الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

حصاد بلون الدم.. 16 جريمة بشعة هزت المجتمع في 2019

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أصبحت الجرائم في وقتنا لا تسفك دماء الإنسان فقط، إنما تقطع دماء الصلة والقرابة، ففى عام ٢٠١٩ وعلى أعتاب عام جديد رأينا العديد من أشكال الجريمة، فهذا يقتل زوجته وأطفاله وهذا يغتصب رضيعة ويقتلها، وآخر يقطع زوجته لأشلاء أمام أعين أطفاله، وأم تقتل أطفالها والزوج يصور، وأشخاص يظهرون في صورة بشر، ولكنهم في حقيقة الأمر خلعوا عنهم عباءة البشر والإنسانية والأخلاق وتحولوا إلى قطيع من عديمى المروءة والرحمة، لم يرعوا في قريب أو صديق أو جار حرمة أو عشرة، لم ترق قلوبهم لاستغاثة أو صراخ أو فزع في عيون من لا حول لهم ولا قوة، اتبعوا غواية الشيطان فوقعوا في براثن الجريمة العفنة في أبشع صورها.



الجميع يحتفلون بليلة رأس السنة، وهناك طبيب لا يعمل لاستعادة الحياة، وإنما يعمل على سلبها بقتل زوجته وأطفاله الثلاثة في شهر يناير عام ٢٠١٩ في كفر الشيخ.

وبينما يسهر حراس العقارات لأمن وحماية سكان العقار كان هناك حارس عقار ينصب الفخاخ ويضع الكمائن ليوقع فريسته وهى طفلة في عمر الزهور ليغتصبها ويقطف تلك الزهرة ويقتلها في فبراير٢٠١٩ في منطقة ناهيا.

لا يتصور عقل أن الزوج الذى يعرق ويكد لإطعام زوجته وأولاده لتوفير حياة كريمة لهم أن يتحول إلى جزار يقطع جسد زوجته بلا رحمة أمام أعين أولاده ليروا أبيهم قاتلا وأمهم مقتولة، ولم يكتف بذلك بل أضرم في أشلائها النيران ثم ألقى بها في مياه الصرف، وهذا ما حدث في مارس ٢٠١٩.

وإن كانت الرحمة في الأرض صفة تعرف طريقها جيدًا لقلوب الأمهات، إلا أن الأمومة قد تغيب تمامًا عن هذه الأم التى قتلت أطفالها الثلاثة ويقوم الزوج بالتوثيق بفيديو للجريمة في مارس ٢٠١٩ بالمرج.

وإن كان فقد الخراف أقوى على الإنسان من روح أخيه الإنسان، فهنا يتحول الإنسان إلى أداة تعذيب لطفل داخل عشة كما فعل راعى أغنام بداعى أن الطفل سرق ثلاثة خراف حتى فاضت روحه جراء التعذيب الوحشى في أبريل ٢٠١٩ بأبوالنمرس.

وقد يعرف الكبار الجريمة من كثرة ما رأوها وسمعوا بها أما الأطفال فمن أين عرفوا ارتكاب مثل هذه الجرائم؟ فهذان طفلان يعتديان جنسيا على طفلة ثم يقتلانها بقطعة رخام في أبريل ٢٠١٩ في كرداسة.

بعقل وبدون عقل يتم ارتكاب الجرائم فلا فرق بين من هو في كامل قواه العقلية وبين المختل عقليا الذى ذبح إمام مسجد أثناء صلاة الجمعة في أبريل ٢٠١٩ في الهرم.

بشاعة الجرائم تتفاقم وتزيد سوداوية عندما نرى فتاة مهتزة نفسيا تقتل والدتها ثم تذبح فوق جثتها قطة كما حدث في مايو ٢٠١٩ في منطقة الزيتون.

وليس كل هدف القتل هو سلب الروح من صاحبها ففى بعض الأحيان يكون القتل في ذاته ليس شافيا لصدر القاتل، فبعدما قتلت زوجها سددت له ١٦ طعنة ثم تخلصت من جثته بمساعدة ابنة خالتها في يونيو ٢٠١٩ في القليوبية.

أما الخيانة فإثم وسبيل لارتكاب الجريمة فهذه سيدة تتفق مع عشيقها لتقتل زوجها الضابط المتقاعد وتنفذ جريمتها فوق سطح المنزل في يوليو ٢٠١٩ بمدينة بالسلام.

