الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التعليم الطبي «2».. تدريب الأطباء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عرضنا في المقال السابق تجربة الجامعات المصرية في تطوير التعليم الطبي. وانتهينا إلى أن دورة حياة الطبيب تمر بثلاث مراحل متصلة، وهى التعليم الطبى لحين التخرج في كلية الطب، والحصول على رخصة مزاولة المهنة. ثم التدريب الطبى في المستشفيات ووحدات الرعايه الأولية لحين الحصول على شهادة إتمام البرنامج التدريبى (الزمالة) والحصول على رخصة إخصائي. وأخيرًا مزاولة مهنة الطب والترقى فيها إلى أن يحصل على لقب استشارى أو لقب أستاذ في الجامعات المصرية.
ونخصص هذا المقال للتحدث عن برامج التدريب الطبى للأطباء، وهى من وجهة نظرى أضعف الحلقات في منظومة الصحة المصرية، والسبب الأول لمعاناة الأطباء وربما أيضًا السبب الأول لهجرتهم إلى أوروبا وأمريكا، ولذا فهى الأولى برعاية واهتمام الدولة المصرية وكل المهتمين بالخدمة الصحية والتعليم الطبي.
وبعد أن تم إصدار ونشر التشريعات الخاصة بتطوير برامج التعليم الطبى (بنظام ٥+٢)، تظل هناك ضرورة للانتهاء من إعداد اللائحة التنفيذية للقانون فيما يختص بسنتى الامتياز (التدريب الإلزامي)، وكذلك الامتحان الموحد للحصول على رخصة مزاولة المهنة، وطريقة احتساب مجموع الأطباء بعد أداء امتحان مزاولة المهنة، وأخيرًا اقتراح طريقة عادلة وشفافة لتوزيع الأطباء على التخصصات المختلفة على مستوى الجمهورية.
وأود هنا الإشارة إلى أهمية الاهتمام بسنتى الامتياز في النظام الجديد، حيث إن اللوائح الجديدة قد اختصرت مدة الدراسة إلى ٥ سنوات فقط، وتركت الكثير من الموضوعات المتعلقة بالمهارات الإكلينكية إلى سنتى الامتياز. وأنه لو استمر الحال على ماهو عليه الآن من عدم الجدية من قبل المستشفيات، وعدم الالتزام من جانب أطباء الامتياز، فسوف يكون له عواقب وخيمة على التعليم الطبى وعلى جودة الخريج المصري.
ومن خلال تجربتى الشخصية، ومن خلال النقاش المطول مع كل المهتمين بمنظومة الصحة المصرية، أرى أن الحلقة الأضعف في المنظومة هى برامج التدريب الإكلينكى للأطباء، خاصة أطباء وزارة الصحة، والذين تضطرهم الظروف إلى التسجيل في درجات أكاديمية في الجامعات أو في الزمالة المصرية أو البورد العربي. ولذا، يجب علينا أن ننشأ نظامًا واحدًا للتدريب لكل الأطباء المصريين.
والحقيقة أن هذا الملف قد واجه عثرات عديدة. والواقع أننى كنت قد شاركت في اجتماعات ونقاشات مطولة ومستفيضة خلال العشر سنوات الماضية، تحت رئاسة الأستاذ الدكتور رشاد برسوم. المرة الأولى مابين ٢٠٠٩-٢٠١١، والمرة الثانية مابين ٢٠١٥-٢٠١٨، والتى انتهت جميعها بالفشل في التوصل إلى إنشاء برنامج تدريبى موحد لكل الأطباء المصريين على غرار الزمالة البريطانية أو البورد الأمريكى أو حتى البورد العربي، وذلك للأسباب التالية:
أولًا: تعدد الأنظمة في التدريب بين الجامعات (ماجستير ودكتوراة)، ووزارة الصحة (زمالة مصرية)، ومستشفيات الجيش (زمالة بريطانية)، وغيرها.
ثانيًا: تمسك كل طرف بوجهة نظره (خاصة بين الجامعات ووزارة الصحه)، وعدم إمكانية التوصل إلى نظام واحد يرضى جميع الأطراف.
ثالثًا: عدم توفير الدعم المالى المطلوب لتدريب الأطباء، خاصة في وزارة الصحة.
رابعًا: اختلاف النظام المصرى في التدريب عن معظم الأنظمة العالمية، خاصة في الجامعات المصرية. فلا يوجد مثيل للماجستير المصرى في أى من دول العالم اليوم.
