الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الجيش المصري تاريخ مجيد.. وحاضر يصون المستقبل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يموج الحال مكانا وزمانا بمتغيرات عاصفة لثوابت راكنة قدم الزمان، وتفرض كل الاحتمالات وجودها لتملي على قلم التاريخ محوا للثابت وتثبيتا للمتغير.
ولأن الثقافة المكتوبة هى أول اختراع علمته الحضارة المصرية لغيرها من الحضارات.. استوجب علينا اللجوء إلى الكتابة لاستدعاء انتصارات المصريين منذ التاريخ، تلك الانتصارات لم تكن طمعًا في أراضى الغير أو جورا على حقوقهم، إنما حفاظ على الحق ودعما للعدل، هكذا – دائما – كان جيش المصريين ابن حضارة السبعة آلاف عام من الأخلاق... 
الواقع – الآن – في عوز لإعادة استدعاء قيم وأخلاق من أجل الحق والعدل للحفاظ على ما تبقى للإنسان من إنسانيته.
ستنتقل عبر جولات جيشنا تاريخا ومكانا نخلق من تلك الحلقات المتوالية جسرا موصولا بين فرساننا على مدى التاريخ، وشبابنا الحالى ساعد هذه الأمة وعقلها وصانع مستقبلها.
............................................................................................
السلطان العثمانى ينهزم عسكريا ويفشل في إدارة حرب نفسية على المصريين الحلقة (21)
اشتغل السلطان محمود بسياسة فاشلة لاحتواء انتصارات محمد على في الشام؛ فقد أرسل إليه من الآستانة الأميرالاى أحمد فوزى أثناء عودة الأميرة زهرة هانم زوجة إسماعيل الابن الثالث لمحمد على، وكان على والى مصر القليل من الدهاء لكشف ألاعيب السلطان محمود، فقد تجاهل وصول مندوب السلطان وأوعز إلى كاتم سره حبيب أفندى بإكرامه في الإسكندرية، حتى تلقى أمرا من السلطان بالسفر من الإسكندرية إلى القاهرة لمقابلة الوالى وفشلت مساعيه للصلح فأرسل السلطان محمود مندوبه صارم أفندى وأسر إليه: «إياك وخفض الجناح لمن يرسل إليك، واحفظ عليك نفسك» لأنه كان يخشى مما يضمره محمد على لرسل السلطان وهكذا نصحه برتو باشا عندما رأى في ذهاب فوزى باشا كمن يرسل الحمل لكهف الذئب: «فهل تكون للحمل من أمنية إلا السلامة من مخالبه!».
وعرض صارم أفندى على والى مصر ولاية عكا وطرابلس فقط بمباركة من السلطان العثمانى، إلا أن محمد على رفض من موقع المنتصر وهو في حقيقة الأمر تسيطر جيوشه على الشام بكامل ولاياتها فلم يقبل بالأدنى من السلطان، وهنا ما كان محل طلبه إلا إذعان السلطان بولاية محمد على على الشام كلها وعلى أن تستمر الولاية لأبنائه من بعده نظير دفع الإتاوة عن الشام للباب العالى ويلوح بعدم تقدم جيشه شبرا واحدا عن حدود الشام!
من ناحية أخرى أسرف السلطان في منح العطايا لإبراهيم باشا حتى أعطاه رتبة عسكرية أكبر من والى مصر – والده- ومنحه ولاية الحجاز (الحرمين الشريفين)، ولم تنطل تلك الحيل على والى مصر وقائد جيشها فرفضا كلاهما منح السلطان الخادعة ومعسول وعودة السامة!.
وأرسل محمد على للسلطان في مناقشة عرضه مع سامى بك وباغوص يوسف سكرتيره الخاص، واستكبر السلطان الذى أهانه رد مصر، وآثر الاستقواء بإنجلترا على مصر لإضعاف جيشها، وتلك مساع لم تنطل على القائد إبراهيم فعمل على استمرار تدريب جيشه وتحديثه، وطلب من سكان أدنه لقطع الأشجار التى يرى في صلاحيتها صناع السفن بالإسكندرية لبناء أسطول عسكرى وتجارى لمصر، ولأن غابات أدنه تحوى أجود أنواع الأخشاب، وهو من سرع من تحديث الجيش وإعمال دورات الغيار بين القوات ليستبدل الجرحى بغيرهم وطلب من والى مصر أن يزيد آليات المشاة إلى 25 آلايا بدلا من 20، وكذلك زيادة آليات الفرسان إلى 15 بدلا من 10 آليات، ليصل المجموع 120 ألف مقاتل مصرى عدا الفرسان العرب المصريين والبدو السوريين والأربعة آلاف من أسرى العسكر العثمانيين الذين ارتضوا بالعمل بالجيش المصرى طواعية.
