الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأكراد.. وتهميش الأقليات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نعيش أسوأ عصورنا ونحن نرى الحضارة العربية تنزف وتئن، وتشكو الخزى وموت الضمير العالمى.. فنتابع أبشع الجرائم الإنسانية ترتكب ضد شعوبنا، ونشاهد اغتيال القيم وانتهاك الحرمات ووأد الطفولة فى مهدها.. وقد شهدنا طغيان «الأردوغان» التركى وعدوانه على الآمنين فى شمال سوريا، وإراقة دمائهم بدم بارد، واستهداف البنية التحتية وتدميرها.. وهروب آلاف «الدواعش» من السجون، بمساعدة مرتزقة الاحتلال التركى..وشاهدنا الكثير من الصور الدامية لهذه المجازر، والتى يتم تداولها على مواقع التواصل، ولكن الغريب أن بعض من يعلقون على هذه الصور، ينفون عنهم أنهم أهل سوريا، ويكتبون أنهم «أكراد».. وكأنهم يبيحون ما يتعرضون له من ويلات.. ويتناسون أن ما حدث من حروب وانهيار فى سوريا منذ ٢٠١١، هو ما أدى لهذا الوضع.. فقد تم استغلال النزعة القومية للأكراد، ومعاناتهم من التهميش لعقود، حتى يتم تقسيم سوريا وإضعافها.. فأنشأ الأكراد إدارة ذاتية للمناطق التى يشكلون غالبية سكانها، وأنشأوا مؤسساتهم الخاصة، وتوسعوا تدريجيا بدعم من التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة.. وهو بالطبع ما وجد رفضا من الدولة السورية، والتى ترفض إقامة أى حكم ذاتى على أراضيها، وترغب فى عودة الدولة كما كانت عليه من قبل هذا التاريخ.. بالإضافة لرفض الدولة السورية القاطع لتعاون الأكراد مع قوات التحالف الدولى، واعتباره خيانة.. ولعل استجابة الدولة للأكراد، وإرسالهم قوات من الجيش السورى للحدود الشمالية، لصد الهجوم التركى الأخير، يعيد الأمور إلى نصابها، ويعى أكراد سوريا أنهم جزء لا يتجزأ من الدولة السورية، ويعودون إلى صفوف الجيش السورى ليحاربوا معًا الأطماع التركية، ويسيطروا على النفوذ الذى تسعى تركيا لترسيخه منذ ٢٠١١، بدءًا من دعم المعارضة وتدريبها، وإنشاء ما أسموه «الجيش الحر»، وحتى سيطرتهم على بعض المناطق السورية، والتى وصلت إلى تعليق صور أردوغان على بعض المؤسسات، وتدريس اللغة التركية فى بعض المدارس.. ولكى نتحدث عن مسمى «الأكراد» الذى أصبح يتصدر نشرات الأخبار والصحف، فهناك بعض المعلومات الأساسية التى يمكن أن نتعرف بها عليهم، رغم تضارب بعض المعلومات فى العديد من المواقع.. فهم شعوب قديمة وعريقة، من أصول هندو- أوروبية استقروا منذ آلاف السنين فى غرب أسيا، بمحاذاة جبال زاجروس، أو ما يسميه الأكراد «كردستان الكبرى»، التى تقع بين تركيا وإيران والعراق وسوريا.. وهم إحدى القوميات التى يجمعها لغة وتاريخ وعادات وتقاليد.. وقد حاولوا الحفاظ على هويتهم، رغم ما تعرضوا له من تنكيل.. وهم منقسمون جغرافيًا وسياسيًا ولغويًا وقبائليًا وأيديولوجيًا.. اعتادوا السكن فى الجبال، ومن أشهر أمثالهم الشعبية: «الأكراد ليس لهم أصدقاء سوى الجبال».. لأنها كانت تؤويهم وتحميهم من الغزوات، رغم أنها أثرت أيضا فى تفرقهم وانفصالهم عن بعضهم البعض.. ورغم التفاوت فى المعلومات، وخاصة فيما يتعلق بأعدادهم، حيث يقومون هم بالمبالغة فى أعدادهم، وتبالغ الدول التى يعيشون فيها بالمبالغة فى تقليلهم.. إلا أن التقديرات الغالبة أنهم من ٢٥ و٣٥ مليون نسمة، ويشكلون نحو (٢٠٪ من سكان تركيا، و١٠٪ من إيران، و٢٠٪ من العراق، و١٥٪ من سوريا) بالإضافة لآخرين متفرقين فى بلدان أخرى.. أما الديانة فأغلبهم مسلمون سنة، وبعضهم شيعة، بالإضافة لأعداد قليلة من المسيحيين والعلويين والإيزيديين والزرادشتيين.. ومن أشهر الأكراد فى التاريخ الناصر صلاح الدين الأيوبي، والمؤرخ ابن الأثير، والفقيه ابن تيمية، وزرياب أشهر موسيقى فى التاريخ الإسلامى.. ويذكر أنه فى عام ١٥١٤ استولى الأتراك على كردستان، وعانى كباقى الشعوب التى وقعت تحت حكمهم الإستبدادى.. وأثناء الحرب العالمية الأولى حارب الأكراد مع الخلافة العثمانية، بوعد حصولهم على حقوقهم، وهو ما لم يحدث.. ثم حاربوا مع مصطفى كمال أتاتورك، والذى انقلب عليهم بعد ذلك وجرم استخدام لغتهم أو كلمة أكراد.. وقد ثاروا عليه فى انتفاضة كبيرة، قُوبلت بعمليات إبادة، وصلت إلى قتل مليون ونصف المليون كردى، وهروب أعداد كبيرة منهم إلى سوريا.. ورغم أن أعداد الأكراد فى سوريا لا تتجاوز المليونين فى أغلب التقديرات، إلا أنهم يعدوا أكبر أقلية إثنية هناك.. وعلينا أن ندرك أن النزعة القومية لدى الشعوب، تنمو وتزدهر مع استهدافهم أو تهميشهم.. وبالطبع تكون أولى نقاط الضعف التى يستخدمها أعداء أى أمة لإضعافها وتقسيمها.. فكما قال الكاتب أمين معلوف: «أنَّ الإنسان دائمًا يتمسك بهويته المهددة ويتناسى باقى العناصر أو يرفضها بشكلٍ تام.. ومن هنا تنطلق كلمة هم ونحن ودائمًا هم المتخلفون والمجرمون ونحن الحضاريون والمظلومون أو العكس، وبعدها تتحول الهويات إلى هوياتٍ قاتلة تَزرع التفرقة القومية بين أبناء الإقليم الواحد»..كما وصف الفيلسوف الإنجليزى أنتونى جرايلنج الأمم القومية بأنها: «تكوينات مصطنعة حدودها مرسومة بدماء الحروب الماضية.. ولا يوجد بلد على وجه الأرض ليس موطنًا لأكثر من ثقافة مختلفة».. فعلينا إدراك ذلك، حتى لا نجعل تعدد الثقافات والقوميات يفتت الأوطان.. فاحترام اختلافنا ذخيرة وحدة الشعوب، واستقلال ورفعة الأوطان.