الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ممالك النار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«ممالك النار» مسلسل يذاع حاليا على إحدى القنوات الفضائية، يتناول حقبة مهمة في التاريخ المصرى التى شهدت انتهاء حكم المماليك وبداية حكم العثمانيين، فقد فوجئ كثير من المصريين، والعرب أيضا، بدموية «سليم الأول» في المسلسل، وهو عكس ما كان يروج له في التاريخ الذى يكتبه المنتصرون دائما، من أن الغزو العثمانى للدول ومن بينها مصر بالطبع، يعد فتحا عظيما، وتبشيرًا بإحياء الخلافة الإسلامية، في تزييف وقح للوعى العام للأمتين الإسلامية والعربية.
تزوير التاريخ كارثة، وصَدّر زيفا، وروج لأكاذيب، وشوه حقائق، وأسهم في تغيير المفاهيم، جعل من العثمانيين الغزاة القتلة، فاتحين ومنقذين للشعوب، ومبشرين بالدين الإسلامى، وكأن مصر بلد الأزهر، تحتاج لقاتل مجرم «سليم الأول» ليفتتحها ويبشر بالإسلام فيها..!!
لم تكن جرائم السلطان العثمانى سليم الأول، سواء بقتل أهله، أو المجازر التى ارتكبها في الدول التى احتلها جيشه، إلا حالة معبرة عن إجرام العثمانيين وتعطشهم للدماء، وإقامة دولة كبرى تسيطر على العالم تحت زعم إحياء الخلافة الإسلامية، والحقيقة الهدف استعمارى توسعى والسيطرة على ثروات ومقدرات الشعوب المختلفة..!!
العثمانيون بجانب أنهم قتلة مجرمون، فإنهم روجوا للأكاذيب والفبركة والسحر والشعوذة في تدشين تاريخهم، وتحسين صورهم، واختلقوا قصصا أسطورية وشخصيات وهمية ناضلت لتأسيس الدولة العثمانية، مثل شخصية «أرطغرل»؛ حيث زوروا التاريخ بأن «أرطغرل» ابن سليمان شاه، المؤسس الحقيقى للدولة العثمانية، وأنه عاش في الفترة ما بين 1191 و1281.
مؤرخو تلك الفترة، لم يذكروا اسم أرطغرل، سواء المؤرخ البيزنطى جرجس باشيميرس المولود عام 1242 والمتوفى عام 1310، أو الرحالة ابن بطوطة المولود عام 1304 والمتوفى عام 1377، بجانب الإمبراطور والمؤرخ البيزنطى يوحنا السادس قانتاقوزن المولود عام 1292 والمتوفى عام 1383.. كل هؤلاء لم يدونوا حرفا واحدا عن شخصية «أرطغرل» في كتب التاريخ، بل اتفق معظم المؤرخين في العصور الحديثة والمعاصرة بأن «أرطغرل» شخصية خيالية شبيهة بالأساطير ليس لها وجود، وأن الأتراك يتاجرون بها الآن.
تأسيسًا على ذلك، فإن كل التاريخ العثمانى، وبطولاتهم ودفاعهم عن الإسلام، مجرد خيال وسراب، ولا يمت للحقيقة بصلة، وأن كل السلاطين العثمانين، دمويون، ويبحثون عن جمع المغانم والسلطة فقط حتى ولو على جثث أبنائهم وأشقائهم وآبائهم، وأن ما فعلوه في مصر على يد الجزار سليم الأول، فعل أكثر منه فخرى باشا في المدينة المنورة، مدينة رسول الله، حيث ارتكب جرائم يندى لها الجبين، وتتعارض مع تعليم وقيم الدين الإسلامى، ونسأل مهابيل إسطنبول، هل مدينة رسول الله تحتاج إلى فتح عثمانى للتبشير بالإسلام كما يزعمون..؟!
فخرى باشا، وبأوامر من السلطان العثمانى، قتل ونكل بأهالى المدينة المنورة وطرد معظمهم، وتسبب في مجاعة، دفعت بمن تبقى من السكان إلى أكل القطط والحشائش، وانتشرت الأمراض والأوبئة التى عجلت بوفاة المئات.
العثمانى القاتل «فخرى باشا» أمر جنوده البالغ عددهم 70 ألف جندى، مجهزين بالأسلحة الخفيفة والمدفعية الثقيلة، بطرد سكان المدينة، واقتحام منازلهم وخطف أطفالهم وطرد الرجال بالقوة، وتهجيرهم لخارج المدينة عبر قطارات سكة حديد الحجاز، بينما تحصن هو وجنوده داخل المدينة بعد اندلاع الثورة العربية الكبرى ضد الحكم العثمانى.
ونتيجة الحصار، والطرد والموت جوعا وتفشى الأوبئة، خلت المدينة من السكان تمامًا، ولم يبق فيها سوى الجيش العثمانى، ووصف عدد كبير من المؤرخين «فخرى باشا» بالقاتل الوحشى، وكيف أنه وظف جيشا كبيرا تجاوز 70 ألف جندى في التنكيل بأهالى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. 
إجرام العثمانيين كان وحشيا ويتقاطع مع كل المبادئ والقيم الدينية والإنسانية، وفى حق كثير من الشعوب، وما من وطن احتلوه عنوة إلا ونكلوا بشعبه أيما تنكيل، أكثر من تنكيل التتار، فلا عجب أن تجد أردوغان يحمل نفس الأهداف ويمارس نفس الوحشية.