ومن أجل المال تزهق الأرواح ويقتل الصديق صديقه بل يفصل رأسه عن جسده ليستولى على ٥٠٠ ألف جنيه فتصبح الصداقة بالقتل والسرقة في أغسطس ٢٠١٩ بالإسكندرية.

الرحمة تنتزع من القلوب انتزاعًا والجدة تعذب حفيدتها فهل أخطأوا حين قالوا «أعز الولد ولد الولد» أم أن كل شيء تغير والجدة عذبت حفيدتها حتى الموت في سبتمبر ٢٠١٩ بالمنصورة.

وفى وضح النهار وفى وسط الشارع يفر الصديق من صديقه الذى يطعنه غدرا وعدوانا ويموت راجح على إثر ثلاث طعنات وجهها له البنا في أكتوبر ٢٠١٩ بالمنوفية.

الأب يتجرد من أبوته ويستبد قلبه بقطعة صخر ليمزق جسد ابنه ويضعه في أكياس بلاستيك في أكتوبر ٢٠١٩ بالإسماعيلية.

ارتكاب الجريمة أخذ صورًا لم يعهدها المجتمع من قبل، فلم يكتف طفل عمره ١٧ عامًا بذبح زوجة عمه، بل قتل طفلتها ثم ألقى بطفلها من أعلى سطح البيت كل ذلك لأنها اتهمته بالسرقة في أكتوبر ٢٠١٩ في أبوالنمرس.

ومن أجل ثمن التذكرة تقف حياة راكب القطار عند محطته الأخيرة بالحياة، فبدلا من أن ينزل على رصيف المحطة يكون مصيره الموت بالسقوط أسفل عجلات القطار أثناء سيره ويموت ضحية الكمسرى الذى أجبره على النزول لتهربه من دفع ثمن التذكرة في أكتوبر ٢٠١٩ بطنطا.

تتعدد صور الجريمة وتتنوع في أبشع صور لا يتصورها عقل بشري، ولا ترتبط الجريمة بمكان دون آخر ففى كل مكان تقع أبشع الجرائم، وتختلط الأسباب وتغيب الحقائق لتأخذنا إلى حقيقة واحدة، وهى أن هناك قاتلا فقد كل درجات الإنسانية، وهنا مقتولا غابت روحه عن الحياة وينتظر القصاص في الدنيا أمام القضاء وفى الآخرة أمام الملك العدل.

وعلى أبواب رحيل سنة ٢٠١٩ كان لا بد من التساؤل والبحث عن هذه الجرائم التى ارتكبت على مدى السنة مما يضع الجميع أمام السؤال، لماذا وصلنا إلى هذه الحالة من العنف؟ ولماذا انتشرت الجرائم البشعة بهذا الشكل؟ وما الحلول التى لا بد من أن يتكاتف الجميع لوضعها؟ هذا ما نطرحه في السطور التالية.


تغيرت العادات والتقاليد بسبب التكنولوجيا

يوضح اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أنه حتى نزن الأمر في نصابه الصحيح نقول إن المجتمع حدث فيه تغيرات عديدة نتيجة النت والإعلام والتليفزيون والأقمار الصناعية، حدث تطور في المجتمع المصرى تغيرت عاداته وتقاليده وتغير العلاقات الاجتماعية بين الناس، نتيجة تطور في الأشياء المحيطة بالمجتمع، ومع عدم الوعى نصل إلى نتائج بشعة نراها من ظواهر إجرامية وعنف حولنا، وإذا لم نتدارك ذلك لأصبحنا مثل بعض البلاد الذين يقوم بها أفراد نتيجة لسوء وعى ظنا منهم بأن هذا هو التقدم والحداثة، ولهذا فإن الأحياء الجديدة والأماكن المستجدة يجب أن توضع بها كاميرات ويجب أن يكون هناك قانون يلزم أصحاب العمارات والمحلات بتركيب كاميرات بالاشتراطات التى يتطلبها الأمن بالزوايا وطريقة تركيب الكاميرا تكشف من يترددون على الأماكن بدون وجه حق، وينص هذا القانون على نوع الكاميرات وجودة هذه الكاميرات، لأن البعض لا يدركون أنهم يرتكبون جرائم في حق أنفسهم بتركيب كاميرات رديئة كمظهر فقط، وعندما نصل إلى وضع الكاميرات ويعمم ذلك على مستوى الجمهورية.

