الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

محمد لطفي يكتب: السينما والشباب.. تساؤلات مشروعة ونظرة جديدة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحول المركز القومى للسينما طوال العقود الماضية، من مؤسسة تمثل عقل وفؤاد هذه الصناعة العملاقة إلى مجرد كيان مهلهل لا دور ولا أهمية له، يغرى وجوده الهش كل من هب ودب على أن يصول ويجول فى سوق السينما، رأينا من يحتكر دور العرض، ويغرقنا بأفلام المقاولات، ومن بعدها أفلام المخدرات، ثم أفلام البلطجة، بل وينهب تراثها ويهرب أفلامها وكلاسيكياتها دون أن تطرف له عين، دون رادع من الدولة التى تخلت عن السينما وألقتها فى الطريق العام بعد أن أسندت مهمة إنقاذها إلى هذا الشيخ العجوز الهرم الخرف «المركز القومى للسينما».


هذا الوضع المؤسف للمركز، لم يعد يناسب السينما المصرية العريقة التى فرضت نفسها على الوطن العربى كله، قبل أن تنسحب من مجال المنافسة وتتقوقع على نفسها، بعد إغلاق المؤسسة المصرية العامة للسينما، التى أنتجت روائع الأفلام وكلاسيكيات الأعمال الخالدة ومن ثم شكلت وجدان الشعوب العربية، فقد بُحت أصوات السينمائيين والمثقفين من المطالبة بالاهتمام بالفن السابع، ولا مجال لتحقيق ذلك إلا بإنشاء كيان حقيقى يمثل الصناعة فى داخل مصر وخارجها، ويرسم السياسات السينمائية ويضع رؤية حقيقية لتطويرها وتوظيف إمكانياتها، وحفظ تراثها، كما هو موجود فى كل دول العالم المتقدمة منها والنامية، ولك أن تعلم أن العراق وسوريا وتونس وغيرها من الدول العربية أنشأت مؤخرا مراكز سينمائية قوية لها دور مميز ناهيك عن المركز السينمائى المغربى الذى نجح فى تحقيق إيرادات تخطت ٧٣١ مليون درهم العام الماضي، وأكد صارم الفهري، المدير العام للمركز السينمائى المغربي، أنه يصقل مهارات شباب السينمائيين على ولوج سوق العمل بالقطاع السينمائي، بمنحهم فرصا للتدريب حسب التخصصات بتنسيق مع شركات الإنتاج، على عكس ما يحدث لدينا تماما، ما سنتطرق له خلال السطور التالية..
من هنا لنا أن نتساءل لماذا لا يتم تحويل المركز القومى للسينما إلى هيئة ذات كيان مستقل قادرة على أن تقود الصناعة وفق الآليات الجديدة للسوق، مثل دعم الإنتاج وتسهيل التصوير وحماية الملكية الفكرية، بدلا من تبعيتها لقطاع الإنتاج الثقافى، وهو وضع مغلوط يغل يد رئيس المركز فى اتخاذ أى قرار مالى أو إدارى إلا بعد الرجوع إلى رئيس قطاع الإنتاج الثقافى، وعادة ما يكون شخصية مسرحية، ويختلف تخصصه عن السينما اختلافا كبيرا، ولهذا فلا يوجد أى أهمية من وراء هذه التبعية إلا تعطيل دورة العمل فقط، وسط إصرار لا أعلم مصدره على تهميش دور المركز وبالتالى دور السينما والقوى الناعمة المصرية.
وحسب معلوماتى فإن مشروع إنشاء هيئة السينما موجود ومنته والسينمائيون يدعمون تطبيقه بكل قوة، وقد وافقت عليه اللجنة الوزارية لتطوير السينما، كما نال ثقة السيد رئيس الوزراء، إلا أنه أصيب بالسكتة الدماغية وتوقف فجأة وكأنه كان حلما من خيال فهوى وأصبح الحديث يقتصر على إنتاج أفلام قصيرة وتسجيلية، وفى هذا الصدد فإننى لا أعفى وزراء الثقافة المتتابعين من المسئولية، فقد رأينا تحويل صندوق التنمية الثقافية من إدارة مركزية إلى قطاع كبير، فى غفلة من الزمن ودون أى جهد يذكر، فى عهد الدكتور صابر عرب، على الرغم من أن صندوق التنمية يضع يده على إدارة سينما الهناجر والمهرجان القومى للسينما، ولو كان لدينا كيان سينمائي قوي لما سمح بالتفريط فى قاعة السينما الذى يقيم فعالياته بها وكأنه ضيف ثقيل، فضلا عن انتفاء صفته فى إدارة المهرجان القومى للسينما أو مهرجان القاهرة السينمائى أو أى فعالية سينمائية إلا مهرجان الإسماعيلية السينمائى الدولي، وإنتاج بضعة أفلام قصيرة كل عام.
