الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ليبيا.. أحلام أردوغان تغرق في أعماق المتوسط

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بلسان زعيم قراصنة البحر وجماعات الإرهاب تحدث الرئيس التركى رجب طيب أردوغان عن الاتفاق الأمني البحرى الذى وقعه في 27 نوفمبر الماضى مع رئيس حكومة الميليشيات الليبى فائز السراج، فقد بعث رسائل تهديد صريحة لدول منتدى غاز شرق المتوسط، قائلا: «الآن لم يعد باستطاعة مصر وقبرص واليونان مد خطوط نقل الغاز دون موافقة تركيا»، وأضاف في حواره لقناة «تى آر تى» التركية الإثنين الماضى أن بلاده على استعداد لإرسال عسكريين إلى ليبيا حال طلبت ما تسمى حكومة الوفاق ذلك.
أردوغان أراد بتلك التصريحات تفعيل ما تصور أنها أوراق ضغط على دول المنتدى أتاحها له الاتفاق، والتمهيد للإعلان الصريح عن التواجد العسكرى التركى داخل مناطق غرب ليبيا ليمنح دعم أنقرة لعصابات السراج وضعا قانونيا يماثل وضع القوات الروسية داخل الأراضى السورية على نحو ما أشرت في هذه الزاوية الأسبوع الماضى.
وكشفت رسالة مجلس النواب الليبى إلى أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غويتريش، بشأن الاتفاق غير الشرعى أن أنقرة لم تصدق أصلا على قانون البحار الدولى، وأنها تعمدت استخدام مصطلح مذكرة تفاهم في الحديث عن الاتفاق الأمني البحرى لتتفادى شرط تصديق البرلمان الليبى، حيث تستطيع الحكومات المختلفة توقيع مذكرات تفاهم وتعاون في مجالات بسيطة ومحدودة في حدود صلاحيات المسئولين التنفيذيين بها وهو ما لايشترط تصديق البرلمانات عليها، وأوضحت الرسالة أن الوثيقة الموقعة هى اتفاق يشكك في السيادة الوطنية ويهدد الأمن والمصالح الاقتصادية الليبية، معتبرة الاتفاق غير صالح ومؤكدة أنه لاحدود بحرية تجمع بين تركيا وليبيا مطلقا، وأن الهدف من الاتفاق الأمني تقنين الاحتلال التركى للأراضى الليبية.
ردود الأفعال الإقليمية والدولية حتى الآن، تؤشر إلى خطأ كل حسابات أردوغان هذه المرة في التعامل مع ملفى ليبيا وغاز شرق المتوسط وفشل أسلوبه في اللعب على تناقض مصالح الأطراف المعنية كما فعل ذلك لبعض الوقت في سوريا مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، فربما تصور أن تهديده الدائم لدول الاتحاد الأوروبى بفتح حدوده أمام اللاجئين والعناصر الإرهابية، وإثارة مخاوف أمريكا من توسع النفوذ الروسى داخل ليبيا، واتفاق مصالحه مع إيطاليا بدعم ميليشيات السراج سيدفع ؛ كل تلك الأطراف إلى الأحجام عن دعم اليونان وقبرص، أو على الأقل لاتخاذ مواقف هشة إزاء ممارساته العدائية في البحر المتوسط.
فقد أعلن وزير الخارجية اليونانى نيكوس دنياس عقب انتهاء اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى، الإثنين الماضى، أن كل من فرنسا وإيطاليا وهولندا قد أعربوا عن دعمهم الكامل لموقف اليونان وقبرص تجاه الأطماع التركية. 
وفى السياق ذاته أكد الاتحاد الأوروبى دعمه الكامل لكل من قبرص واليونان اللتين توجهتا إلى الأمم المتحدة لاستصدار إدانة من قبل مجلس الأمن بشأن الاتفاق الذى يخالف قانون البحار الدولى ويهدد أمن واستقرار المتوسط.
وأعلن عدد من أعضاء البرلمان الإيطالى رفضهم للاتفاق البحرى لما يشكله من تهديد لمصالح بلادهم.