ويشير إلى أن الجرائم الأسرية والخاصة بذات القربى والمجنى عليهم من الدرجة الأولى والثانية فهذا الانحلال الذى أصاب المجتمع نتيجة التردد على المواقع الإباحية والقنوات الأجنبية التى تبث لنا السموم على اعتبار أن هذا من التطور الاجتماعي وهذا بقصد تحطيم المجتمع من الداخل، فوجدنا من يقتل زوجته ومن يقتل أخاه ومن يقتل أبناءه لأسباب تافهة فترتب عليه ما رأيناه من جرائم بشعة.


علماء اجتماع: العنف أصبح متأصلًا في المجتمع

تؤكد سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أنه عندما نتكلم عن المشكلات المجتمعية لا يمكن أن نشير إلى عنصر واحد، فالكلام عن المجتمع يعنى أن هناك عددا من العناصر تشترك جميعها في توليد هذه الجريمة، فوجود المشكلة الاجتماعية ينبه إلى أن هناك عددا من العناصر تتكون مع بعضها تؤدى إلى هذه الأمور المنحلة التى أصبحت مؤذية جدا للمجتمع ومشاعر المجتمع المصري، أول شيء ينبغى معرفته وذكرته لمفيد فوزى منذ عشرين سنة وهو المشكلة السكانية، ففى الصين يتم إجهاض المرأة إذا كانت حاملا في الطفل الثاني، في سويسرا انصرفوا عن الإنجاب، لأن الزحام يقلل من خيرات الأرض، كلما كان عدد السكان كبيرا تقلصت مصادر الدخل واضمحلت الخيرات، وأصبحت هناك عملية ضيق حتى في التنفس.

وتوضح أنه خلال الفترة الأخيرة حدثت تنمية لم تحدث منذ فترة محمد على، تنمية في كل شيء، ولكن في غمرة هذه التنمية ابتعدنا عن بناء الإنسان المصري، لم نهتم بتطوير ماسبيرو الذى كان يسهم في بناء الإنسان المصرى في مسلسلات مثل «رأفت الهجان وضمير أبلة حكمت وبابا عبده»، كان ينبغى أن تتوازى تنمية الدولة المصرية مع تنمية الإنسان المصري.

وتشير إلى أن الدراما أسهمت بشكل كبير في زيادة الانحلال الأخلاقى للمجتمع، وهناك كلمات تقال في الدراما أستحى من ذكرها، أين البرامج التى كنا نشاهدها تزرع فينا القيم الجميلة، هذه ثقافة للأسف حدث لها الكثير من التوارى وحلت مكانها ثقافة غريبة علينا وبدأ يظهر منتجون يعملون في الطوب واللحمة، ونحن الآن أصبحنا أمام ضرورة ملحة لزيادة دور الأسرة التربوى تجاه الأبناء، ولكن الأسرة انشغلت عن تربية الأبناء، وافتقدت الهوية والتنشئة بشكل غير مسبوق في هذه الفترة، ولدينا من الإمكانيات والمواهب والعقول ما يتيح لوجود مناخ صحى وإيجابي، فهذه الجرائم من صنع أيدينا نحن بنشر قيم وسلوكيات غريبة علينا.

وتلفت إلى أن الاهتمام بالشباب ضرورة ملحة فالمجتمع ٦٠٪ منه شبابا، أما الاقتصاد بدون أخلاق فليس له قيمة، فكما يتم الاهتمام بالاقتصاد لا بد من الاهتمام بالشباب، فالشباب اتجه للتعاطى وافتقد الانتماء والشعور بالهوية ودفء الأسرة ومعرفة الدين الصحيح، فهذا دور كبير يقع على عاتق المجتمع لا بد من التوعية الثقافية ونشر القيم واستعادة هوية المجتمع المصري.