وكما قال عالم الجغرافيا العبقرى الدكتور جمال حمدان، عن تركيا، في كتابه «شخصيات مصر وتعدد الأبعاد والجوانب»: «فربما ليس أكثر من تركيا نقيضا تاريخيا وحضاريا لمصر من الاستبس كقوة «شيطانية» مترحلة، واتخذت لنفسها من الأناضول وطنا بالتبنى، وبلا حضارة هى، بل كانت «طفيلية» حضارية خلاسية استعارت حتى كتابتها من العرب».
ويسترسل جمال حمدان في وصف الدولة المشوهة ومنزوعة الجذور الحضارية والتاريخية، عندما قال نصا في كتابه: «ولكن أهم من ذلك أنها تمثل قمة الضياع الحضارى والجغرافى، غيرت من جلدها وكيانها أكثر من مرة، الشكل العربى استعارته ثم بدلته بالشكل اللاتينى، والمظهر الحضارى الآسيوى نبذته وادعت الوجهة الأوروبية، إنها بين الدول بلا تحامل، الدولة التى تذكر بـ«الغراب» يقلد مشية الطاووس، وهى في كل أولئك النقيض المباشر لمصر ذات التاريخ العريق والأصالة الذاتية والحضارة الانبثاقية... إلى آخره.
الدولة العثمانية، بلا تاريخ، واتسمت بالدموية، واتخذت من الإسلام عباءة تتدثر بها لشرعنة احتلالها وغزوها للدول، والهدف الحقيقى لسلاطين هذه الدولة، التوسع واحتلال الدول والسيطرة على ثرواتها ومقدراتها، وساهمت بقوة في نشر الجهل والتخلف، لدرجة تحريم ماكينات الطباعة واعتبارها رجسا من عمل الشيطان، وتكفير كل من يقتنى أو يعمل على تلك الماكينات، كما جردوا مصر من عقولها المفكرة وصناعها وعمالها المهرة ونقلتهم للأستانة، وساهمت في إدخال بلاد الحضارة والتنوير إلى أنفاق التخلف والجهل المظلمة..!!
وإذا قررت تحليل شخصية الرئيس التركى الحالى «أردوغان»، فستجده صورة بالكربون من القاتل «سليم الأول»، نفس الأهداف والدموية، وكأنه مثله الأعلى، فحلمه إحياء الخلافة الإسلامية وإعادة استعمار الدول باعتبارها إرثا تاريخيا لأجداده، فوجدناه يتدخل في مصر وليبيا والعراق، وارتكب مجازر في الشمال السورى، ويحاول العبث في الخليج.
أردوغان يتخذ من دفاعه عن الإسلام وسيلة لتحقيق أهدافه الاستعمارية، وابتزاز الدول، ويحاول تنصيب نفسه المدافع عن حقوق المظلومين والمقهورين في الأرض، بينما يرتكب كل وسائل القهر والقمع ضد شعبه.
فعلى سبيل المثال، يخرج في العلن يهاجم بضراوة إسرائيل، بينما يقدم لها كل فروض الولاء والطاعة سرا، وعندما يتوجه إلى تل أبيب، يفتتح برنامج الزيارة بالتوجه لمعبد مؤسس الصهيونية، وبينما يدافع عن الإسلام تجده يؤدى طقوس الصلاة في معبد بوذا باليابان، وبينما يعلن أنه حامى حمى المذهب السنى، تجده الحليف الاستراتيجى لإيران التى تتزعم تصدير الثورة الشيعية، ويقاتل «الأكراد السنة» أحفاد صلاح الدين الأيوبى، بوحشية ودموية فاقت وحشية سليم الأول.
وبدأت أهداف أردوغان وحزبه الإخوانى «العدالة والتنمية» لإعادة مصر للتبعية التركية تظهر من جديد، عندما سيطرت الجماعة الإرهابية، والتى تعد أحد الأذرع القوية للعثمانيين، على كل السلطات في مصر، في العام الأسود 2012، وبنى قصرا ضخما، وشكل حرسا يرتدى زيا عثمانيا، انتظارا لتنصيب نفسه سلطانا للمسلمين، بعد ضم مصر وسوريا وليبيا وتونس رسميا كولايات تابعة لتركيا، باعتبارها إرثا تاريخيا، وجزءا مهما من الجغرافية القديمة للدولة العثمانية..!! 
ولم تمر 3 سنوات على الحلم الوردى الذى كان يعيشه رجب طيب أردوغان، إلا وفاق على كابوس ثورة 30 يونيو 2013، التى حطمت أحلامه وأطاحت بها في مزبلة التاريخ، فاتخذ من «عبد الفتاح السيسي» عدوًا وخصمًا أبديًا، وقرر ألا يترك فرصة أو حتى أنصاف الفرص إلا ويستثمرها في الهجوم وتشويه الحقائق عن الأوضاع في مصر.
وأعلن أردوغان حربه ضد مصر وتشويه نظامها السياسى، بشكل فاق الحرب على ثورة 1952 من حيث الوسائل والأدوات والنهج، ومنح الغطاء السياسى لكل الخونة الذى يحملون الجنسية المصرية، ويعيشون على الأراضى التركية، وبتنسيق كامل مع نظام الحمدين، للعبث بأمن واستقرار القاهرة.
ومن هذا المكان، أطالب بضرورة تغيير مناهج التاريخ، سواء في مصر أو الدول العربية، وتصحيح المفاهيم، بأن دخول العثمانيين مصر، كان غزوا واحتلالا مرفوضا، وكان وبالا على بلادنا، وزج بها في أنفاق التخلف المظلمة.