وقد حاول الإعلام التركى ومعه الإعلام الإخوانى ترويج عدة أكاذيب حول الاتفاق البحرى، منها أنه أعاد لمصر نحو 39 ألف كيلو متر مربع كانت قد تنازلت عنها لصالح اليونان وقبرص، في محاولة بائسة لتأليب الرأى العام المصرى، وفى ذات السياق سارع أردوغان إلى الإعلان عن بدء حفر وتنفيب جديدة فيما سماها بحدوده الاقتصادية مع ليبيا امتدادا لعمليات التنقيب التى يقوم بها فعليا في منطقة الحقوق الاقتصادية القبرصية في البحر المتوسط وبحر إيجا.
فهل يستطيع زعيم الإرهاب الدولى الاستمرار في عدوانه على حقوق الغير، خاصة وأن الاتحاد الأوروبى لم يتخذ إجراءات عقابية وصارمة إزاء ما يقوم به أردوغان قبالة السواحل القبرصية؟!
يؤكد خبير الطاقة ورئيس جمعية مستثمرى الغاز المصرية دكتور محمد سعد الدين، أن عمليات الحفر والتنقيب التى تقوم بها تركيا أمام سواحل قبرص لا تشكل أى خطورة في الوقت الراهن خاصة مع افتقاد أنقرة الخبرات الفنية اللازمة في هذا المجال، لافتا إلى أن ما تقوم من أنشطة غير قانونية في تلك المنطقة لا يعدو شو إعلامى وسياسي، بدليل أنها لم تستطع حتى الآن تحقيق أى نتائج تذكر، وأكد في مكالمة هاتفية أن تركيا لا تمتلك الإمكانات المادية اللازمة لتمويل عمليات الحفر والتنقيب التى تتكلف مليارات الدولارات عندما يتعلق الأمر بالعمل في مياه البحار العميقة، موضحا أن كل ما قيل عن بدء الحفر والتنقيب في الحدود الاقتصادية المزعومة مع ليبيا مستحيل من الناحية العملية لتكلفته الباهظة، ولعدم وجود خطوط نقل الغاز المستخرج ومحطات لاستقباله ومعالجته.
وحول المزاعم التركية بشأن إعادة 39 ألف كيلو متر مربع لمصر كنتيجة لاتفاقها البحرى مع ليبيا قال «ولماذا لم تتحرك تركيا قبل أكثر من خمس سنوات عندما شرعت الدولة المصرية في ترسيم حدودها مع كل من اليونان وقبرص وأضاف قولا واحدا لن تستطيع تركيا المضى في مخططها بشأن البحر المتوسط في ظل تحالف دول منتدى غاز شرق المتوسط، مؤكدا أن كلا من الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة يدعم هذا التحالف لما يحققه من مصالح اقتصادية كبيرة تتمثل في إمداد أوروبا بالغاز، مشيرا إلى أن الاجتماع الأخير للمنتدى عقد في القاهرة بمشاركة ممثلين عن الاتحاد الأوروبى وأمريكا، ما يعنى أنهما لن يقفا مكتوفى الأيدى أمام الأطماع التركية التى من شأنها تهديد الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
انتهى حديث رئيس جمعية مستثمرى الغاز دكتور محمد سعد الدين، بالإشارة إلى الموقف الإيطالى قائلا رغم ما يبدو من توافق إيطالى تركى على دعم ما تسمى حكومة الوفاق إلا أن إيطاليا لن تدعم الاتفاق البحرى بين أردوغان والسراج وستتخذ موقفا مضادا له لما يشكله من تهديد على مصالحها.
أظن أن الجامعة العربية التى سبق أعطت الضوء الأخضر للعدوان على ليبيا مدعوة اليوم للتكفير عن ذنبها باتخاذ إجراءات سريعة لسحب الاعتراف بحكومة السراج وإلزام كافة الدول الأعضاء بطرد سفرائها لمواجهة الخطر التركى والإخوانى الذى يسعى للتمركز على حدود مصر الغربية ليهدد الأمن القومى العربى برمته.