للمؤسسات الصحية توفر البيئة الصحية لممارسة طبية متكاملة.
٣- بالنسبة لمنظومة الصحة المصرية
عند اكتمال منظومة التأمين الصحى الشامل، لتشمل جميع المحافظات (والذى نأمل أن يتحقق قبل الموعد المحدد وهو ٢٠٣٢)، فسيكون هناك تصحيح لكل مشكلات المنظومة الصحية؛ حيث تتولى ثلاث هيئات مستقلة إدارة المنظومة تحت مراقبة وزارة الصحة. ففى مجال التمويل، سوف تتولى هيئة التأمين الصحى التى تشرف عليها وزارة المالية، توفير كل النفقات من حصة وزارة الصحة من الموازنة العامة للدولة، ومن اشتراكات المواطنين، ومن الضرائب على بعض السلع والخدمات. وبذلك سوف يتم ضم جميع أوجه الإنفاق على الصحة في صندوق واحد فقط.
وتتولى هيئة الرعاية الصحية تقديم الخدمة، ووضع القواعد الطبية والإرشادات لعمل الأطباء. ووضع الهيكل التنظيمى لمستوى الخدمة المطلوبة حسب المرض. وفى جميع الحالات غير الطارئة، يكون طبيب الأسرة هو المحطة الأولى لاستقبال المرضي. ويقوم طبيب الأسرة بتحويل المريض إلى المستوى الأعلى بنظام إلكترونى محكم. 
وفى كل بلدان العالم التى سبقتنا في تنفيذ التأمين الصحى الشامل، يتولى قطاع الرعاية الأولية وطب الأسرة تقديم أكثر من ثلثى الخدمة، وتشارك المستشفيات في المستوى الثانى والثالث في تقديم الثلث المتبقى من الرعاية الصحية. وبذلك يقل الضغط على المستشفيات الجامعية، ويعطى فرصة أكبر للتدريس والبحث العلمى وتدريب الأطباء.
وفى مجال المراقبة والجودة، والتى تم إسنادها إلى هيئة ضمان الجودة، وهى هيئة مستقلة تابعة لرئاسة الجمهورية، وبذلك تم فك الاشتباك بين الهيئات الثلاثة (الممولة والمقدمة والمراقبة للخدمة الصحية)، واقتصر دور وزارة الصحة على التنسيق بين الهيئات الثلاث، وتقديم الرعاية الطارئة (مع هيئة الإسعاف المصري)، وكذلك الاهتمام بقطاع الطب الوقائي، من تطعيمات ومسح طبى واكتشاف مبكر للأمراض وغيره من أنشطة الطب الوقائي.
ثالثا: التحديات التى تواجه تنفيذ مشروع التأمين الصحى الشامل
هناك تحديات جسام قابلت معظم الدول التى تبنت مظلة التأمين الصحى الشامل، أهمها: 
١- نقص التمويل، خاصة مع ارتفاع تكلفة الخدمة الصحية.
٢- نقص الأطقم الطبية المدربة، وبخاصة في تخصصات طبيب الأسرة وهيئة التمريض.
٣- ضعف الترابط والتنسيق بين المستويات الثلاثة، خاصة بين مستشفيات تابعة لوزارة الصحة وأخرى تابعة لوزارة التعليم العالي.
٤- عدم استكمال البنية التحتية من شبكات إلكترونية وخوادم وصيانة وحفظ للمعلومات.
٥- الترهل والإهمال وضعف المراقبة، وانعدام الثقة في النظام.
وأخيرا، ندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا في تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل بشكل يرضى طموح المواطن المصري، ويحقق العدالة الاجتماعية، ويقدم خدمة صحية تصون صحة المصريين وتحفظ لهم كرامتهم وقت المرض.