الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

بعد وقف إطلاق النار في الشمال السوري.. أوروبا تفتح ملفات أردوغان.. وتباين في الموقف الأمريكي تجاه عقوبات تركيا.. الانضمام للاتحاد الأوروبي والمهاجرين غير الشرعيين واللاجئين والتنقيب عن الغاز أوراق ضغط

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على الرغم من تباين الموقف الأمريكى من العدوان التركى على منطقة الشمال السوري، إلا أن الموقف الأوروبى من التدخل كان الأكثر وضوحًا فيما يتعلق برفض العدوان والضغط على تركيا، وشهدت منطقة الشمال السورى في ٩ أكتوبر ٢٠١٩، قيام القوات التركية باستهداف المنطقة الشمالية التى يتمركز بداخلها الأكراد، والتى تقول أنقرة إنها لحماية أمنها القومى وإنشاء المنطقة الآمنة لعودة اللاجئين، ولكن على الجانب الأوروبى تزايدت المخاوف من أن يؤثر ذلك على النجاحات التى تم تحقيقها من قبل المتعلقة بالقضاء على تنظيم داعش، خاصة وأن الأكراد يمثلون القوى الميدانية التى حاربت التنظيم، وعلى خلفية هذه التخوفات دعا العديد من الدول الأوروبية تركيا بوقف هجومها على شمال شرق سوريا، معربين عن خشيتهم من أن تؤدى إلى زيادة عدم الاستقرار في المنطقة.



