الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

محفوظيون أكثر من محفوظ.. أديب نوبل يتقبل هجوم ناقد عراقي وصف أعماله بالعجز عن مواكبة العصر.. ومثقفون يثورون ضد تصريحات مجتزأة لـ"أحمد مراد"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"نجيب محفوظ ما لبث أن أصبح عاجزًا منذ أوائل الستينات عن أن يُعبر عن روح العصر الحديث الذي يمور بالحركة والثورة في كل مكان وعلى كل صعيد، وكاد هذا الشعور بالعجز أن يُصيب كاتبًا كبيرًا مثل "محفوظ"، الذي انبهر بالثورة العلمية الحديثة".. هكذا وصف الناقد العراقي على الشوك الكاتب الكبير الراحل نجيب محفوظ في البحث الذي قدمه في مؤتمر الرواية العربية بتونس عام 1973.

لم يكن الأدباء العرب بمعزل عما يجري حولهم من تطورات علمية وتقنية، وكانوا يصبون إلى مواكبة هذه التطورات إبداعيًا، وبما أن شمس نجيب محفوظ كانت الأكثر إضاءة وإشراقًا في ذلك الوقت، بنى الناقد العراقي الدكتور على الشوك، جزءًا من بحثه بعنوان "الأدب العربي والثورة التكنولوجية في النصف الثاني من القرن العشرين" والذي ألقاه خلال المؤتمر على أدب نجيب محفوظ العاجز - على حد تعبيره - عن مواكبة التطورات المتلاحقة والحركة السريعة التي اجتاحت العالم.
وعندما نتحدث عن نجيب محفوظ فنحن أمام قامة أدبية سامقة، خُط اسمه بحروف من إبداع في لوح الروائيين العالميين المحفوظ، ورغم ما قدمه من إبداع نعتز ونفخر به، إلا أن هذا الإبداع في ذاته، والفخر في نفوسنا لا يعفيه من التعرض له بالنقد أو إبداء الرأي، وذلك تأكيدًا على قيمة النقد وترسيخًا لمبدأ أنه لا كهنوت لأحد ولا قداسة مطلقة، لاسيما وقد تغير الظرف الزماني والمكاني الذي قامت عليه أغلب أعمال أديبنا الراحل، وبات العصر الحالي مختلف تمامًا عن الماضي على كافة الأصعدة وفي مختلف المجالات العلمية والفنية والأدبية أيضًا.
وقُبيل المؤتمر التاسع للأدباء العرب في تونس 1973، طالب نفر غفير من الأدباء العرب بالإنتاج المساير لعصر ثورة التكنولوجيا، وكان مبررهم حينئذ أن التقدم العلمي والتكنولوجي يأتي في مقدمة الشروط التي تقتضيها التحولات الاجتماعية في عصرهم، فهم يروا أن التكنولوجيا باتت لها الصدارة على الأيديولوجية. لا سيما أنهم وصفوا زمانهم بأنه عصر لا يرحم التلكؤ والتخلف؛ والهدف من الترحيب بالتقدم العلمي هو الدعوة لإنقاذ الأمة من براثن التخلف والعمل على أن لا يكون الوطن العربي حقل تجارب علمية للغرب، ولكن مصنع إنتاج حضاري بأيدي أبناءه، إضافة إلى أن عصر العلم والتكنولوجيا الذي نحياه له الفضل في لحم شطري الأدب الشفاهي والمدون.
فقال الشوك: "في الآونة الأخيرة اتضح جليًا أن قيمة التراث تتضاءل أمام الانبهار بالتطور العلمي الذي يتلاحق على نحو متوالية هندسية، كما أنه – أي التطور العلمي - يشكك بمفهوم خلود الآثار الفنية، باستثناء بعض الأعمال المتميزة جدًا، وهذا ما عزز من الشعور بالمعادلة القلقة بين الفن والعلم لدى الكاتب الكبير نجيب محفوظ الذي صوّر في "ثلاثيته" واقع المجتمع المصري تصويرًا بارعًا، على طريقة الكُتاب الواقعيين في القرن التاسع عشر، وكان لهذه الطريقة من الكتابة ما يبررها حينئذ، حيث كان المجتمع المصري يتحرك بمثل الطريقة السردية البطيئة التي كُتبت بها روايات تلك الفترة، إلا أن "محفوظ" ما لبث أن أصبح عاجزًا منذ أوائل الستينات عن أن يُعبر عن روح العصر الحديث الذي يمور بالحركة والثورة في كل مكان وعلى كل صعيد، وكاد هذا الشعور بالعجز أن يُصيب كاتبًا كبيرًا مثل نجيب محفوظ، الذي أنبهر بالثورة العلمية الحديثة. وترجم انبهاره من خلال الرواية الضد والعبث، ليسرق الاعجاب الذي استحوذ عليه العلماء، فها هو بطله في "الشحاذ" يقول: "اقرأ أي كتاب في الفلك أو الطبيعة أو في أي علم من العلوم؛ وتذكر ما تشاء من المسرحيات أو دواوين الشعر ثم اختبر بدقة إحساس الخجل الذي سيجتاحك، ولكنه في إحدى رواياته الأخيرة كان أكثر استجابة للعلم، حيث جرب أن يستفيد من مدلول نظرية النسبية متأثرًا بلورنس دريل في رباعيته الاسكندرانية. ويتعزز عند نجيب محفوظ هذا الشعور بالمعادلة القلقة بين الفن والعلم في عصرنا، والانبهار أمام التطور العلم والحضاري الذي يتلاحق على نحو متوالية هندسية تتضاءل في مجرى تقدمها قيمة التراث، فنجده يشكك حتى بمفهوم خلود الأثار الفنية، ربما استثناء بعض الأعمال المتميزة جدًا".

وأثار ما قاله الروائي أحمد مراد، خلال مشاركته في فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب بدورته 38، حفيظة الكثير من المثقفين الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بسبب تصريحات مجتزأة، وإن كانت في حقيقتها هي عين ما طالب به أدباء مؤتمر تونس 1973.
تصريحات "مراد" جاءت حول ضرورة مراعاة طبيعة العصر في رواياته من حيث سرعة الأحداث، وإشارته العابرة إلى أن بعض روايات نجيب محفوظ بها إيقاع بطيء، لا يتناسب مع إيقاع السرد الآن، هو ذاته ما قاله "علي الشوك" في بحثه، وحينما لم تقم الدنيا كما هو الحال الآن، لأن النقد حينها كان نقدًا حقيقيًا، وكان هناك من يعرف قيمة النقد القائم على التوجيه لتصحيح المسار إن كان هناك زللًا أو حيدة عن الطريق، وهو ذاته ما عمد إليه نجيب محفوظ فيما بعد في بعض أعماله الأدبية.
لم ينظر نجيب محفوظ لما قاله علي الشوك حينها، على أنها إهانة لإبداع بشري لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإنما تم التعامل مع الأمر بعقلانية على اعتبار أن الفكر يُرد عليه بالفكر، فما بالك إن كان نقدًا مشروعًا، يقيم مقارنة بين متطلبات سردية تتناسب وفترة زمنية ما، وما تلاه من تغير في الأحداث والظروف والذي أدى بدوره لتغير هذه المعادلة السردية.