وقد تفاءلنا خيرا بانتداب الدكتورة سعاد شوقى رئيسا للمركز القومى للسينما، خاصة أنها أحد الوجوه الجديدة على الساحة الثقافية ولم يكن لها نشاط يذكر أو تجارب إدارية معروفة للوسط الفنى يمكن تقييمها من خلالها، ولذا كان الانتظار لما ستعبر به «شوقي» عن نفسها هو الحل الأمثل، آملين أن تنجح فى أن تضع هذه المؤسسة فى وضعها الصحيح.
لم يدم الانتظار طويلا؛ وبدأت رئيس المركز القومى للسينما الجديد، بقرار صادم ومفاجئ لكل المتابعين للشأن السينمائي، يقضى بإلغاء وحدة دعم أفلام الشباب «السينما المستقلة» ونقل مهامها إلى الإدارة العامة للإنتاج.
حاولت سعاد شوقى أن تحمى نفسها وقرارها المفاجئ وغير المدروس – من وجهة نظرى – فأصدرت بيانا أكدت خلاله أن هذا القرار يأتى فى إطار توجيهات وزيرة الثقافة، بشأن ضرورة دعم وتنمية الشباب والاستفادة من إبداعهم، ولم أدر لماذا تزج باسم الوزيرة فى هذا القرار أو كيف سيتم دعم الشباب إذا كان قرارها يقضى بإلغاء وحدة دعم أفلام الشباب المستقل؟!
لم يقف البيان عند هذا الحد؛ وإنما أكد أن هذا القرار يحقق مبدأ تكافؤ الفرص بين شباب السينما، وكأن وحدة دعم السينما المستقلة كانت تمنع تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص!

تحدثت للدكتورة سعاد شوقي، عبر الهاتف، لأفهم منها سر قرارها الغريب، فأكدت أن الهدف من ورائه أن يتم إنتاج أفلام دعم الشباب المستقلين بمعرفة إدارة الإنتاج باعتبارها الإدارة المسئولة عن إنتاج الأفلام بالمركز، على أن يتم تلقى السيناريوهات الخاصة بتلك الأفلام وعرضها على لجنة مشكلة من كبار كتاب السيناريو وكبار المخرجين من السينمائيين المتخصصين بالمركز تمهيدا لاختيار الأفضل والمتميز منها والذى يستحق أن يحصل على الدعم المادى واللوجستى من المركز القومى للسينما، وهو كلام عظيم على المستوى النظرى فقط، أما على المستوى العملى فالأمر مختلف تماما.
دارت المكالمة بيننا لمدة عشر دقائق على الهاتف، حاولت أن أقنعها بضرورة التراجع عن قرارها، ولكنها أصرت أن تقنعنى بأن قرارها صحيح مائة بالمائة، وأنها فى طريقها لإنتاج الكثير من الأفلام المهمة وأن المركز يفتح ذراعيه للشباب ليحقق حلمه فى السينما، سألتها عن سر تفاؤلها ومن أين ستأتى بميزانية دعم هذه الأفلام طالما تتحدث بهذه الثقة؛ أكدت أن لديها فائض مالى فى الموازنة يمكنها من دعم الأفلام وأن وزيرة الثقافة وعدتها بتوفير كل الأموال التى تريدها لإنتاج كل الأفلام التى تستحق الدعم، ولنا هنا أن نتساءل عن صحة هذا الطرح؛ هل ستسمح ميزانية الدولة المثقلة بالأعباء أن تتحمل عدة ملايين لإنتاج أفلام قصيرة الفترة المقبلة؟ وإذا كان المستقلون لا يريدون تمويلا نقديا وإنما دعما لوجيستسا بالمعدات فلماذا يصر المركز على أن يكلف الوزارة؟ وإذا عزمت الوزارة على دعم رئيسة المركز الجديد فلماذا لم يتم ذلك خلال الأعوام الماضية؟ وكيف سيتم توظيف الملايين الجديدة؟