ويفرق سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماعي السياسى بالجامعة الأمريكية، بين جرائم ضد الأشخاص وجرائم ضد الممتلكات، ويوضح أن الجرائم ضد الأشخاص من أسبابها الازدحام، فأصبح الجميع لديه ميول عدوانية وقل الذوق والتعامل الراقى بين الناس، كذلك معدل الفقر وكثرة الفقراء جعل الناس من أجل المال يمكنهم ارتكاب أى شيء، من الممكن تجدين سائق تاكسى لا يمشى على العداد، أو صاحب منزل يتلاعب بعداد الكهرباء، تجدين العنف الموجه ضد المرأة وما يطلق عليه التحرش انتشر في المجتمع لضعف الرقابة، والعنف ضد الأقليات الدينية ويوجد خطاب عنف موجه ضد ذلك، ومن أمن العقاب أساء الأدب، فأصبحت هناك ثقافة منتشرة من ضربك اضربه من واجهك بالعنف واجهه بالعنف، فالعنف أصبح متأصلا داخل المجتمع المصري، فعندما تذهب لإنهاء عمل ما في الحكومة ويتم تعطيله هذا عنف ضد المواطن، فيبحث المواطن عن الرد بالعنف فتصبح العلاقة متبادلة بالعنف.

ويؤكد سعيد صادق أن الحلول تكمن في تغيير طريقة الخمس مؤسسات التى تتصل مباشرة بالإنسان، وهى الأسرة والمدرسة والإعلام والمؤسسة الدينية والأمن، فالأسرة عليها توجيه النشء، والإعلام يجب وضع تصنيف للأعمال المعروضة فمنذ أكثر من عام كان المسلسل الأول في دراما رمضان هو «الأسطورة»، مسلسل يحض على العنف والبلطجة، والمدرسة يجب تطويرها واستحداث عناصرها، أما المؤسسة الدينية فبعض الآراء التى يذكرونها تؤدى إلى عنف، مثل ضرب المرأة ورد العنف بالعنف، يجب تطوير الخطاب الدينى وتنقيته من الكراهية والعنف، والمؤسسات القضائية يجب أن تكون حجر سد للدفاع عن الإنسان وحماية حقوقه. ويوضح محمود بسطامي، رئيس قسم بحوث الجريمة بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية، أن الفضل في هذه المسألة ليس لكل الجرائم، فالجريمة سلوك إنسانى ويحدث بشكل مستمر، لكن ما يحدث في الفترة الأخيرة أن وسائل الإعلام لم تكن موجودة سابقًا، وأصبحت موجودة في وقتنا الحالي، فبالتالى يتم رصد أى قضية وتضخيمها، فكل يوم تحدث آلاف الجرائم ولم يكن يسمع عنها، ولكن مع وجود وسائل الاتصالات ووجود توجيه لبعض الجرائم من خلال توظيف الجرائم بغرض خدمة بعض الجهات المعينة كى تبين أن المجتمع المصرى مهزوز أو فيه مشكلة وخلل، وبالتالى أحيانا يتم التركيز على بعض أنماط الجرائم، ولكن جرائم البلطجة موجودة في المجتمع المصرى بشكل مستمر.


قانونيون: تشديد العقوبات لا يعالج الظاهرة والحل في إعادة التكوين المجتمعى

يقول جمال جبريل، أستاذ القانون العام، إن أى تطوير للأسوأ تدخل فيه عوامل متعددة ترتبط بنتائج سيئة، أما تحليل فكرة التطور تحتاج إلى تحليل عوامل اقتصادية واجتماعية، وكل المجتمعات في مراحل تطورها يحدث فيها انتشار الجريمة، وثبت يقينًا أن تشديد العقوبات لا يؤدى إلى علاج الظاهرة الإجرامية، إنما يجب بحث الأسباب التى أدت للجريمة ونعالجها، وآخر ما نصل إليه هو النظر للقانون، فنحن عندما نشدد العقوبة لا نعالج أصل الظاهرة، إنما قد نزيد المشكلة.

فيما يرى الدكتور شوقى السيد، الفقيه الدستورى أن هناك تراجعا كبيرا في دور الأسرة، انحدار التعليم، انعدام الرعاية والاهتمام بالشباب، وكل هذه الجرائم غريبة على المجتمع وشاذة وتستصرخ تريد حلا، والحل في تماسك كل عناصر المجتمع وإعادة تكوينها من خلال الاهتمام بدور المجتمع وتفعيل دور المسجد والكنيسة، والارتقاء بمنظومة التعليم ووضع كل سبل الدعم والرعاية بها، والاهتمام بمراكز الشباب والثقافة من أجل الابتعاد بالشباب عن الانجراف في ارتكاب الجريمة، كذلك دور الأمن يقع على عاتقه مسئولية كبيرة في حفظ أمن المجتمع وتقليل نسبة الجرائم.