الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مسيرة الديمقراطية.. رؤية فلسفية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتمتعُ كلُّ إنسان - وفق ما أقرّه الإعلان العالمى لحقوق الإنسان - بمجموعةٍ من الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية...إلخ داخل المجتمع الذى يعيش فيه، ويُعَد احترام مثل هذه الحقوق وصيانتها أولى المقومات الرئيسية التى تستند إليها الديمقراطية. والديمقراطية طريقة في الحكم؛ يمارس فيها الشعب السلطة من خلال انتخابه لممثليه في البرلمان باقتراع حر مباشر، سرى عادةً، يشارك فيه جميع المواطنين البالغين سنَّ الرشد. وهذه هى الديمقراطية السياسية، أما الديمقراطية بمفهومها الاجتماعي فتقوم على مبدأ تكافؤ الفرص أمام المواطنين على قدم المساواة، وتسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بينهم دون تمييز أو تفرقة.
وفى كتاب «مسيرة الديمقراطية.. رؤية فلسفية»، يقول مؤلفه المرحوم الدكتور إمام عبدالفتاح إمام: «ستظل المشكلات التى تظهرها الممارسة الديمقراطية كثيرة، لكن علينا مواجهتها، والتصدى لحلها، لأن البديل عن الحكم الديمقراطى هو الاستبداد – أيًا كان نوع هذا الاستبداد – وهو عبارة عن قضاء على إنسانية الإنسان». (إمام عبدالفتاح إمام، مسيرة الديمقراطية.. رؤية فلسفية، دار زويل للنشر، القاهرة، 1999، ص 96). 
في هذا الكتاب يوضح المؤلف مفهوم الديمقراطية، وكيف يختلف مفهومها من مجتمع إلى آخر، ويعرض مسار الديمقراطية عبر العصور التاريخية المختلفة، موضحًا رؤية بعض الفلاسفة لطبيعة العلاقة القائمة بين الحرية والديمقراطية، ومستخلصًا المقومات الرئيسية للديمقراطية. إن الديمقراطية لم تتخذ في مسارها الطويل شكلًا واحدًا ثابتًا لا غير، فالمبادئ التى تقوم عليها كالحرية والعدالة والمساواة.. إلخ، هى وحدها الثابتة التى لا تتغير، لكنها تشكلت وتغيرت مع طبيعة المجتمعات وثقافتها وتراثها؛ لهذا اختلفت الديمقراطية الإنجليزية – كثيرًا أو قليلًا – عن الديمقراطية في الولايات المتحدة، وهذه عن صورتها في فرنسا أو إيطاليا أو ألمانيا...إلخ. 
ونحن في استطاعتنا أن نختار، في العالَم العربى بصفة خاصة، والعالَم الثالث بصفة عامة – شكلًا ديمقراطيًا خاصًا، شريطة المحافظة على المبادئ الديمقراطية الأساسية. (مسيرة الديمقراطية، ص 18.) 
وتُعْرَف الديمقراطية منذ بداية نشأتها عند اليونانيين القدماء وحتى يومنا الراهن بأنها «حكم الشعب»، وقد أوضحَ الدكتور إمام في كتابه «مسيرة الديمقراطية.. رؤية فلسفية»، أنَّ هناك مفهومين أساسيين لكلمة «الشعب»: الأول اجتماعي، والثانى سياسي. و«الشعب» بمفهومه الاجتماعي يشمل جميع الأفراد الذين ينتمون لدولة ما، أى: النساء، والأطفال، والرجال، والمجانين، والمساجين، ومن إليهم ممن فقدوا الأهلية السياسية، أما الشعب بمدلوله السياسى فلا يمتد إلى كل هؤلاء، بل يقتصر على مَنْ لهم حق مباشرة الحقوق السياسية. وإذا كنا نقول إن الشعب في الديمقراطية هو صاحب السلطة ومصدر السيادة، فإن ذلك ينصرف إلى الشعب بمدلوله السياسى فقط، أى مَنْ لهم حق الانتخاب وهم «هيئة الناخبين». 
توجد بعض المعوقات التى تعترض سبيل تحقيق الديمقراطية في أى مجتمع من المجتمعات، ومن أمثلة هذه المعوقات: الفقر، والأمية، والتطرف الفكري، وضعف القوى السياسية المحلية، وتدنى المشاركة الاجتماعية. 