على جانب آخر أكدت رئيس المركز أيضا أن قرارها جاء بعد مشاهدتها عدة أفلام من إنتاج الوحدة المستقلة، لم تنف جودة بعضها ولكن مشكلتها كانت مع بعض الأفلام الرديئة على المستوى الفني، وهو أمر منطقى ومفهوم وله ما يبرره فى التجارب الأولى لأغلب السينمائيين الذين يسعون إلى تلافى أخطائهم فى الأعمال التالية لهم، كما فعل المخرج الكبير عاطف الطيب، الذى يشكل نجما فى سماء السينما الواقعية، وكانت مشكلة رئيس المركز أن هذه الأخطاء جاءت من أشخاص ليسوا أكاديميين، وكأن الموهوبين الذين لم يوافقهم الحظ فى القبول بالمعهد العالى للسينما، ليس لهم الحق فى ممارسة العمل السينمائي، وهنا أيضا لنا أن نتساءل عما ستخسره الوزارة إذا ما صور أحد الشباب فيلما قصيرا وخرج بشكل غير جيد؛ هل يمكن أن نتعامل مع معدات التصوير السينمائى التى يمتلكها المركز باعتبارها «الصينى الذى يزين النيش» ولا يجوز الاقتراب منه؟ أليس عمل شاب فى مقتبل العمل بالفن يحميه فيما بعد ويحصنه من الانجراف إلى التيارات الظلامية، حتى لو لم ينتج شيئا عظيما؟ أليست الفنون وجهات نظر يختلف فى تقييمها النقاد والجمهور؟ ما الضمانات التى يمكن أن تقدمها رئيس المركز إذا تعنتت إدارة الإنتاج فى استقبال أفلام الشباب المستقلين فيما بعد؟
لو كان الأمر بيدى لألغيت إدارة الإنتاج بكل ما تحمله من أوزار الماضى ومآسى البيروقراطية، وفتحت المركز على مصراعيه للشباب يقدمون أعمالهم وإبداعهم بكل حرية طالما تتفق والسياسات العامة للدولة، كما يحدث فى المغرب على سبيل المثال وهو ما أكده «الفهري» كما ذكرنا، فهم الأمل والمستقبل وبهم تتقدم السينما وينهض المجتمع، وأعلم أن حديثى به بعض الشطط إلا أننى أسأل ضمير المسئولين ماذا استفدتم من هذه الإدارة منذ إنشائها وحتى الآن سوى تقديم أفلام متواضعة لا يراها سواكم، ولا تخرج عن مخازنكم، ولا تشارك إلا فى مهرجاناتكم، ولا تفوز إلا بجوائزكم، مع استثناءات قليلة بطبيعة الحال، والأعمال الناجحة معروفة للجميع لأنها فرضت نفسها على الوسط الفني.
خلاصة القول أتمنى من المسئولين عن المركز القومى للسينما وغيره من مؤسسات ثقافية، السعى لتغيير فلسفة التعامل بمنطق شمولى مع الفنون لأن هذه المؤسسات ملك للمجتمع والشباب وليست ملكا لمن يديرها، كما أن الدولة لا ينبغى أن تنتج للشباب وإنما يقتصر دورها فيما أفهم على تقديم يد العون بالدعم اللوجيستى مثل كاميرات التصوير وعمليات المونتاج وغيرها حتى لا يرتكن الشباب عليها باعتبارها بابا وماما كما كان يتم فى أوقات سابقة لم يعد يتناسب مع الوقت الحالي، وهنا ما زال الكثير من الأسئلة تفرض نفسها علينا، هل يمكن لرئيس المركز أن تتراجع عن قرارها بإلغاء وحدة دعم الأفلام المستقلة باعتبارها حلقة الوصل بين المركز وبين الشباب أم أنها ستظل متمسكة بقرارها إلى النهاية؟.
لا أريد أن أصادر على حرية رئيس المركز الجديدة فى تنفيذ رؤيتها كاملة لإدارة هذه المؤسسة المهمة، وإن كنت أتمنى أن تبدأ رحلتها بقضايا كبرى مهمة تسعى خلالها لهيكلة المركز بدلا من التفرغ لقضايا فرعية تخصم من رصيدها قبل أن تبدأ مسيرتها، وكان ينبغى أن تنحاز للشباب ولإبداعهم، فالأمر فى المركز القومى للسينما يختلف عن التدريس فى أكاديمية الفنون، حيث ينتقل الطلبة من موقع التعلم إلى موقع الزمالة.
كما أتمنى على الدكتورة إيناس عبدالدايم وزير الثقافة، وهى لا تدخر جهدا فى الارتقاء بالمؤسسات التابعة لها أن تسعى بكل ما أوتيت من قوة لدى الجهات المعنية لإحياء ملف تحويل المركز القومى للسينما إلى هيئة أو قطاع إدارى كبير له كل الصلاحيات لتمثيل الفن السابع فى مصر حتى نشهد نهضة سينمائية حقيقية، بدلا من أن يأتى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى ولا نجد فيلما يليق بتمثيل مصر فى المسابقة الرسمية كما حدث هذه الدورة.