السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مبادرة السلام - 1

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الحادى والعشرين من نوفمبر الجارى، ستحل الذكرى الثانية بعد الأربعين على مبادرة السلام المصرية التى قام بها الرئيس الراحل أنور السادات ليضع حدًا لصراع دام ما يقرب من ثلاثين عامًا بين مصر وإسرائيل، وذلك منذ لجأنا لخيار الحرب تضامنًا مع الشعب الفلسطينى الشقيق في عام 1948، والواقع التاريخى يؤكد أن الملك فاروق هو من اتخذ قرار دخول الحرب استجابة لمطلب الشارع، بينما كانت الحكومة المصرية متمثلة في رئيسها محمود فهمى النقراشى، ترفض الزج بالجيش المصرى في مغامرة غير محسوبة، خاصة أن الجيش لم يكن قد اكتمل بناؤه بعد سنوات طويلة من الخضوع للاحتلال الإنجليزي انتهت بمعاهدة 36، ولكنه - أى الجيش المصرى - قد شارك في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الجيش البريطانى، ولذا فقد كان بحاجة إلى إعادة الترتيب والتدريب بعد انتهاء الحرب في 1945 ولكن هذا لم يحدث، واضطر الجيش إلى دخول معركة خاسرة في 48، تضافرت فيها عوامل الفساد والخيانة فأدى ذلك كله إلى ما نطلق عليه نكبة فلسطين، والتى كانت سببًا رئيسيًا في الإطاحة بفاروق عقب ثورة 52، وبعيدًا عن التفاصيل فقد حملت مصر على عاتقها أعباء القضية الفلسطينية منذ منتصف القرن الماضى وخاضت الحروب وبذلت الدماء والأرواح وكل ثمين وغال من أجل الشعب الفلسطينى، لكن التاريخ يقول: إن العرب قد اعترفوا بدولة إسرائيل حين قبلوا قرار مجلس الأمن رقم 242، والذى صدر عقب هزيمة يونيو 1967، وبغض النظر عن البند الأول من القرار والذى اختلفت حوله الآراء، وهو الخاص بضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها في 5 يونيو 67، وهل كان لفظ «الأراضى» أى كامل الأراضى أم أراضى أى بعضها، نقول بغض النظر عن هذا البند، فقد جاء في البند الثانى من القرار الذى وافق عليه العرب ضرورة إنهاء حالة الحرب مع دولة إسرائيل، والتأكيد على حقها في العيش بسلام وضمان حرية الملاحة البحرية، وتأسيسًا على هذا القرار وافق الرئيس الراحل جمال عبدالناصر على مبادرة وزير الخارجية الأمريكى روجرز في أغسطس 1970، وكان على استعداد للدخول في مفاوضات ترعاها الولايات المتحدة، وهذا ما أقره الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه «أكتوبر.. السلاح والسياسة»، ولكن القدر لم يمهل عبدالناصر تنفيذ هذه الخطوة، ولما جاء خليفته أعلن عن مبادرته الأولى للسلام في فبراير 71، ولكنها لم تلق الصدى الدولى المطلوب لعدم ثقة أمريكا وإسرائيل في قدرة السادات على تحقيق ما يدعو له، بيد أن هذه الصورة قد تغيرت تمامًا عقب انتصار أكتوبر 73، حيث تحول الرئيس السادات إلى لاعب أساسى يتم الإنصات إلى كل كلمة يقولها، ولذا فقد لاقت مبادرته في 77 اهتمامًا عالميًا، فكانت زيارته التاريخية للقدس، تلك الزيارة التى غيرت معالم الجغرافيا والتاريخ في المنطقة، وسيظل خطابه أمام الكنيست في 21 نوفمبر 1977، علامة فارقة في تاريخ علاقات الدول، وما زال رنين صوته يتهادى إلى أذنى وهو يدوى بكلمات قوية حاسمة ويقول «السلام لنا جميعًا، على الأرض العربية وفى إسرائيل، وفى كل مكان من أرض العالم الكبير المعقد بصراعاته الدامية، المضطرب بتناقضاته الحادة والمهدد بين الحين والآخر بالحروب المدمرة، تلك التى يصنعها الإنسان ليقضى بها على أخيه الإنسان»، وقوله «قد جئت إليكم اليوم على قدمين ثابتتين لكى نبنى حياة جديدة، لكى نقيم السلام وكلنا على هذه الأرض، أرض الله، كلنا مسلمون ومسيحيون ويهود نعبد الله ولا نشرك به أحدا، وتعاليم الله ووصاياه هى حب وصدق وطهارة وسلام»، وكان السادات واضحًا حين قال «إننى لم أجئ إليكم لكى أعقد اتفاقًا منفردًا بين مصر وإسرائيل، ليس هذا وارد في سياسة مصر، فليست المشكلة هى مصر وإسرائيل، وأى سلام منفرد بين مصر وإسرائيل أو بين دولة من دول المواجهة وإسرائيل، فإنه لن يقيم السلام الدائم العادل في المنطقة كلها، بل أكثر من ذلك، فإنه حتى لو تحقق السلام بين دول المواجهة كلها وإسرائيل بغير حل عادل للمشكلة الفلسطينية فإن ذلك لن يحقق أبدًا السلام الدائم العادل»، وكان السادات يراهن على قبول العرب مبادرته، ومن أجل ذلك فقد دعاهم لحضور مؤتمر بفندق «مينا هاوس»، وذلك لإيجاد الحل النهائى والعادل لجميع الأطراف، ولكن العرب أضاعوا الفرصة من أيديهم وبقيت مقاعدهم شاغرة، في حين دخلت مصر مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، فعادت لها سيناء في 82، وبعدما اتهموا السادات بالخيانة والضعف والكفر بالقضية، عادوا يجرون أذيال الندم وهم يقبلون التفاوض في مدريد 90 على نصف ما كانوا سيتفاوضون عليه في 77.. وللحديث بقية.