وقد كاتب العديد من الرسائل ينصح والده فيها بالمُضى قدما بجيشه المنتصر إلى ما هو أبعد من أدنه إلى الآستانة قبل أن يتجهز السلطان ويستفيق من الضربات المتتالية ويستعين بالإنجليز أو الروس، إلا أن والى مصر كان له رد دبلوماسي تفوح منه رائحة السياسى المنتصر، وتاتى الردود من تركيا بالإذعان لمطالب مصر من خلال إيفاد خسرو باشا إلى قبطان باشا العدو اللدود لمحمد على في 24 سبتمبر، عبر باخرة مالطية الجنسية وليست تابعة لسفن قبطان باشا كنوع من التقليل من شأن المرسل إليه – عجرفة تركية لا مبرر لها – وتحمل الرسالة موافقة الباب العالى على مطالب محمد على كاملة وتطلب الضمانات على عدم تعدى محمد لخارج حدود الشام وزوال أطماعه في محاصرة الآستانة – ما كل هذا الذل !- وكان رد مصر حادا قاطعا كالسيف بلسان حاكمها: «إن وعده أكبر ضمانة، وإن كلمته كافية، وإنه يريد وضع حد لسفك الدماء ويأسف أن يكرهه الباب العالى على أن يذهب إلى ما وراء الحد الذى وضعه نصب عينيه» – هكذا تكون سياسة من يملك جيشا لا يُهزم!-.
ومن جانب ثالث، كان السلطان يحاول خديعة شعبه والرأى العام الأوربى فقد أصدر نشرات باللغة التركية وبلغات أوروبا تتضمن انتصار جيش العسكر العثمانى على الجيش المصرى في الشام، وعن تردى الأوضاع السياسية وتخبطها في مصر لاستعطاف الباب العالى، وأكاذيب حول انهيار المشروعات الاقتصادية الزراعية والصناعية في مصر وعدم جدواها، فأراد والى مصر ألا يكتفى بالرد على أكاذيب سلطان تركيا عبر قناصل أوروبا وحسب بل استحضر محررين فرنسيين بمصر وأصدر لهم صحيفة في مصر باللغة الفرنسية لترد على أكاذيب تركيا داخل مصر وخارجها، فضلا عن صحيفة الجيش المصرى التى كانت تحرر أخبار انتصارات الجيش المصرى بالشام باللغة العربية موجهة إلى الرأى العام المصرى في الداخل وتلتها صحيفة الوقائع المصرية التى كانت لسان حال مصر.
وبدت ملامح الخطة التركية في الانتظار لفصل الشتاء الذى يختلف كثيرا عن نظيره في مصر، وهو ما لم تعتده الجيوش المصرية ربما في ذلك كسب بعض الوقت لاختيار حليف دولى قوى ضد مصر، وكان إبراهيم قد راسل والده مرارا يصف له أن شتاء الشام ليس في صالح القوات وأنه من الأسلم استغلال الانتصارات المتتالية والقضاء على الجيش العثمانى نهائيا، وفى إحدى الرسائل يقول «إننى لست هنا لقطع الأخشاب، في حين أن رءوف باشا يجمع الآن بقايا الجيش التركى في قونية «واستأذن والى مصر في الزحف على قونية ببعض آلياته لتفرقة شمل الجيش العثمانى قبل استكمال تجميعه».
وعندما استشار والى مصر حليفه قنصل فرنسا ذكره بأنه توقف عند الشام عملا بنصح فرنسا وأرسل توجيها استراتيجيا:.. إلا إذا حكمت علينا الظروف، وللظروف أحكام لا تُرد، فنحن نريد السلام، فإذا أرادوا الحرب فإنى أنهيها كما عرفت أن أبتديها، وفى رسالة أخرى يرد على تسويف تركيا ويقول عن ابنه وجيشه المنتصر: «لا توجد قوة تمنع ابنى المتقد حمية من الوصول إلى أشقودرة، فإذا لم يستطع الوقوف هناك لقلة المؤن في بلاد خربها الظلم والجور فلا أستطيع أن أقول ماذا تكون النتيجة»، وهكذا عندما ينتصر الجيش المصرى تسهل مأمورية سياسة الدولة في التأثير الإقليمى وفرض الشروط.
وسنوالى نشر استجداء تركيا بإنجلترا ضد الجيش المصرى في العدد القادم إن شاء الله.