فلا شك أن الفقر يؤثر سلبًا في مسيرة تحقيق الديمقراطية بالمجتمع، حيث إن الضائقة المالية التى يتعرض لها الفرد، وضعف قدرته على تلبية احتياجاته الرئيسية، وإشباع مطالبه تجعل تركيزه منصرفًا في البحث عن مصادر للدخل بصرف النظر عن أى اعتبار آخر. هذا فضلا عن أن ضيق ذات يد المواطن وعوزه يساهم في انتشار ما يُعْرَف بظاهرة «شراء الأصوات» في أية انتخابات.
كلُّ هذا يُعَدُّ من الأسباب الرئيسية لانتشار الجهل، وضعف الوعى الاجتماعي لدى الأفراد، وهو الأمر الذى يعترض سبيل تحقيق الديمقراطية. فالمواطن الأمى - في الغالب - يفتقد الوعى بحقوقه داخل المجتمع، ويعجز عن فهم ما يدور حوله من أحداث، وما يترتب عليها من قضايا ومشكلات، الأمر الذى يجعل مشاركة هذا المواطن الأمى محدودة، ولا يبالى بالأمور السياسية أو بحركة التغيير الاجتماعي. 
إن الديمقراطية في جوهرها حرية، وتسامح، واحترام لحرية وحقوق الآخر، لذا فالتطرف يُعَدُّ عائقًا أساسيًا في طريق تطبيقها، لأن الشخص المتطرف يكون في العادة مغاليًا في فكره، متعصبًا، ومفتقدًا للاعتدال، يرى دائمًا أن رأيه هو الصواب، ورأى غيره خطأ، الأمر الذى يدفعه دفعًا للتمييز بين الأفراد على أساس الدين أو العرق أو غير ذلك من أسباب التمييز العنصرى الأخرى، وهذا في حد ذاته ضد الديمقراطية. كذلك يؤدى ضعف منظمات المجتمع المدنى إلى إعاقة الديمقراطية بشكل صحيح، ويُقْصَد بمنظمات المجتمع المدني: الجمعيات والنقابات والكوادر، والمؤسسات المحلية المسئولة عن العمل الديمقراطى داخل المجتمع. إن ضعف مثل هذه القوى، وتدنى ممارستها لدورها، وعدم وجود أنشطة حقيقية لها على أرض الواقع؛ يُعَدُّ عائقًا من معوقات تحقيق الديمقراطية بالمجتمع.
يرى المؤلف أنه وفقًا لمفهوم الديمقراطية تصبح الدولة هى دولة كل الشعب، لا دولة فرد، ولا دولة فئة، ولا دولة طبقة. إنها دولة من يعيشون في جماعة واحدة، ويسهمون في بنائها، ويشتركون في إنتاجها، ولا بد أن يشاركوا أيضًا في عائد هذا الإنتاج بقدر ما قدمه كل مواطن من عمل. كذلك فإن مفهوم الحرية الإيجابية في القرن العشرين يقر بحق الناس في اعتناق ما يؤمنون به، وحقهم في التعبير عما يعتقدون ما داموا يعبرون عن معتقداتهم بطرقة سلمية. (مسيرة الديمقراطية، ص 72)
كما أكد إمام عبدالفتاح أن المساواة السياسية تمثل هدفًا رئيسيًا للديمقراطية، وتستهدف المساواة إتاحة الفرصة أمام المواطنين في حكم بلدهم بوصفهم موجودات سياسية متساوية. 
غير أن المساواة في الديمقرطية مثلها مثل أية فكرة فلسفية أخرى لم تظهر دفعةً واحدة، لكنها كانت تتحدد وتتضح خلال مسيرة الديمقراطية، فعلى الرغم من أن «جون لوك»، مثلًا، كان يقول: «إن البشر يتساوون جميعًا» فإنه كان يقصد الرجال فحسب، فهم وحدهم أطراف العقد الاجتماعي. كما ذهب «روسو» - مثلما ذهب أرسطو من قبل - إلى أن النساء غير مؤهلات للاشتراك في العمل الديمقراطي. ولم تظهر فكرة المساواة بين الجنسين إلا مع «جون ستيوارت مل» في القرن التاسع عشر. 
وهكذا كافحت البشرية طويلًا كى تحقق الشعار الديمقراطى الرائع: 
«لا تمييز بسبب اللون، أو الجنس، أو الدين». (مسيرة الديمقراطية، ص ص 79 – 80).