ردود الفعل الأوروبية
يشكل الموقف الأوروبى تجاه التدخل التركى في سوريا أحد أهم المتغيرات المهمة التى أثرت بشكل كبير على مسار العملية، خاصة وأن هناك إجماع أوروبى على إنهاء هذه العملية، ومنذ اللحظات الأولى أعلنت الدول الأوروبية معارضتها التحركات التركية، والتى أعلنت عنها هولندا، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة الأوضاع في سوريا يوم ١٠ أكتوبر ٢٠١٩، تبع ذلك اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى في لوكسمبورج، لبحث أزمة التدخل التركى في شمال سوريا، وقبل انعقاد الاجتماع، أكد وزير خارجية هولندا ستيف بلوك من لوكسمبورج، أن بلاده أوقفت مبيعات الأسلحة إلى تركيا، مشيرًا إلى أنها تتطلع إلى رسالة أوروبية واضحة تجاه أنقرة، وأن كلًا من فرنسا وألمانيا أبلغتا تركيا بوقف تزويدها بالسلاح، واعتبرت فرنسا العدوان التركى على سوريا تهديدًا لأمن أوروبا. وأكد بيان مشترك من وزارتى الدفاع والخارجية الفرنسيتين التعليق الفورى لكل مبيعات السلاح إلى تركيا.
الجدير بالذكر أن الموقف الأوروبى الموحد، دعمه بعد ذلك القرار الأمريكى بفرض عقوبات على تركيا؛ حيث أعلن وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوتشين، عن اجتماع لمجلس الأمن القومى لمناقشة فرض عقوبات على تركيا وتعليق كل معاملات الدولار بين واشنطن وأنقرة بعد تدهور الأوضاع شمال شرقى سوريا، ومنذ بداية العدوان التركى على سوريا، اتخذت الدول الأوروبية موقفًا موحدًا مضادًا له، قادته كل من الدنمارك وفرنسا وألمانيا، تمثل في تخفيض التعامل الدبلوماسى والتنديد بالهجوم العسكرى ورفضه، والتهديد بفرض عقوبات اقتصادية ورفض إعطاء غطاء جوى من حلف الناتو في المنطقة.
ولعل هذه التصريحات من جانب دول الاتحاد الأوروبى والتوافق والتنسيق المشترك بين دول الاتحاد يؤشر على عدة دلالات أهمها: 
الخوف من عودة التنظيمات المتطرفة: أبدت الدول الأوروبية تخوفاتها من احتمال أن يسهم الهجوم في إعادة الحياة مجددًا إلى تنظيم داعش مع انصراف المقاتلين الأكراد إلى مواجهة تركيا، كما أن دول أوروبا تعتبر قوات سوريا الديمقراطية ومنطقة الأكراد حصن الحماية الخاص بهم، وخط الحماية الأول من عودة عناصر داعش للمنطقة وانتشارهم نحو أوروبا، الأمر الذى يشير إلى أهمية الأكراد بالنسبة لأوروبا في الفترة الحالية، لذلك ستتخذ الدول الأوروبية أقصى ما يمكنها لإيقاف العدوان التركي، وفى سياق متصل، دعا وزير الخارجية الفرنسى جان إيف لودريان إلى عقد اجتماع طارئ للتحالف الدولى لمحاربة تنظيم الدولة لمناقشة الهجوم التركى على الشمال السوري، خاصة أن تنظيم داعش قد يستغل تغير الأوضاع على الأرض لإعادة الظهور مجددًا.
إن أكثر ما تتخوف منه أوروبا هو أن يسهم العدوان التركى في إعادة إنتاج داعش من خلال استهداف أكبر صمام أمان بالمنطقة ضد التنظيم الإرهابي، ألا وهى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتى تشكل ركيزة التحالف الدولى للقضاء على التنظيم، الأمر الذى أعلنه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون في تحذيره من زعزعة استقرار للمنطقة قد يؤدى إلى ظهور التنظيم الإرهابى مرة أخرى.
كما أن ملف اللاجئين يمثل إحدى القضايا المحورية التى يتم توظيفها من جانب أنقرة في تحقيق أهداف سياساتها الخارجية، خاصة فيما يتعلق بمحورين أساسيين؛ الأول يتمثل في ضمان التأثير بصورة مباشرة في مجريات ومخرجات الأزمة السورية، والثانى يتعلق بتوظيف الجهود الدولية في ضمان استمرار الدعم السياسى والاقتصادى والعسكرى لتركيا خاصة من جانب الدول الأوروبية، وبالتالى فإن هناك العديد من الأهداف التى تسعى تركيا إلى تحقيقها بانتهاج سياسات الضغط بورقة اللاجئين. وفى ظل اقتراب عملية التسوية السياسية الداخلية السورية فإن العدوان التركى ستؤدى إلى تعقيد الوضع الداخلى السوري، الأمر الذى سينعكس بصورة سلبية على العديد من الملفات خاصة ملف اللاجئين وملف إعادة الإعمار، خاصة وأن الرئيس التركى أردوغان دأب على استخدام ملف اللاجئين للضغط على دول الاتحاد الأوروبي، ولعل تصريحه الأخير يؤكد على ذلك؛ حيث حاول الضغط على الدول الأوروبية للتخلى عن موقفهم وقرارات تجميد تصدير السلاح، مهددًا بفتح الحدود لـ٣.٥ مليون لاجئ، كما أن العدوان التركى في الشمال السورى لن يقتصر تأثيره على الشرق الأوسط فحسب، بل إن تداعياتها السلبية ستطالها، وهذا ما ترجمته المواقف الرسمية لكل من باريس وبرلين تجاه العدوان التركي، خاصة موجة النزوح واللجوء الجديدة الناجمة عن القصف والغارات العسكرية، في وقت تبدو فيه القارة العجوز عاجزة عن استيعاب المزيد من الفارين من الحروب والأزمات.