خامسًا: عدم وجود برنامج تدريب طبى بمقاييس عالمية (إلا في أماكن محدودة جدًا)، وتشرف عليه جهة واحدة متخصصة ومستقلة.
ونظرًا لما سبق، فقد اقترحت مع العديد من الزملاء (خاصة د. محمود المتينى واللواء أحمد التودى ود.مكرم رضوان)، ومنذ عدة سنوات، إنشاء نظام تدريب موحد للأطباء، بحيث يكون له معالم واضحة ومتسقة مع الأنظمة العربية والعالمية، وتقدمنا به إلى د.حسين خالد رئيس لجنة القطاع الطبي. وهذا المقترح كان قد تم مناقشته في نقابة الأطباء وفى مجلس النواب، وفى جلسة خاصة للقطاع الطبى عقدت في كلية طب الإسكندرية في شهر أغسطس الماضي. ويحتاج المقترح إلى إرادة سياسية (من وزارتى التعليم العالى والصحة)، وتعديلات تشريعية بسيطة لكى يرى النور.
ويشمل المقترح إنشاء هيئة مستقلة (تابعة لمجلس الوزراء)، تحل محل هيئة التدريب الإلزامي، وتكون مسئولة عن تسجيل وتدريب الأطباء تحت مسمى المجلس الطبى المصري. على أن يستعين المجلس بلجان فنية متخصصة في كل التخصصات الطبية المصرية. وتكون هذه اللجان الفنية مسئولة عن إعداد المنهج التدريبى وطرق المتابعة والامتحانات. وبذلك تنتهى تبعية الزمالة إلى وزارة الصحة، كما تلغى درجة الماجستير في التخصصات الإكلينكية في الجامعات.
وأهم معالم هذا البرنامج المقترح هو أن يختار الطبيب منذ حصوله على رخصة مزاولة المهنة، أحد المسارات الثلاثة التالية للتخصص فيها:
الأول: أن يلتحق بالعمل الأكاديمى للتدريس بالجامعات في التخصصات الأكاديمية (غير الإكلينكية). وهذه الفئة تمثل من ٣-٥٪ من الخريجين. وهذا المسار لا يحتاج إلى أى تعديلات تشريعية. ويستمر كما هو في دراسة الماجستير والدكتوراة دون أى تغيير.
ثانيًا: أن يلتحق ببرنامج الزمالة المصرية لطب الأسرة (الرعاية الأولية). وهو برنامج مستقر وحاصل على الاعتماد من معظم البلدان العربية. وفى معظم بلدان العالم التى تطبق نظام التأمين الصحى الشامل، يستوعب هذا المسار من ٣٠-٤٠٪ من كل الخريجين. وهو أيضًا لا يحتاج إلى أى تعديل تشريعي.
ثالثًا: أن يلتحق ببرنامج تدريب إكلينيكى موحد سواء كان في الجامعات (نحو ١٠٪) أو في مستشفيات وزارة الصحة (نحو ٥٠٪). وهنا يجب إنشاء برنامج تدريبى موحد لكل تخصص، مدته في الغالب ٥ سنوات (وقد يصل إلى ٧ سنوات في بعض التخصصات الجراحية الدقيقة). وهذا المسار يحتاج إلى تعاون وثيق بين الجامعات ووزارة الصحة، ويحتاج أيضا إلى تعديل تشريعى في قانون تنظيم الجامعات. بحيث تلغى درجة الماجستير ويحل محلها درجة الزمالة عند التعيين في وظيفة مدرس مساعد. على أن يحصل المدرس المساعد على درجة الدكتوراة للتعيين في وظيفة مدرس في الجامعات المصرية.
وفى الوقت الذى كنا ننتظر فيه اتخاذ إجراءات لتحقيق البرنامج التدريبى الموحد (سواء كان الزمالة أو البورد)، فوجئنا بأن لجنة القطاع الطبى بالمجلس الأعلى للجامعات تفكر في إنشاء بورد للجامعات المصرية (يستثنى أطباء وزارة الصحة)، وفى نفس الوقت إعلان وزارة الصحة عن حاجتها لمدربين وعن نيتها في الاستقلال بالزمالة المصرية. ومع هذا الوضع الملتبس تزداد معاناة الأطباء، وتقل فرص التدريب وتزداد الفجوة بين مستوى الأطباء المصريين وغيرهم من أطباء الدول المحيطة، مما يدفع أعدادًا متزايدة من الأطباء في التفكير في الهجرة إلى الخارج.