دلالات التغير 
خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس إلى تركيا، في ١٧ أكتوبر ٢٠١٩، تم الاتفاق بين الجانبين على ١٣ بندا تتضمن تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار في شمال شرق سوريا وتعليق العمليات خلال ٥ أيام، مقابل اعتزام الولايات المتحدة إلغاء العقوبات التى كانت ستفرضها على تركيا، اتفقا على إيجاد حل للمنطقة الآمنة وحماية السجون في شمال سوريا ومواجهة داعش. وفى هذا الإطار يمكن الحديث عن التوجهات المتباينة من جانب واشنطن تجاه تركيا، وأنها لم تبد موقفا موحدا تجاه تركيا، لكنها أدركت أن هذه العملية أفرزت العديد من المخاوف الأمريكية، خاصة أن الجانب الأوروبى تبنى سياسة مناوئة للتحركات التركية على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وعلى الرغم من هذا الموقف إلا أن الولايات المتحدة تحركت بصورة منفصلة عن التعاون مع دول الاتحاد الأوروبى وإن كان الـ١٣ بندا المتفق عليها بين الجانبين الأمريكى والتركي، لا يخرج عن أهداف الدول الأوروبية التى حددتها من توجهاتها تجاه أنقرة.
وتأسيسًا على ذلك، فمن المؤكد أن هناك عدة مؤشرات حاكمة لهذا النمط من التوجهات الأوروبية تجاه تركيا، على الرغم من تباين الموقف الأمريكي، كما أنه لا يمكن فهم التوجهات الأوروبية تجاه ما يحدث في الشمال السورى دون النظر بصورة أشمل إلى مسار العلاقات الثنائية بينهما، خاصة أنها تشهد حالة من الخلافات والتذبذبات على خلفية عدة ملفات منها ملف الانضمام للاتحاد الأوروبى وملف المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين والتنقيب شرق المتوسط عن الغاز، لتتعقد العلاقات بشكل أكبر، خاصة مع إصرار أردوغان على شن العدوان رغم تحذيرات شركائه في حلف شمالى الأطلسى «الناتو».
ومن المتوقع أن تستمر هذه الخيارات حتى بعد إعلان وقف العدوان العسكرى التركى بصورة نسبية، خاصة أن الوضع الميدانى الداخلى في سوريا تتداخل فيه العديد من القوى الإقليمية والدولية والتى ستؤثر على مسار العملية السياسية الداخلية السورية، خاصة المواقف الأوروبية.

التداعيات على الجانب التركى
في ظل تباين المواقف بين الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، تمكنت أنقرة من تنفيذ بعض أهدافها الميدانية والسيطرة على عدة مناطق كانت في السابق تخضع لسيطرة الإدارة الذاتية الكردية، من تل أبيض وحتى رأس العين وأعلنت أنقرة أنها ستنهى العملية التى أطلقت عليها «نبع السلام» إذا أكمل المقاتلون الأكراد انسحابهم خلال خمسة أيام من منطقة بعمق ٣٢ كيلومترًا داخل الحدود السورية.
ومن زاوية أخرى فإن الاتفاق بين النظام السورى وروسيا من جانب وقوات سوريا الديموقراطية من جانب آخر حول دخول القوات السورية إلى مدن عين العرب ومنبج سيحفظ وجود هذه القوات التى لم تدخلها منذ ٥ سنوات، وبالتالى عدم القدرة التركية على تنفيذ المنطقة الآمنة التى تستهدفها بطول ٤٨٠ كم، وبعمق ٤٠ كم، إضافة لذلك فإن السيطرة التركية على بعض المناطق الجديدة في الشمال السورى غير قادرة على ضمان استمرار سيطرتها خاصة وأن هناك توجه من جانب روسيا نحو إحكام السيطرة الكاملة على هذه المناطق تمهيدًا لتحقيق التسوية السورية الشاملة. على الجانب الأوروبى لم يكن الاتفاق الأمريكى- التركي، كاف للأهداف الأوروبية التى أعلنتها ووفق الإجراءات التى اتخذتها بوقف مبيعات الأسلحة إلى أنقرة على خلفية العدوان العسكرى التركى شمالى سوريا، فإن دول الاتحاد الأوروبى تهدف إلى تعليق العمليات بصورة كاملة وتراجع تركيا عن المناطق التى سيطرت عليها، أى إنهاء نشاطها العسكرى وسحب قواتها بصورة كاملة واحترام القانون الإنسانى الدولي؛ حيث ترى الدول الأوروبية أن هذه العملية تتسبب في معاناة إنسانية غير مقبولة مع تزايد أعمال النزوح والتهجير القسري، وتقوض الحرب ضد الجماعات المتشددة في المنطقة. وحاولت تركيا توظيف التناقضات في المواقف الأوروبية والأمريكية لتحقيق بعض المكاسب الميدانية التى يمكن لها أن تحفظ دورها في التسوية الشاملة للأزمة السورية مستقبلًا، ولعل تصريح الرئيس التركى بأنه بمجرد اكتمال أعمال صياغة الدستور وضمان وحدة أراضى سوريا ووحدتها السياسية ستنتقل جميع الأراضى إلى الحكومة السورية الشرعية المقبلة، دليل على تقليل فرص الحضور التركى في مناطق الشمال السوري، وذلك أنه وبالرغم من الاتفاق مع الجانب الأمريكى إلا أن واشنطن أعلنت أنها لن تتخلى عن الأكراد.